فيلم “استرداد” فيلم تاريخي اجتماعي إيراني، صدر باللغة الفارسية عام 2011م من إخراج علي غفاري، وسيناريو عليرضا طالب زاده، ومونتاج محسن على أكبري. تصويره كان في إيران وروسيا وأرمنستان ولهستان. حاز على جائزة سيمرغ[1] الكريستالية في مهرجان فجر السينمائي الدولي[2] الحادي والثلاثين.
يركز الفيلم على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية 1939م – 1945م، أي إبراز أحداث عام 1953م حينما شُكلت حكومة بقيادة الجنرال فضل الله زاهدي في إيران عقب الانقلاب المدبر على رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق. لكن من غير المألوف للمتفرج تضمين رسائل مموهة في الأعمال السينمائية المعروضة له، وهذا ما تصبوا صناعة الأفلام إليه في الأساس، إذ يعمد صناع السينما إلى حشو أفلامهم بنوعين من الرسائل أحدها رسائل مباشرة غير عصية الفهم أو حتى الإدراك، والآخر مموه لسببًا ما. فكانت على النحو الآتي:
أولا: الحوامل المباشرة للفيلم
الفيلم تدور أحداثه عن التعويضات التي من المفترض على بريطانيا وأمريكا وروسيا أن تدفعها لإيران؛ لاستخدام السكك الحديدية الإيرانية وتوريطها في الحرب العالمية الثانية، فتقرر روسيا المتمثلة في الاتحاد السوفيتي آنذاك دفع تعويض يقدر بحوالي 11 طن سبيكة من الذهب الخالص.
تٌعهد المهمة إلى العقيد “فرامرز تكين” وبرفقته أربع شخصيات وهم:
1 ــ برويز بيراني ممثل المصرف الوطني ومنظمة توزيع الأوراق المالية؛ بهدف التحقق من سبائك الذهب المدفوعه لإيران.
2 ــ بهروز رياحي ممثل وزارة الخارجية.
3 ــ بهرام كاووسي الممثل الخاص للقصر والعميل السري لرئيس الوزراء فضل الله زاهدي.
4 ــ غزال غوراني المترجمة الخاصة للعقيد فرامرز. وخلال تلك المهمة يحاول كل من “غوراني ــ كاووسي ــ بيراني” الظفر بالذهب لأنفسهم. وخيانة العقيد فرامرز. لكن في النهاية ينكشف أمر الخائنين وتؤول نهايتهم إلى الموت جميعا.
ثانيًا: ما وراء الفيلم
ما لا يبدو مألوفا للمتفرج أن يسعى الفيلم إلى الترويج لأفكار ورؤى مموهة عبر رموز سيميائية، لا يدرك باطنها سوى متفرج واقد الفكر والتركيز. وقد ضُمِّن الفيلم بعدة رسائل هى كالآتي:
أ ــ “الله الملك الوطن”
كانت إحدى الشعارات زمن شاهنشاه إيران “محمد رضا بهلوي”، وإضمارها في الفيلم ينم على أن الولاء في حقيقته لم يكن سوى للملك، وليس للوطن. وهذا أحد أهداف الفيلم المضمرة، بحيث يشعر المتلقي أن صناع الفيلم أرادوا إبراز حقيقة محمد رضا شاه وهو أنه كان يجعل من نفسه رمزا فوق الوطن.
وهي دلالة تعد بمثابة رد على الجبهة المعارضة والداعية إلى عودة إيران إلى المرحلة الملكية ما قبل ثورة 1979. وأن حقيقة شعاراتهم المعبرة عن الولاء لبلادهم إيران في حقيقتها كذبة وليست حقيقة.
ب ــ خيانة الأميرة أشرف بهلوي[3]
أبرز الفيلم خيانة بهلوية في مشهد المؤامرة بين الأميرة أشرف بهلوي توأم الشاه وبين القائد الثاني للاتحاد السوفيتي “جوزيف ستالين” لاقناع زعيم الاتحاد السوفيتي ألا تٌدفع التعويضات لإيران سوى بطلب من القصر، الأمر الذي سيتيح لها فرصة معرفة كل ترتيبات نقل الذهب باعتبارها أحد أفراد القصر الملكي، وأكثر المقربين والمؤثرين على أخيها الملك.
كذلك انتهاز أشرف للامتيازات التي تمتعت بها لإلحاق غوراني ــ طالبة الماجستير في الأدب الفارسي ــ بالجيش الملكي الإيراني، والعمل لصالحها ولصالح الضابط ستانوف في المخابرات الروسية “كي. جي. بي” والذي تآمرت معه ضد الوطن وحتى ضد أخيها، ما أظهرها في صورة الخائن.
ج ــ خيانة كاووسي
كذلك أبرز الفيلم خيانة بهرام كاووسي الممثل الخاص للقصر والعميل السري لرئيس الوزراء فضل الله زاهدي، وتأمره مع فضل الله زاهدي، وهو في الحقيقة تضمين لخيانة الحكومة وتكالب أفرادها على نهب ثروات الشعب.
