يعد كتاب “مركزية العراق في العقل الاستراتيجي الإيراني” الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة” للباحث العراقي، فراس إلياس، بمثابة محاكمة فكرية وفلسفية واستراتيجية للعقلية السياسية الإيرانية، من خلال طبيعة تعاطيها مع العراق والإقليم بشكل عام، إذ تعد الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية من أهم المعقِدات والظواهر التي تفسر التفاعلات الإقليمية.
وعلى الرغم من الجذور الفكرية والفلسفية التي ورثتها هذه الاستراتيجية من التاريخ الإيراني في مختلف مراحله وعصوره، إلا أن انغماسها الشديد في العراق، باعتباره محوراً للدراسة، وطرحها في المجال الأكاديمي، يرتبط بالعقيدة السياسية الإيرانية في الوقت الحاضر، هذه العقيدة القائمة على التوسع والتمدد والهيمنة، بالاستناد إلى المرتكز الطائفي والديني والمذهبي، فالمتغير المهم الذي فرض نفسه في هذه الدراسة، هو الموائمة العملية بين الأفكار السياسية والفلسفية الإيرانية، والتطبيقات العملية لها في مختلف ساحات الشرق الأوسط، واستشراف مستقبلها، بناءً على سيناريوهات علمية وأكاديمية، اتخذت من تقسيمات الفيدرالية الدولية للدراسات المستقبلية أساساً ومنطلقاً لها.
ولابد من الإشارة إلى أن هناك العديد من الومضات الفكرية والفلسفية الواردة في هذا الكتاب، والتي تحاكي فرضيات الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية في الشرق الأوسط، من خلال تناول المنطلقات الفكرية التي تنطلق منها هذه الاستراتيجية، فضلاً عن إلقاء الضوء على الأطر العامة لها من حيث المؤسسات والمقومات والأهداف والآليات، من إجل إعطاء توصيف عام لها، وتقديم فهم علمي للأبعاد الاستراتيجية التي تسعى إيران إلى تحقيقها في العراق، عن طريق تعاطيها مع مجمل القضايا والملفات الإقليمية المتغيرة والمتجددة، وتمكن هذه الطريقة من تفحص سوسيولوجيا الشخصية الإيرانية القائمة على احتواء الشرق الأوسطـ، وبالشكل الذي سينتهي إلى المزاوجة ما بين الظروف الزمكانية والتطورات المادية الطارئة، وإنعكاسها على إيران سلباً أو إيجاباً.
ولقد جاءت تلك الدراسة للنموذج الإيراني، للمكانة المميزة من جهة، والمثيرة والمقلقة من جهة ثانية، والدور الفعال من جهة ثالثة، والأداء الذي تؤديه في النسق الإقليمي منذ الربع الثاني من القرن العشرين من جهة رابعة، ولأهميتها في عالم اليوم، وفي ظل سيطرتها على مختلف جوانب الحالة العراقية دون منازع.
فدراسة سلوك الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، وآثارها المباشرة وغير المباشرة في مستقبل النظام الإقليمي، تقترن بصلة مباشرة بعالم التغيير، فالاستراتيجية الإقليمية الإيرانية تتميز بكونها استراتيجية للقوة التدخلية في العراق، والأكثر تاثيراً في مخرجات التفاعلات الإقليمية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، فضلاً عن كونها استراتيجية تتميز برؤيتها التوسعية، التي تجعلها مختلفة حتى عن استراتيجيات القوى الإقليمية الأخرى، وكونها اتخذت من العراق مرتكزاً للانطلاق نحو مختلف دول الإقليم، من خلال استهداف الأقليات “الشيعية” الموجودة هناك.
الكتاب يشتمل على ثلاثة أبواب، يُلقِي أولها نظرة عامة على المقاربات المؤطِّرة للاستراتيجية الإيرانية في العراق، من خلال أربعة فصول يطرح أولها مدخلاً تأسيسياً لفهم الاستراتيجية الإيرانية في العراق، ويعرض ثانيها المقومات الرئيسية للاستراتيجية الإيرانية في العراق، ويكشف ثالثها الأهداف المركزية في الاستراتيجية الإيرانية، في حين يطرح رابعها أدوات تفعيل الاستراتيجية الإيرانية وطرائقها.
أما الباب الثاني فيتناول العراق في الاستراتيجية الإيرانية، من خلال دراسة حالة استراتيجية الهيمنة والتوسُّع الإيرانية، وذلك عبر أربعة فصول أيضاً، يدور أولها حول مكانة العراق الجيو ـ ستراتيجية في الإدراك الإيراني، ويكشف ثانيها منافذ الاختراق الإيراني للعراق المعاصر، ويطرح ثالثها تنامي الظاهرة الإيرانية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، في حين يستعرض رابعها أبعاد وأهداف الاستراتيجية الإيرانية في العراق.
أما الباب الثالث والأخير فيتحتوي على عرض مُخرَجات الاستراتيجية الإيرانية في العراق، مقدماً رؤية لبيئة الفعل واستراتيجيات التفاعل على الأرض العراقية، من خلال ثلاثة فصول، ضمّ أولها التداعيات الإقليمية والدولية للاستراتيجية الإيرانية في العراق، واستعرض ثانيها المتغيرات الرئيسية المؤثرة في مستقبل الاستراتيجية الإيرانية في العراق، واستنبط ثالثها مستقبل الاستراتيجية الإيرانية في العراق.
غلاف كتاب “مركزية العراق في العقل الاستراتيجي الإيراني”