ليس هناك من شك في أن عملية “الأسد الصاعد” التي شنتها إسرائيل على إيران في فجر الجمعة 13 يونيو 2025م، هي حرب أمريكية مركبة وموسعة تستهدف إسقاط النظام الإيراني بأيادي إسرائيلية وليس مجرد تغيير سلوكه، وما المفاوضات، والتصريحات الوردية من جانب ترامب إلا إيغالا في نصب شراك الخداع الإستراتيجي الموضوع أمام أقدام المرشد الإيراني علي خامنئي.
سياق الحرب الأمريكية الإسرائيلية على إيران
فلقد أدى الهجوم الإسرائيلي على إيران إلى حدوث تطور غير مسبوق في المعادلات والقواعد الحاكمة بين الطرفين الإقليميين، وقد تكون نتيجة هذه الحرب عاملا حاسما لا في تحديد إطار التفاعلات الإقليمية لعقود قادمة فحسب، بل أيضًا في التأثير على تشكيل النظام الدولي المستقبلي باعتبار أن الشرق الأوسط إقليم حاكم في شكل هذا النظام.
لفهم سياق هذه الحرب فإن الجميع في الدول العربية والإسلامية عموما ــ ونحن المصريين خصوصا ــ في أمس الحاجة إلى تقييم دقيق للأهداف الأمريكية والإستراتيجية التي يستخدمها البيت الأبيض لإسقاط النظام الإيراني ولرفع وكيله المتمثل في النظام الإسرائيلي فوق كل القوى الإقليمية بحيث يسهل مواصلة التحكم في موارد شعوب المنطقة واستنزاف مقدراتها.
هنا لا يمكن تقييم أهداف الهجوم الأمريكي على إيران من دون الإشارة إلى السياق العام الحاكم للسياسة الدولية والإقليمية، فمجمل الأحداث والوقائع تشير إلى أن التغييرات الأساسية على المستوى العالمي قد وضعت النظام الدولي الأحادي القطب، الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أمام تحديات كبيرة، وهو ما يفسر رغبة ترامب في إعادة أمريكا عظيمة مجددا وترديده شعار يشار إليه اختصارا بـMAGA أو Make America Great Again.
اقرأ أيضا:
ودليل ذلك أن العالم يعيش مرحلة من عدم الاستقرار الناجم عن تحولات هذا النظام، فقد رأت أمريكا أن هناك منظمات وتحالفات دولية جديدة تريد علنا إزاحة أمريكا من على قمة النظام الدولي، مثل شنغهاي وبريكس وغيرها، وأن كثيرا من دول الإقليم تنضم إليها، فكان التصرف الأمريكي هو شغل روسيا في الحرب الأوكرانية، ثم شن حرب التعريفات الجمركية على دول العالم وخاصة الصين وشغل الصين في صراع سرمدي مع تايوان، وتغذية نمو اليمين المتطرف في أوروبا، وأخيرا إسقاط النظام الإيراني الذي يمثل عقبة أمام مواصلة أمريكا سيادتها على النظام الدولي ويعطل سيطرتها المطلقة على إقليم الشرق الأوسط ومنطقة غربي أسيا.
إيران كعقبة أمام استمرار النظام الدولي
في ظل هذه الظروف، لم تعد الولايات المتحدة ترى الإطار القانوني، والخطابي، والاقتصادي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية ضامنا لمصالحها أو حافظا لمكانتها؛ ولهذا، اتجهت في السنوات الأخيرة، مع تجاهل تلك الأطر، نحو فرض القوة الصريحة والتخلي عن القوى الناعمة؛ بهدف إيقاف العمليات السياسية التحويلية التي تضعف مكانتها ثم وقف إعادة بناء النظام العالمي، بما يتناسب مع مصالحها واستمرار استحواذها على نصيب الأسد في المكانة الدولية.
كانت منطقة غربي أسيا، باعتبارها قلب المشهد الجيوسياسي والجيوستراتيجي للمنافسة العالمية، إحدى النقاط المركزية التي ركزت عليها الولايات المتحدة لإعادة تشكيل النظام الذي تطمح إليه، حيث تعد إيران العقبة الأساسية أمام تنفيذ مخططها في هذه المنطقة، وبناء عليه، اعتمدت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة على إستراتيجيات متعددة المستويات لاحتواء النفوذ الإقليمي الإيراني بسواعد إسرائيلية تارة وبتحالف ثلاثي أمريكي ــ أوروبي ــ إسرائيلي تارة أخرى.
ولقد تولت أمريكا مهمة العقوبات الاقتصادية على إيران وأوكلت إلى الترويكا الأوروبية (فرنسا ــ بريطانيا ــ ألمانيا) مهمة محاصرة إيران قانونيا في المحافل الدولية، ثم أوكلت إلى إسرائيل مهمة تقليم إظافر إيران وتعطيل مشروعها الإقليمي من خلال العمليات المستمرة على شركائها في اليمن ولبنان وفلسطين والعراق ونجحت أخيرا في إسقاط حليفها الرئيسي المتمثل في نظام عائلة الأسد في سوريا بحلول 8 ديسمبر 2024م.
