في تمام الساعة الرابعة عصرا بتوقيت طهران يوم الأحد 22 مايو 2022 لقي العقيد، حسن صياد خدائي، الضابط البارز في فيلق القدس الذراع الخارجية لمؤسسة الحرس الثوري الإيراني، مصرعه رميا بالرصاص على مقربة من منزله في العاصمة الإيرانية، وتشير تلك العملية النوعية إلى أمرين: أن هناك انكشافا أمنيا عميقا تعاني منه إيران، وأن هذه العملية ليست الأولى وبطبيعة الحال لن تكون الأخيرة.
اغتيال قيادي في فيلق القدس
مع تعثر مفاوضات فيينا الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي من جديد من ناحية، تستمر المواجهة بين طهران وقوى إقليمية ولاسيما إسرائيل، وقد شهدت الأراضي السورية واللبنانية والكردستانية جانبا من هذه المواجهات، لكن جاءت المواجهة الأخيرة باغتيال العقيد خدائي، وما تمثله هذه العملية من اختراق لقلب العاصمة طهران، وتعني نقل الصراع إلى مرحلة استراتيجية جديدة هي الأخطر.
وقد أعلنت وسائل الإعلام الحكومية في إيران أن شخصين على متن دراجة نارية أطلقا النار على العقيد حسن صياد خدائي، لدى وجوده في سيارته خارج منزله بشارع “مجاهدي الإسلام” في طهران، وقد أصيب العقيد بخمس رصاصات أودت بحياته.
يعتبر خدائي أحد مساعدي قائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني، وكان يتولى كذلك منصب معاون مدير قسم البحث والتطوير التكنولوجي في هيئة الصناعات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع، وكان مسؤولاً عن نقل تقنية صناعة الصواريخ إلى حزب الله اللبناني، كما تولى نقل الأسلحة إلى سوريا، لذلك كان يلقب بـ”المدافع عن المراقد” وهو المصطلح الذي يستخدم عادة للإشارة لكل من يعمل لصالح الجمهورية الإسلامية في سوريا أو العراق.
ومن المهم الإشارة إلى أن عملية الاغتيال هذه ليست الأولى، فقد تم اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زادة أواخر عام 2021، وسبق تلك العملية عدد من العمليات المماثلة في قلب طهران لعل أبرزها ما تم في يناير 2012 حين تم اغتيال المهندس مصطفى أحمدي روشن.
ماذا تعني عملية الاغتيال؟
تشير عملية الاغتيال إلى اختراق أمني كبير وصل حد الشخصيات المحصنة داخل العاصمة طهران، لأن هذا النوع من العمليات لم يكن ليتم لولا أن هناك مساعدة تم تقديمها لمرتكبي العملية من الداخل الإيراني، وكذلك تشير إلى خلل أمني ومعلوماتي بهذه العاصمة.
جاء وصف الحرس الثوري الإيراني لواقعة الاغتيال بـ”العمل الإرهابي”، وأشار بأصابع الاتهام لعناصر “مرتبطة بجهات الغطرسة العالمية”، وذلك في إشارة للولايات المتحدة وإسرائيل حليفتها الأبرز بالمنطقة.
وتعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالرد على هذه الواقعة، وقال “ليس لدي شك في أن الدماء الزكية لهذا الشهيد سيتم الثأر لها”، وبالتالي من الممكن أن تشهد الأيام المقبلة ردا من الجانب الإيراني على مثل هذه الواقعة، مثلما كان في استهدافها ما وصفه المسؤولون في إيران بأنه “مركز استراتيجي إسرائيلي” في أربيل، ردا على مقتل قياديين من الحرس الثوري في قصف إسرائيلي تم على الأراضي السورية مطلع مارس الماضي.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خبرا يفيد باعتراف إسرائيل بعملية الاغتيال أمام واشنطن؛ ما يعني أن إسرائيل تنقل جانبا من الصراع مع طهران إلى المسائل الاستراتيجية المتعلقة بالنفوذ في الإقليم بدلا من التركيز على الملف النووي فقط.
وهو ما يعني أن هذه العملية تحمل عدة رسائل من إسرائيل، واحدة منها مفادها القدرة على اختراق العمق الإيراني، وكانت تقارير إسرائيلية تفيد بأن خدائي كان يخطط لعمليات اغتيال لعناصر إسرائيلية، وهنا تعتبر العملية رسالة أخرى تعلن فيها إسرائيل عن قدرتها على تبني الضربة الاستباقية.
أثر الاغتيال على مفاوضات فيينا
تأتي عملية الاغتيال في توقيت تتعثر فيه المفاوضات في فيينا حول إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، والذي كانت قد انسحبت منه الولايات المتحدة بشكل منفرد في الثامن من مايو عام 2018 تحت إدارة الرئيس ترامب.
وفي هذا العام أعاد ترامب فرض العقوبات على طهران وأضاف المزيد فيما عُرف بـ”حملة الضغط القصوى” على إيران، وقد بدأت الأخيرة تتحلل من التزاماتها في الاتفاق وعادت لتطوير برنامجها النووي، والآن تطالب إيران برفع “الحرس الثوري” من قوائم الإرهاب، وتخفيف العقوبات، وتطالب كذلك بضمانات من واشنطن بعدم الانسحاب مجددا، في مقابل العودة لالتزاماتها في الاتفاق القديم.
تعارض إسرائيل هذا الاتفاق في صيغته الأولى لعام 2015 ولاتزال تعارض حتى الجهود الرامية لإحيائه، وتخشى رفع أي جانب من العقوبات، الأمر الذي قد يحدث انفراجه اقتصادية في إيران تجعلها تتجه لضخ هذه الأموال في مواجهتها.
وتشير إسرائيل على الدوام إلى أنها تحتفظ لنفسها بحرية الرد من أجل حماية أمنها القومي، بغض النظر عن أي نتيجة قد تفضي إليها مفاوضات فيينا، ويمكن قراءة ذلك من خلال تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، قال فيه: “نحن نحضر ونستعد لليوم التالي على جميع الأصعدة حتى نتمكن من الحفاظ على أمن مواطني إسرائيل بمفردنا”.
وتسعى إسرائيل على الدوام لإحداث تفوق لصالحها أمام خصومها الإقليميين، لذلك تخشى وصول إيران إلى امتلاك القوة النووية، وهو ما لن تسمح به تل أبيب، ومن ناحية أخرى لم تتراجع عن المواجهة المباشرة مع إيران، بل وبدأت أسلوبا جديدا عبر الاختراقات الأمنية والعمليات المخابراتية والتي ظهرت في شكل عمليات اغتيال ممنهجة كان خدائي آخرها، وبدأت تتحسب للرد من الجانب الإيراني، وعليه حذرت مواقعها الدبلوماسية في الخارج من “رد انتقامي محتمل”.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن عملية اغتيال العقيد حسن صياد خدائي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، كما أنها أماطت اللثام عن الانكشاف الأمني الفادح للأمن الداخلي الإيراني أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، كما أن تلك العملية ستلقي بظلالها على مسار مفاوضات فيينا خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية زادت من تعقيد المسار الدبلوماسي بإعلانها عدم الاستجابة إلى مطلب إيران الخاص برفع الحرس الثوري من على قوائم الإرهاب.