بعد العملية العسكرية التي أسفرت عن مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري، وأبو مهدى المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي، يكون النظام الإيراني قد خسر أقوى رجاله وأهمهم، بحكم أنه كان على صلات وعلاقات واسعة بدوائر خارجية، فضلًا عن كونه المسؤول الأول عن تدريب وتمويل وكلاء إيران في اليمن من خلال دعم ميليشيا الحوثي، أو في لبنان بدعم وتدريب كتائب حزب الله، أو في قطاع غزة بدعم حركة حماس وحركة الصابرين، أو في العراق من خلال دعم كتائب الحشد الشعبي.
عقب العملية ـ التي تمت باستخدام طائرة مسيرة ـ أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران ستنتقم لمقتل سليماني، فيما أعلن وزير الدفاع الإيراني أن الرد على مقتل سليماني سيكون قاسيًا، وقال مستشار الرئيس الإيراني إن ما حدث يمثل مغامرة غير محسوبة ستدفع واشنطن ثمنها، وعلى سياق أكبر ترأس المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيراني علي خامنئي اجتماعا لمجلس الأمن القومي الإيراني ـ لأول مرة ـ لبحث سيناريوهات الرد على عملية مقتل قاسم سليماني.
ولعل ما حدث يطرح عدة سيناريوهات قد تفكر الإدارة الإيرانية فيها للانتقام والرد على العملية العسكرية التي استهدفت أهم عسكرييها على الإطلاق، الوحيد الذي ظل في منصبه 21 عاما من دون أن يتم تغيير، وأبرز تلك السيناريوهات.
أولا: سيناريو الرد السريع
يقوم هذا السيناريو على أن يكون الرد الإيراني سريعًا إلى حد كبير خشية أن تخسر الإدارة الإيرانية موقفها الدولي وكي تحفظ ماء وجهها أمام سقوط أحد دعائم نظامها على يد الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن سبق وحذرت الولايات المتحدة إيران من مغبة دعم المتظاهرين الذين اقتحموا السفارة الأمريكية في بغداد.
ثانيا: سيناريو الرد الثنائي
قد تستخدم إيران استراتيجية الرد الثنائي من خلال الموقف الرسمي الذي أصدره الجيش الإيراني «القوات المسلحة» فيكون ردًا رسميًا ومباشرًا ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى حشد ميليشياتها المترامية في منطقة الشرق الأوسط وأبرزها كتائب الحشد الشعبي وميليشيا الحوثي بالتحديد.
ثالثا: الرد عن طريق الميليشيات
وينهض هذا السيناريو على أساس رصد حالة الاستنفار العسكرية التي أعلنت عنها عدة كتائب تابعة لإيران أبرزها حركة النجباء التابعة للحشد الشعبي العراقي، فضلًا عن موقف ميليشيا الحوثي، التي عبرت عن رغبتها في الاشتراك في «شرف» الانتقام لمقتل سليماني.
رابعا: سيناريو ضرب الحلفاء
قد لا تتجه الضربة الإيرانية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل إلى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأبرزها دول الخليج، التي عليها أن ترفع من درجة جهوزيتها العسكرية إلى الدرجة القصوى، خاصة وأن إيران تعلم جيدًا أن إمدادات النفط العالمية ستتأثر بشكل بالغ من توجيه ضربة لأي من مصافي النفط الخليجية كما حدث في وقت سابق من خلال ضرب مواقع «أرامكو» السعودية، إلا أن الضربة الجديدة ستكون مركزة بشكل كبير، حال قامت إيران بتنفيذ هذا السيناريو.
خامسا: سيناريو التعيين التبادلي
الرد الإيراني قد يحدث بأسرع وقت ممكن تحقيقًا لمبدأ “التعيين التبادلي” القائم على ضرورة وجود رد فعل على الفعل الأمريكي، ولذلك الترقب هنا ليس لقراءة ما حدث من الولايات المتحدة الأمريكية، بل لقراءة ما يمكن أن تسفر عنه مخططات إيران للرد على واشنطن، في ظل ضعف عسكري واقتصادي محدق تمر به إيران منذ فترة طويلة في ظل العقوبات التي أطاحت بما تبقي لإيران من اقتصاد منذ الثورة الخمينية.
خاتمة
تعلم إيران جيدًا مدى الخطأ الاستراتيجي الناتج عن الذهاب إلى خيار الرد على تلك العملية، كما تعلم أنها في حالة عدم الرد بشكل قاسٍ ستخسر قوتها في الداخل وسيصعب عليها استقطاب الشبان للانضمام للجيش أو مؤسساتها العسكرية الموازية المتمثلة في الحرس الثوري والباسيج وستفقد صورتها الذهنية لدى وكلائها في الإقليم، وتعلم تمام العلم مدى ضعف آلياتها العسكرية أمام الترسانة العسكرية الأمريكية وأمام القدرة الأمريكية على إعادة الرد على أي هجوم؛ لذا فالنظام الإيراني أمام خطأ إستراتيجي جبري وهو إما الرد أو عدم الرد، لأن كلا من الخيارين كارثيين في المحصلة النهائية.