أدت ضغوط قادة حزب الله وقادة الجماعات الأخرى المنضوية تحت “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، إلى جانب رغبة إيران نفسها في حماية بيتها من الداخل إلى الهجوم الصاروخي على إسرائيل فيما اصطلح عليه بعملية “الوعد الصادق” الثانية يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2024م، علما بأن عملية “الوعد الصادق” الأولى كانت في مساء يوم السبت 13 إبريل 2024، وفيما يلي شرح موجز حول طبيعة الحملة الإيرانية الصاروخية على إسرائيل وأهدافها.
طبيعة عملية “الوعد الصادق 2”
بعد اختلافات عميقة داخل مراكز صنع القرار في طهران حول الرد الإيراني على التمادي الإسرائيلي في الحرب على عدة جبهات، من عدمه، اتخذت إيران مساء الثلاثاء 1 أكتوبر 2024م، قرار القيام بحملة صاروخية تستهدف الأراضي الإسرائيلية.
المعلومات المتوفرة حتى الآن حول أنواع الصواريخ التي انطلقت من إيران في طريقها إلى تل أبيب تفيد بأنها من طراز “فتاح” الفرط صوتي، والمؤكد أن هناك حملتين صاروخيتين كبيرتين كل واحدة منهما تقدر بنحو 200 صاروخ على الأقل وأصابت أهدافها بالفعل في قلب تل أبيب.
تستغرق الصواريخ الباليستية ذات التكنولوجيا الإيرانية ما متوسطه 7 دقائق لقطع المسافة بين الأراضي الإيرانية والأراضي الفلسطينية المحتلة التي توجد فيها إسرائيل وهي تقريبا نحو 1500 كم، إذا انطلقت الصواريخ من القطاع الغربي للأراضي الإيرانية.
أهداف عملية “الوعد الصادق 2”
على هذا النحو يتضح أن إيران حسمت أمرها وقررت القيام بعملية صاروخية من شأنها إفهام تل أبيب أنه من الضروري وضع حد لسلوك نتنياهو بناء على ضغوط ومطالبات من قادة حزب الله وقادة الجماعات الأخرى بضرورة التدخل، وإلا سقطت هيبة القيادة بين الوكلاء والحلفاء والشركاء.
العامل الثاني والمهم أن إيران رأت أنها بهذه العملية تحمي نظريتها الخاصة حول “أمنها القومي”، إذ إنها لو صمتت على الاجتياح البري للبنان وبالتالي السماح لإسرائيل بتدمير البنى التحية الأساسية لقوة الرضوان التابعة لحزب الله؛ فمعنى ذلك أن أراضيها نفسها وبيتها نفسه سيكون الهدف التالي لبنيامين نتنياهو.
إضافة إلى أن ترك حزب الله فريسة سهلة ــ من دون ظهير يحميه ــ لإسرائيل معناه فقدان كل ما أنفقته على هذا الحزب في أكثر من 40 عاما، وهو الذي يعد أقوى أذرعها على الإطلاق، وهو الآن أقوى جماعة مسلحة تمتلك أسلحة ثقيلة في العالم وربما في التاريخ.
“الوعد الصادق 2” بين السياسة والعسكرية
عليه كان القرار بهذه الحملة وهو بالتأكيد قرار سياسي قبل أن يكون عسكريا وهو ليس إعلان حرب؛ والدليل أن بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قالت في بيان لها أنه إذا تجرأت إسرائيل على الرد أو ارتكبت أعمالا خبيثة فسيكون رد طهران مدمرا.
وهو ما يعني توقع إيران أن إسرائيل لن ترد تماما كما لم ترد في عملية الثالث عشر من إبريل عام 2024م، وهي العملية التي اصطلح على تسميتها بـ”الوعد الصادق 1″، حين أمطرت إيران سماء إسرائيل بمئات الطائرات المسيرات وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية.
لكن التحدي الذي يواجهه صانع القرار الإيراني في تلك الليلة يكمن في احتمالية أن ترد إسرائيل على تلك العملية الكبيرة وتركز على أهداف نووية أو نفطية؛ وبالتالي يكون المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مجبرا “على الرد على الرد”، وهنا تنفجر الأمور لتصبح حربا إقليمية موسعة على غير رغبة بيت القيادة في طهران.
خاتمة
المؤكد أن عملية “الوعد الصادق 2” باعتبارها حملة صاروخية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، ليست إلا رسالة من طهران إلى واشنطن في المقام الأول وهي التي تدير تل أبيب، ومفاد الرسالة أن إيران لن تبقى في وضع المتفرج في الشرق الأوسط بينما يقوم نتنياهو بالنقلات المتتالية واحدة تلو الأخرى من غزة إلى لبنان إلى اليمن من دون أي نقلة مقابلة من الطرف الآخر الذي يجلس بصبره الإستراتيجي على رُقعة الشطرنج.