اتسمت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر والأردن بالجرأة والوضوح، على الرغم من أن تلك التصريحات الأمريكية جاءت مفاجئة لمراكز صناعة القرار الأمريكية والمؤسسات التشريعية والتنفيذية للإدارة الأمريكية الجديدة، والتي اعتبرت أن تصريحات ترامب هي قنبلة سياسية مفاجئة للجميع، بما في ذلك أقرب الداوئر إلى حكومته، لكن الموقف العربي يتطلب جرأة وصلابة ترفض بذات القدر مخططات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن توسيع جغرافيا إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ويغفل معاناته التاريخية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية.
الحضور الإيراني
يعد مجرد الإعلان عن الترتيب لإقامة تحالف سياسي بين مصر وإيران وتركيا ردًا بالغًا على الجرأة الأمريكية لدعم إسرائيل على حساب الجميع. بشرط أن يستند إقامة ذلك التحالف على الحفاظ على الضوابط التي تتعلق بمحددات الأمن القومي المصري أولًا حيال التخوفات المصرية من قضايا بعينها تتسم بالحساسية الشديدة، إذ ما اتسقت مواقف القاهرة وطهران على وجه التحديد.
وفي كل الأحوال يمكن لمثل هذا التحالف – حال إقامته أو مجرد الإعلان عنه – أن يستند على محددات يمكنها أن تبني شكلًا جديدًا من العلاقات بين الدول الثلاث، في ظل حالة العداء الأمريكية ــ الإيرانية الواضحة، والصراع الإسرائيلي ــ الإيراني العلني، ورفض تركيا للمخططات الأمريكية والإسرائيلية وتوسع تل أبيب على حساب الجميع في الإقليم، علاوة على موقف مصر الصلب والصارم من قضية تهجير الشعب الفلسطيني إلى الأراضي المصرية، وهو ما يمثل خطًا أحمر في سياق السياسات الإستراتيجية المصرية.
وقد أظهر حضور كل من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لقمة الدول الثماني النامية، والتي عقدت في شهر ديسمبر من العام المنصرم في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، أن البلدان الثلاثة في طريقهم لتجاوز خلافاتهما السابقة حول قضايا عدة عكرت صفو العلاقات السياسية بين الجوانب الثلاثة.
وكانت الصورة التذكارية للقمة أبلغ دليل على ذلك، حيث توسط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيريه التركي والإيراني سواء في جلسة الاستقبال أو في الصورة التذكارية للقمة. وأحدث ذلك جدلًا كبيرًا عن احتمال عودة التمثيل الدبلوماسي بين مصر وإيران، على غرار رفع القاهرة تمثيل تركيا الدبلوماسي لديها إلى درجة سفير، وإنهاء سنوات القطيعة بين الجانبين.
وقد سبق أن تحدثت الكثير من الأبحاث والدراسات السياسية ومراكز الفكر على أن فكرة إقامة تحالف سياسي وعسكري بين القاهرة وأنقرة وطهران يمكنه أن يشكل درعًا وظهيرًا قويًا لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، خاصة وأن القاهرة أعادت رسميًا علاقاتها مع أنقرة، وطهران في طريقها إلى نفس المسار، علاوة على أن الثلاثي يواجه رغبة أمريكية في تحييد القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وتوسعها في المنطقة في تجاهل كامل للقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة.
تحالف يواجه إسرائيل
وقبل عملية طوفان الأقصى بعام واحد.. وخلال مرحلة الهدوء المتعارف عليها في المنطقة، جمعني لقاء بالسفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق، والذي طرحت عليه تساؤولًا عن أهمية إقامة ذلك التحالف الثلاثي، وقال لي: “إن ذلك التحالف يبدو من شكله ومضمونه أنه يستهدف مواجهة إسرائيل في ظل احتياجنا إلى فتح قنوات تواصل مع تل أبيب للتفاوض بشأن القضية الفلسطينية وبالتالي فهو أمر مؤجل لحينه”… لكن بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وبروز مخططات إسرائيل التوسعية، واستنادها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحالة العداء الواضحة فقد بات من المهم الحديث عن مستقبل تدشين ذلك التحالف في شكله ومضمونه.
يمكن بناء فكرة ذلك التحالف على اتساق مواقف البلدان الثلاثة حيال ما تموج به منطقة الشرق الأوسط من تطورات لحظية في تغيير استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة، وتعامل واشنطن مع دول الإقليم معاملة مالية ومادية وتوسيعة بحتة.
خاصة وأن واشنطن تحتفظ بقواعد عسكرية لها في بلدان عربية ودعمت موقف تلك القواعد بإثارة فزاعة حماية دول المنطقة من نفوذ إيران، على الرغم من أن دول المنطقة جميعًا تشترك مع إيران في اتفاقيات استراتيجية كان أخرها اتفاق عودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، العدو الاقتصادي الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
ويمكن أن تشكل اللبنة الأولى في إقامة هذا التحالف من خلال ما نادت به القاهرة من تبنيها عقد قمة عربية طارئة تشكل خلالها الموقع العربي الرافض بشكل تام مخطط الولايات المتحدة الأمريكية بانتزاع أراض من مصر لتهجير أهالي غزة إليها، وانتزاع أراض من الأردن لتهجير أهالي الضفة الغربية إليها، ورفض مقترح نيتنياهو بإقامة الدولة الفلسطينية في صحراء المملكة العربية السعودية.
وخيرًا ما فعلته مصر بأن دعت بجانب إقامة قمة عربية إلى إشراك الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامية وفي القلب منها القوة النووية الكبرى باكستان والقوة الإقليمية التي تسبب صداعًا في رأس واشنطن وتل أبيب وهي إيران، وقد تتسق دول المكون العربي والإسلامي حيال القضية الفلسطينية، التي تعد قضية القضايا في الشرق الأوسط، وقضية ذات أبعاد دينية وعقائدية بالنسبة للعرب والمسلمين.
خاتمة
يتحرك بنيامين نيتنياهو في مخططه التوسعي على أساس تعاليم دينية وتلمودية متطرفة تدعو إلى إبادة العرب والمسلمين من أجل بسط الأرض لعودة المخلص، وهو الموقف الذي يتطلب رسوخًا في الموقف العربي والإسلامي تجاه مخططات الصهيونية العالمية والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل في خطتها لتدمير العرب، إذ لن تتوقف طموحات إسرائيل عند حد تهجير الشعب الفلسطيني بل قد تتعداه إلى محاولة إثارة الأزمات في المنطقة في مراحل لاحقة لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” أو “الدولة الموعودة”.
وبمنطق أن “عدو عدوي صديقي” فيمكن أن تتسق المواقف بين الدول الثلاث (مصر – تركيا – إيران) حيال الموقف الذي يجري مواجهته، خاصة وأن القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة تنصف الشعب الفلسطيني، فعلى الرغم من قبول العرب والفلسطينيين قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة ومبدأ حل الدولتين اللذان يعتبرا تنازلًا من العرب والفلسطينيين أصلًا عن جزء من جغرافيتهم لإقامة دولة يهودية، إلا أن إسرائيل أصلا رفضت مع مرور الزمن الالتزام بتلك القرارات وأمعنت في رفض تنفيذها بل والانقلاب على كل الاتفاقيات المبرمة في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، بما فيها تهديد السلام الموقع بين مصر وإسرائيل، وهو ما كشفته بيانات وزارة الخارجية المصرية في سياقات مختلفة.