أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأحد 22 يونيو 2025، أن الولايات المتحدة الأمريكية نفذت “هجوما ناجحا للغاية” على مواقع نووية في إيران، بما في ذلك فوردو وناتنز وأصفهان، وظهر في بث مباشر من البيت الأبيض كي يعلن للرأي العام “نجاح العملية” التي لا يمكن لأي جيش في العالم القيام بمثلها، وفقا لقوله.
اقرأ أيضا:
طبيعة العملية الأمريكية
تشير الصورة المبدئية لهذه الكلمة التي حضر فيها إلى ظهر الرئيس نائبه دي فانس ووزيري الخارجية ماركو روبيو والدفاع بيت هيجسيث، وهو ما يعني إرسال رسالة ضمنية مفادها أن قرار شن الحرب على إيران اتخذ بالإجماع في القيادة العليا لإدارته، غير أن غياب المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يعني أنه لم يكن راضيا عن تلك العملية أو أنه تم إخراجه من مشهد إعلان الحرب كي يتم إدخاره للعملية التفاوضية المحتملة في التصور الأمريكي.
على كل حال يعد قرار ترامب بالانضمام إلى الهجمات غير القانونية التي شنتها إسرائيل ضد القيادة الإيرانية والأهداف المدنية والمواقع النووية الكبرى في هذا البلد، انحرافا غير مسؤول عن السياسات الدبلوماسية التي اتبعها ترامب، وهو ما يزيد من حاجة إيران نحو الحصول على سلاح نووي، لأنه لم يترك لها خيارا ذا بال.
كما أن الهجمات العسكرية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، بما في ذلك مجمع تخصيب اليورانيوم المحصن بشدة في فوردو تحت الأرض، قد تؤخر البرنامج النووي الإيراني مؤقتا، لكنها على المدى القصير والمتوسط قد تدفع إيران إلى تقدير موقف مفاده أن امتلاك السلاح النووي ضروري للردع ــ على غرار الحالة الكورية الشمالية ــ وأن واشنطن لا تملك رغبة في الحلول الدبلوماسية، وأنها تريد إخضاع الأمة الإيرانية بالقوة العسكرية وتجريد تلك الأمة من أدوات قواها الوطنية.
إيران وحلم القنبلة النووية
قبل إعلان أمريكا عن هذه العملية بعد منتصف ليل الأحد 22 يونيو 2025م، وحتى قبل العداون الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة 13 يونيو 2025م، كان التقييم المشترك لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، أن إيران لم تكن قد اتخذت قرارا بالتقدم نحو تصنيع قنبلة نووية، وكانت لا تزال بحاجة إلى عدة أشهر لتجميع جهاز بدائي يمكنه القيام بالإنتاج النووي على المستوى العسكري، ولم يكن هناك تهديد إثر ذلك بأن إيران ماضية قدما في عسكرة برنامجها النووي.
في المجمل تقوم التقديرات الإيرانية على أن الهجمات العسكرية الأمريكية وحدها لا يمكنها القضاء على المعرفة النووية الواسعة التي تمتلكها إيران.
فبالرغم من الإقرار بأن هذه الهجمات الأمريكية ستعطل البرنامج النووي الإيراني، إلا أن ثمن ذلك هو تعزيز عزم طهران على إعادة بناء أنشطتها النووية، وانسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT، والذهاب الفوري نحو إنتاج السلاح النووي؛ إذ إن التجربة الراهنة أثبتت بما لا يدع أدنى مجال للشك أن النظام الدولي الراهن تحكمه علاقات القوة، ولا وجود للقانون فيه إلا بين صفحات الكتب الجامعية فحسب.
اقرأ أيضا:
على هذا النحو وبالرغم من أن ترامب تحدث عن نجاح العملية أمام الكاميرات؛ إلا أنه من المبكر تقييم حجم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني نتيجة تلك الهجمات؛ إذ إن تقييم الحالة الراهنة للأنشطة النووية الإيرانية ومراجعة المواد النووية، بما فيها اليورانيوم المخصب قبل الحرب، يتطلب وقتا وربما عودة مفتّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران، وهو أمر غير وارد على الأقل في المدى المنظور.
ترامب يخرق الدستور الأمريكي
الأخطر من كل سبق أن قرار ترامب ببدء الهجوم على إيران من دون الحصول على تفويض قانوني من الكونجرس، وهو ما يشترطه الدستور الأمريكي، يعد انتهاكا صارخا لسيادة القانون الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن ذلك يمكن أن يمرر داخليا تحت نشوة تحقيق الهدف المجمع عليه داخليا في واشنطن بين الجمهوريين والديمقراطيين وهو ضرورة تحييد إيران من أمام طريق مواصلة أمريكا سيادتها على النظام الدولي، حتى لو تم ذلك بعمل غير قانوني.
ولعل هذه العملية الأمريكية خير دليل من جانب تيار المحافظين في إيران حول توحش الإدارة الأمريكية، وحول عدم جدوى التفاوض معها وبالتالي اللجوء إلى الحلول التصعيدية كخيار رئيسي.
ما سبق يمكن أن يلحظه المتابع من خلال تصريحات أدلى بها حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان الأصولية والمعروف بقربه الشديد من المرشد الإيراني علي خامنئي، وقد قال بالحرف الواحد: “الآن جاء دورنا لنرد من دون تأخير، وكخطوة أولى يجب أن نمطر الأسطول البحري الأمريكي في البحرين بوابل من الصواريخ، وأن نغلق في الوقت ذاته مضيق هرمز أمام السفن الأمريكية، والبريطانية، والألمانية، والفرنسية”. وكتب تحت هذا التصريح الآية القرآنية {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}.
اقرأ أيضا:
خاتمة
خلاصة ما أعلاه أن فشل الإدارة الأمريكية في حل المعضلة النووية الإيرانية بالدبلوماسية من شأنه أن يعصف بثقة الناس بالنظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية، ويدفع المزيد من الدول إلى السعي لامتلاك السلاح النووي لمواجهة هجمات القوى النووية الأخرى، ومع ذلك من المرجح أن تذهب إيران إلى خيار المواجهة والانتقام من الولايات المتحدة الأمريكية واستهداف الأصول الأمريكية التي هي على مرمى حجر من القوات البحرية الإيرانية.