في السنوات الأخيرة لم تعد إيران تعانى من الفساد فحسب، بل من غياب الشفافية وتيسير المعلومات بما يصب فى صالح الرأى العام، وهذا بحسب العديد من التقارير المحلية المعنية بملفات الفساد في تلك البلاد، التي قالت إن الفساد في عهد روحاني شمل كل التيارات السياسية والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والعسكرية، وجعل تلك التيارات متورطة في قضايا فساد ضخمة فاقت مئات المليارات من الدولارات، والدليل الأخير البارز على تلك الظاهرة أن وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور عادا إلى واجهة أحداث الفساد السياسي بعد أحاديث متواترة عن تورطهما في تزوير انتخابات 2009.
وقائع قضية محمد رضا خاتمي
فى ديسمبر 2018 تحدث محمد رضا خاتمي، نائب رئيس البرلمان الإيراني الأسبق، وشقيق الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وزوج حفيدة الخميني، عن حدوث تزوير فى الانتخابات الرئاسية العاشرة لعام 2009 والتى شهدت فوز محمود أحمدي نجاد وهزيمة المرشحين الإصلاحيين مير حسن موسوي ومهدي كروبي، من خلال إضافة 8 ملايين صوت في الانتخابات إلى صناديق الاقتراع، في مبنى وزارة الداخلية. وعلى هامش تلك التصريحات تم استدعاؤه ومثوله أمام المحكمة، بحسب ما أفاد موقع بیك إیران الإخباري.
خلال التحقيقات قدم خاتمي وثائق ومستندات في هذا الخصوص، ومنها اعتماده على تصريحات “زيد وعمرو” لهذا السبب أدانته المحكمة.
لكن السؤال هنا من هما زيد وعمرو، اللذين أشار خاتمي إليهما فى استجوابه؟!
موقع سحام نيوز ذكر أن الروايتن اللتين اعتمد عليهما خاتمي قد أشار إليهما رفسنجاني فى مذكراته غير المنشورة، وعرفتا تلك الروايتان بأنهما روايتا “زيد وعمرو”، في إشارة إلى مصادر مجهلة للمعلومات.
أما الرواية الأخرى فتفيد بأنه في أثناء لقاء قاسم سليماني ومحمد باقر قاليباف ومحسن رضائي برفسنجاني بعد عدة أشهر من انتخابات 2009 أخبروه أن وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور قد قاما بتغييرات جدية فى النتيجة ومن ضمن تلك التغييرات إضافة 8 ملايين صوت للأصوات المنتخبة لأحمدي نجاد إلى صناديق الاقتراع وتم التأكيد على أن تلك الإضافة تمت بتنسيق من وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور.
ونظرا لأهمية تلك المعلومة فقد ذكر موقع سحام نيوز أنه يأمل ألا يتم حذف هذه الرواية من مذكرات رفسنجاني إذا طُبعت ونُشرت.
فى هذا السياق طلب خاتمي من قاضي المحكمة استدعاء عدد من الأشخاص، باعتبارهم شهودًا، بمن فيهم محسن رضائي، ومحمد باقر قاليباف، وعدد من كبار المسؤولين الحكوميين وعدد من أعضاء مجلس صيانة الدستور.
في يوم السبت السادس من يوليو لعام 2019 أصدر القضاء الإيرانى حكما تعزيريا بالسجن لمدة عامين لإدانته في “نشر الأكاذيب”، وأنه “يقصد من تصريحاته تضليل الرأي العام”.
عن محمد رضا خاتمي
محمد رضا خاتمي هو ابن روح الله خاتمي، وشقيق الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، أما زوجته فهي، زهرا إشراقي، الناشطة السياسية الإصلاحية، وحفيدة مؤسس الجمهورية الإيرانية الإسلامية، روح الله الموسوي الخُميني، وابنة رجل الدين المعروف، شهاب الدين إشراقي.
وخاتمي طبيب مختص بأمراض الكلى، مارس مهنة الطب فى إيران وإنجلترا قبل أن يصبح نائب وزير الصحة، وذلك بعد فوز شقيقه محمد خاتمي في انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية، وهو سياسي إصلاحي ونائب رئيس البرلمان الإيرانى الأسبق والأمين العام لحزب جبهة مشاركة إيران الإسلامية، وفقا لمجلة حرف تازه.
أما موقع پژوهشکده باقر العلوم، فأفاد أن محمد رضا خاتمى يعتبر المؤسس الرسمي لحزب جبهة مشاركة إيران الإسلامية، وقد تشكل هذا الحزب من العناصر الأساسية للمجموعة الطلابية المسماة بـ”دانشجویان پیرو خط امام” أو “الجامعيون التابعون لخط الإمام”، وهم الكتلة الطلابية التي اقتحمت السفارة الأمريكية بعد انتصار الثورة الإسلامية 1979.
خاتمة
كان من المتوقع أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها خاتمي حجة له أمام المحكمة، وهنا يثور سؤال: لماذا كذبت المحكمة تلك الوثائق ووصفتها بالأكاذيب لتضليل الرأي العام؟! الإجاية أن المحكمة أردات تبرأة ساحة وزارة الداخلية ومجلس صيانة الدستور، خاصة أن اعتراف المحكمة بتلك الأدلة يعد موافقة وتأكيد ضمني على تصريحات خاتمي وأيضا تأكيد على عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية وتورط المؤسسات الحكومية، في عملية التزوير.
المدهش في الأمر هو صدور الحكم دون إبلاغ محامي المتهم، وفقا لقول محاميه، أمير حسين آبادي، وعلى ما يبدو فإن التوترات التي تعيشها إيران لا تسمح بانفجار تلك القضايا التي من شأنها زعزعة الجبهة الداخلية، من منظور صناع السياسات العليا بدوائر اتخاذ القرار في سعد آباد.