د ــ مسكين هذا الشعب
هذه الجملة التي أعقبت كشف العقيد فرامرز خدعة التعويض. وهى أيضا جملة لخصت الفيلم بأكمله، وأوضحت ما يرنوا إليه المخرج. فالفيلم لم يكن سوى إفشاء ضمني للفساد الذي كانت تعانيه إيران إبّان حكم الشاه “محمد رضا بهلوي” من نهب وسرقة واضطهاد لحقوق الشعب الإيراني.
هـ ــ الرابح الحقيقي
ألقى الفيلم الضوء على مساحة سياسية وهي أن التعويضات الروسية لإيران كانت محض كذب وخداع، وهي فخ وقع الشعب في شباكه، وأتاح للملك الظفر بتعويضات الاتحاد السوفيتي لنفسه، فالغاية والهدف من مهمة العقيد المخلص لرتبته في الجيش الملكي وللوطن كان في حقيقته ولاء للملك.
لهذا السبب كان العقيد فرامرز تكين من ضمن الخاسرين حينما أضاع حق شعبه وكشف حقيقة مهمة نقل الذهب إلى إيران، ومن ثم نقلها إلى المصارف السويسرية أي لحسابات الملك البنكية هناك.
مما سبق يتضح أيضا أن كذب الصحف، وترويجها لضجة وصول الذهب إلى أرض الوطن، وحصول إيران على خسائرها من الاتحاد السوفيتي ليس محض صدفة، بل كان في الحقيقة بتدبير من الملك.
النتيجة
في المحصلة النهائية للفيلم يتضح أن المخرج نجح في كسب تعاطف المشاهد حول حادثة مأساوية أبرزت مساوئ حكم الشاه، لكن يؤخذ على المخرج خروجه عن الموضوعية؛ لأن مثل تلك الأحداث الفاصلة في تاريخ وطن ما، تحتاج إلى العمق والشفافية في كشف أغوارها، خاصة أن هذا النوع من الأفلام “أي التاريخية” في حاجة إلى الحيادية، علما بأن الفيلم أنتج في زمن نظام ولاية الفقيه الذي أطاح بنظام الشاه.
عليه فإن رؤية المخرج تظهر مدى انحيازه للنظام الحالي وطعنه في النظام الدابر، وهذا في حد ذاته دافع للمشاهد الواعي كي يعود بنفسه لكتب التاريخ ليس لمعرفة حقائق ملابسات تلك الحادثة فحسب، بل للإطلاع على سياسات إيران في زمن الشاه، والتأكد مما يتم ترويجه الآن في السينما الإيرانية التي تثبت مجددا أن التاريخ هو قصة يكتبها المنتصر، وليس بالضرورة أن تكون تلك القصة صحيحة أو متجردة.
ـــــــــــــــــــــ
[1] سيمرغ، هو طائر أسطوري إيراني ورد ذكره في الكثير من أمهات الكتب الفارسية ومنها: الشاهنامة للفردوسي، ومنطق الطير لفريد الدين العطار/ انظر: د. بديع محمد جمعة، منطق الطير لفريد الدين العطار النيسابوري، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، القاهرة، ط1، 1997، ص184 ومابعدها.
[2] مهرجان فجر السينمائي الدولي أو “جشنواره فیلم فجر” هو اسم أهم مهرجانات السينما الإيرانية التي تنعقد في العاصمة طهران، إذ ترعاه الدولة وتعتبره انتصارا للثورة الإيرانية لعام 1979، ولذلك يقام في شهر فبراير من كل عام تزامنا مع عودة آية الله الخميني من منفاه في باريس إلى طهران وتقلده حكم البلاد، ويستمد المهرجان أهميته من كونه تم تدشينه في حياة الخميني عام 1983م ولذلك يكتسب مكانة خاصة لدى النظام الإيراني الراهن. لمعلومات أكثر عن المهرجان يمكن مطالعة الموقع الرسمي له من خلال الرابط التالي: http://www.fajrfilmfestival.com/ تاريخ الزيارة: الجمعة، 14 أغسطس 2020.
[3] ولدت الأميرة أشرف بهلوي الأخت التوأم للشاه وشقيقته يوم 26 أكتوبر عام 1919م، وهي واحدة من النساء اللائي لعبن دورا مهما في حكم البلاد، وأطلق عليها والدها رضا خان اسم زهراء وقت ولادتها. وكان يقول عنها إنها أقوى من توأمها، وتمنى لو كانت رجلا حتى تحكم البلاد، تزوجت من علي قوام بن قوام الملك سنة 1937م، وتزوجت من المصري، أحمد شفيق سنة 1949م، وأنجبت منه ولدا وبنتا وطلقت منه عام 1959م. تعيش في نيويورك حيث هربت إليها قبل نجاح الثورة وتبلغ من العمر 93 عاما، عقب الإطاحة بأخيها في ثورة 1979 الإسلامية، تنقلت بين باريس ونيويورك، وأطلقت الصحافة الفرنسية عليها لقب “النمر الأسود”، بسبب شخصيتها القوية وانتقامها من المعارضة الداخلية، ونشرت مذكرات لها تنتقد النظام الإيراني بعد الإطاحة بحكم أخيها، وتوفيت عام 2016. انظر: محمد محسن أبو النور، العلاقات المصرية ـ الإيرانية 1970 ـ 1981، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، ص122.