إستراتيجية أمريكا لإسقاط النظام الإيراني
ليس من نافلة القول التأكيد على أن السنوات الأخيرة في المنطقة شهدت مسارا تدريجيا نحو تحقيق هذه الإستراتيجية، وأخيرا عملت أمريكا وإسرائيل على إطلاق المرحلة النهائية من عملية احتواء إيران، بسبب الثغرات العملياتية والأخطاء الحسابية في محور المقاومة الذي قادته طهران على مدى نحو 20 عاما، واحتواء إيران هنا لا يعني سوى تغيير النظام وتقسيم البلاد إلى 5 دول على الأقل، وهو هدف ليس من السهل تحقيقه على المدى القصير، لكن ليس مستحيلا في ظل انكشاف أمني وتواطؤ جماعات إيرانية داخلية وخارجية مع القوى الخارجية.
غير أن أمريكا رأت أنه لا يمكن تنفيذ المخطط النهائي المتمثل في إسقاط النظام من دون تنفيذ أهداف مرحلية مثل القضاء على قدراته الردعية كالدفاعات الجوية والصواريخ الهجومية ومنظومة طائراته المسيرة، فضلًا عن منع نظام ولاية الفقيه من الوصول إلى العتبة النووية، التي تمثل ردعا حقيقيا أمام تنفيذ المخططات الأمريكية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، نفذت الولايات المتحدة مجموعة من الإجراءات ضد إيران، من ضمنها تطويق طهران في إطار عزلها عن الإقليم بتحالفات إقليمية إسرائيلية مع بعض دول المنطقة، إلى جانب الأنشطة الاستخباراتية المتعلقة باستهداف قادتها وعلمائها (محسن فخري زادة وقاسم سليماني نموذجا)، والهجمات السيبرانية المتواصلة، والعقوبات الاقتصادية، وتعزيز الوجود العسكري في القواعد المنتشرة ببعض دول الإقليم، ومحاولة السيطرة على سقف التوترات دون تجاوز الحدود المسموح بها؛ بهدف تفادي حرب شاملة قد تهدد مصالحها في هذا الجزء من العالم.
أمريكا أرادت تفكيك الداخل الإيراني
ثم انتقلت أمريكا إلى الخطوة الأكثر ذكاء ومكرا وهي تفتيت النخب الداخلية الإيرانية وبذر بذور الشقاق والخلاف بينها خاصة بين معسكري المحافظين والإصلاحيين من خلال الاستخدام التكتيكي لورقة المفاوضات النووية كمقبلات ومشهيات في إطار تفكك الداخل واختلافه حول طرق مواجهة واشنطن، وكانت تلك الخاصية أهم جوانب خطة الخداع الإستراتيجي الأمريكي الكبرى تجاه إيران.
اقرأ أيضا:
وآية ذلك أنه في عهد ترامب استخدمت الولايات المتحدة المفاوضات النووية لا كأداة دبلوماسية فقط بل كجزء من إستراتيجية مركزية أوسع لاحتواء إيران ومن ثم التجهز لإقصاء نظامها السياسي بالكامل وإحلال نظام موالي لها سيكون غالبا رضا بهلوي نجل الشاه محمد رضا بهلوي المقيم في واشنطن والذي طالب قوات الجيش والحرس الثوري والشرطة بالانشقاق عن النظام وزاد بأن طالب الشعب الإيراني بالإضراب عن العمل والعصيان المدني تماما كما فعل هذا الشعب الإيراني في عهد والده بدءا من 1977 وحتى سقوط عرشه عام 1979م.
اقرأ أيضا:
غير أن إيران فاجأت أمريكا بقدرتها على إعادة اللحمة سريعا إلى نظامها بعد الحملة الإسرائيلية الأولى المزلزلة فجر الجمعة 13 يونيو وبعد مضي نحو 14 ساعة بدأت في الإمساك بزمام المبادرة وشنت عدة حملات صاروخية أدت إلى نزول المجتمع الإسرائيلي بكامله أسفل الأرض في الملاجئ، بعد أن توحدت الأمة الإيرانية خلف قيادتها وطالبتها بالثأر لكبرياء الوطن وتجاوزت الاختلافات السياسية والأيديولوجية الداخلية.
خاتمة
في المحصلة النهائية يبدو أن أمريكا ستتشبث بتحقيق غايتها الكبرى المتمثلة في إسقاط النظام عن طريق نقلتها النوعية على رقعة المواجهة وهي اغتيال المرشد علي خامنئي نفسه الذي يمثل وجوده عقبة إضافية أمام مشروع احتواء إيران وتفتيتها وإخراجها من التاريخ نهائيا وإلى الأبد، غير أن هذه الغاية تواجه حاليا بمقاومة صلبة من إيران الأمة وإيران الدولة، وما علينا إلا أن ننتظر حتى نرى من ستكون لها الكلمة العليا الأخيرة في كتابة هذا الفصل من فصول نهاية التاريخ.
🛑 للانضمام إلى النشرة البريدية للمنتدى على واتساب من خلال الرابط التالي:
https://chat.whatsapp.com/HRhAtd7IrydFFx6i1zSI7S
🛑 رابط قناة الدكتور محمد محسن أبو النور على تليجرام:
https://t.me/iran_with_egyptian_eyes