تفاصيل المعركة بين أمريكا بالأيادي الإسرائيلية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر من أن تحصى، ومع ذلك هناك عناوين رئيسية لهذه المعركة تتكشف كل يوم وتلقي بظلالها على المشهد الراهن برمته، ويمكن من خلالها فهم الواقع ومحاولة استشراف المستقبل القريب.
حول إخلاء طهران
من هذه العناوين الرئيسية تصريح تم تداوله على نطاق واسع حول العالم وهو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب سكان العاصمة طهران بإخلال المدينة بالكامل حفاظا على حيواتهم، ما يعني أن ترامب يوجه إنذاره الأخير إلى النظام الإيراني، خاصة أن هناك حالة نزوح تمت بالفعل من سكان طهران إلى مدن الشمال والشرق، قزوين وجيلان وسمنان وغيرها.
يأتي هذا جنبا إلى جنب مع تسريبات في المواقع الأمريكية التابعة للوبي الإسرائيلي في واشنطن مثل “أكسيوس” حول وجود مباحثات للذهاب إلى الجولة السادسة ــ وربما الأخيرة ـــ من المفاوضات النووية التي قال ترامب بشأنها إنه لا يريدها كصفقة مع إيران ولكن يريد استسلاما كاملا من النظام السياسي.
هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة حسمت أمرها بحيث إنها لا تريد أن يطول أمد الحرب بين إسرائيل وإيران أكثر من اللازم ولا أن تأخذ طابع الاستنزاف للشعب الإسرائيلي، ومن تصريحات دونالد ترامب يُفهم أنه بصدد إعداد إنذار نهائي للجمهورية الإسلامية من أجل قبول اقتراح المصالحة أو دخول الولايات المتحدة في الحرب لإنهاء الأمر بالسلاح الأمريكي المباشر غير المتاح حتى الآن للإسرائيليين.
اقرأ أيضا:
التحول المعلن من ترامب
من الجدير بالملاحظة تدبر ما كشفه مسؤولان أمريكيان، لشبكة سي إن إن، حول أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يزداد ميلا لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ويشعر بالانزعاج من فكرة الحل الدبلوماسي لإنهاء الصراع المتصاعد بين إسرائيل و إيران.
يمثل الموقف الجديد، الأكثر تشددا، تحولا كبيرا في تفكير ترامب، على الرغم من أن المصادر قالت إن ترامب لا يزال منفتحاً على الحل الدبلوماسي إذا قدمت إيران تنازلات كبيرة.
تشير صيغة تدوينة ترامب ومجموعة الأخبار المتداولة المرافقة لها منذ صباح الثلاثاء 17 يونيو 2025 إلى أن اقتراح الاتفاق من ترامب لا يختلف اختلافًا جوهريا عن اقتراحه السابق قبل بدء العدوان الإسرائيلي فجر الجمعة 13 يونيو 2025.
رغبات ترامب من إيران
يطالب الرئيس الجمهوري بإزالة كاملة لدورة الوقود النووي داخل الأراضي الإيرانية، وتفكيك كل منشآت إنتاج الصواريخ الباليستية، ونزع كل سلاح تمتلكه الأمة الإيرانية انتزاعا طوعيا تحت تهديد الدمار، وذلك بطريقة قابلة للتحقق من قبل الخبراء الأمريكيين، جنبا إلى جنب مع خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي هي خاضعة للسيطرة والنفوذ الأمريكي كليا.
إن قبول هذا الاتفاق الأمريكي المحتمل سيدخل الجمهورية الإسلامية في مرحلة من دورة تاريخها ومن كينونة نظامها السياسي والاجتماعي ستكون من حيث الإيديولوجيا والسياستين الداخلية والخارجية، والمواقف والشعارات والتحالفات، ذات شبه معدوم وغير متسق تماما مع ما كانت عليه خلال السنوات الست والأربعين الماضية بعد قيام الثورة الإسلامية لعام 1979م، بحيث يمكن تبسيط الأمور بعبارة واحدة وهي أن ترامب يريد من خامنئي أن يكون شاه إيران جديد خاضع كليا للإرادة والإدارة الأمريكية.
اقرأ أيضا:
غير أن رفض إنذار ترامب يعني دخول الولايات المتحدة في الحرب بنية تحييد جميع الأهداف التي لا يمتلك الإسرائيليون القدرة ولا التقنية للهجوم عليها، بما يعني أن إيران أمام حالة مأساوية للغاية، واستثنائية جدا، وأكثر دراماتيكية من أي مرحلة أخرى عصيبة مرت على تاريخها الطويل.
خيارات إيران الراهنة
ليس من السهل تحديد خيارات إيران في الظرف الراهن، خاصة إذا قررت أمريكا الدخول المباشر إلى الحرب، غير أن الراجح تشبث القيادة الإيرانية بخيار المقاومة خاصة أن النظام السياسي الإيراني هو نظام عقائدي ومن الخطأ إعادة الخبرات التاريخية السابقة بالحرف الواحد وإسقاطها على هذا النظام.
بمعنى أن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران هو نظام عقائدي يفضل الموت والاستشهاد وهو أقصر طريق إلى الجنة عن الرضوخ للقوى الخارجية، خاصة أن تصريحات ترامب لا يمكن أن تتماشى مع الشخصية الإيرانية، لا سيما إن جمعت هذه الشخصية بين العزة القومية وبين العقيدة الدينية معا في بوتقة واحدة.
بالتالي فإن أرجح الخيارات أمام صانع القرار الإيراني الآن هو أنه سيواصل المقاومة بكل ما أوتي من قوة، أخذا في الاعتبار أن هذا النظام حتى الآن لم يستخدم أغلب قوته، ومن المعروف أن إيران دولة قوية على مستوى المشاه والمدرعات والبحرية، غير أنها لم تدخل المعركة إلى الآن إلا بالصواريخ والمسيرات التابعة لقوات الجو فضاء بالحرس الثوري.
اقرأ أيضا:
خاتمة
في المجمل يبدو صانع القرار إزاء معضلة حقيقية وهي قبوله بتجرع أحد كأسي السم: إما الرضوخ والاستسلام الطوعي ووقف الحرب، أو التخلي عن الصبر الإستراتيجي ومواصلة المقاومة وإغلاق مضيق هرمز واستهداف المصالح الأمريكية، وبالتالي النصر وردع العدوان أو احتمالية إعادة خبرة إسقاط الاتحاد السوفييتي وتفكيك الدولة الإيرانية إلى دويلات كما هو مأمول أمريكيا.
للانضمام إلى النشرة البريدية للمنتدى على واتساب من خلال الرابط التالي:
https://chat.whatsapp.com/HRhAtd7IrydFFx6i1zSI7S
رابط قناة الدكتور محمد محسن أبو النور على تليجرام:
https://t.me/iran_with_egyptian_eyes