تمثل حركة “حماس” أحد أهم الدعائم السياسية والعسكرية للنظام الإيراني في المنطقة العربية، وبالتحديد في أكثر المناطق حساسية للوطن العربي، ودائمًا ما تتغنى طهران بدعم القضية الفلسطينية على اعتبار دعمها السياسي والمالي والعسكري لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، غير أن هذا الدعم ليس سوى أداة من أدوات الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بإجراءات عقابية ضد طهران منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السلطة وانسحابه من الاتفاق النووي.
زيارات حماس لطهران
ففي وقت حرج من عمر إيران، زار وفد رفيع المستوى من حركة المقاومة الإسلامية حماس يتكون من موسى أبو مرزوق وماهر صلاح وعزت الرشق وزاهر جبارين وحسام بدران وأسامة حمدان وإسماعيل رضوان وخالد القدومي، ممثل حركة حماس في طهران، الجمهورية الإسلامية، أول من أمس الأحد، وليس غريبًا في الأمر ألا تعلن حماس أو إيران عن سبب الزيارة، إذ اعتادت حركة المقاومة الإسلامية زيارة طهران بشكل دوري منذ نشأتها حتى أصبح يوليها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي اهتمامًا خاصًا، ويقابل وفد الحركة بنفسه خلال زيارته لطهران، فضلًا عن اللقاءات التي تعقدها الحركة مع الشخصيات الإيرانية المهمة، وأبرزهم قيادات الحرس الثوري.
والواقع أن تعدد تلك الزيارات والمقابلات يشي بأن وفد الحركة يبحث موضوعات لوجيستية مهمة، فقد حرص الوفد على لقاء المرشد الأعلى علي خامنئي، وقبله التقى كمال خرازي، رئيس المجلس الاستراتيجي الإيراني للعلاقات الخارجية، وهو المسؤول عن التنسيق بين إيران وبين أذرعها في المنطقة من ناحية التدريب والتمويل والدعم اللوجيستي.
كما التقى الوفد – سرًا ـ قيادات من الحرس الثوري، ويثار اللغط الآن حول ما عرف بـ”النتائج المهمة” التي ستفضي عنها الزيارة، والتي لم تعلن عنها حماس، طبقًا لموقعها الإلكتروني، ولا رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، إذ التزمت الحركة الصمت بشأن الأهداف المحددة للزيارة.
خلال اللقاء الذي جمع موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس والمبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف الثلاثاء الماضي، شدد أبو مرزوق على أن العلاقات بين حماس وإيران قوية حتى في الوقت الذي تتعرض فيه إيران لحصار أمريكي، وبالتالي فإن من واجب حماس وكل القوى الإسلامية أن تقف إلى جانب إيران.
المثير أن تلك الزيارة جاءت بعد يومين من زيارة وفد حركة حماس برئاسة عضو مكتب العلاقات العربية والإسلامية أسامة حمدان إلى بيروت، حيث التقى مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بمقر السفارة الإيرانية في بيروت، وشدد البيان الصادر عن اللقاء على عمق الترابط بين الطرفين، إلا أن لقاء الطرفين على الأراضي اللبنانية يعكس محاولات إيران لتقريب وجهات النظر بين الحركة في غزة، وبقية أذرع إيران في المنطقة وعلى رأسها حزب الله في لبنان، والنظام السوري.
الصواريخ النقطوية
تصريحات خامنئي خلال زيارة وفد حماس لطهران حملت اعترافًا صريحا منه بدعم الحركة عسكريًا حين يصرح بأن “الفلسطينيين تقدموا خلال السنوات القليلة الماضية لأنهم كانوا يكافحون بالحجارة لكنهم اليوم يمتلكون صواريخ دقيقة”.
وتعد منظومة الصواريخ من طراز “فجر”، فضلًا عن “الصواريخ النقطوية” هي أبرز أنواع الصواريخ التي حصل عليها الجناح العسكري لحركة حماس من طهران، وهي من عائلة صواريخ “فاتح” الإيرانية البالسيتية المطورة قصيرة المدى، والتي يصل مداها إلى 300 كم، وطورت طهران هذه الصواريخ ليصل مداها إلى 500 كم مؤخرًا، وهو تطور نوعي كبير لهذا الطراز.
إضافة إلى ذلك أصبحت إيران تستخدم الوقود الصلب المركب لأول مرة في صواريخ متوسطة المدى وهو ما يجعل تلك الصواريخ تتميز بدقة عالية بعد تطويرها، والأهم أن هذا النوع من الوقود محدود التوافر في دول عدة تصنعه، أصبحت إيران إحداها، حتى بات هذا التطور يمثّل أهم ميزة في الصاروخ بالإضافة إلى عمله “النقطوي”، الذي يتمثل في إصابة الأهداف بدقة شديد، طبقًا للبيانات والإحصاءات الإيرانية.
لذلك أصبحت المنظومة الصاروخية الإيرانية من أهم البنود التي تهتم بها الولايات المتحدة الأمريكية كبد إضافة في أي اتفاق مستقبلي، بعد أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي، الذي وقعه الرئيس السابق باراك أوباما.
خاتمة
لا يمكن التغاضي عن طبيعة ما توليه إيران لحركة حماس من دعم سياسي وعسكري ومالي وتدريبي، وبالتالي تعتمد طهران خلال الوقت الحالي على استراتيجية ما يعرف بـ”صحوة الأذرع” حتى لا تكون هناك إيران واحدة فقط هي التي تقف في وجه الضغوط الأمريكية في المنطقة، ولذلك حملت زيارة وفد حماس لطهران عدة روافع مهمة، وهي:
1 ـ الاتفاق على التمويل اللازم للحركة وتدريب الجناح العسكري طبقًا لما تم الاتفاق عليه خلال لقاء وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، مع وفد من حركة حماس الشهر الماضي، وبالتحديد في 17 يونيو.
2 ـ محاولات طهران تقريب وجهات النظر بين حماس والنظام السوري من جهة وبين الحركة وحزب الله في لبنان من جهة أخرى لتشكيل عامل ضغط على ذراع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وهي إسرائيل.
3 – تعبئة الوضع في قطاع غزة ضد إسرائيل، وهو ما استجابت له حماس فورًا من خلال إعلان غرفة العمليات المشتركة للفصائل في غزة أن حماس رفعت حالة التأهب في قطاع غزة، إلى أعلى مستوى، طبقًا لما أعلنته وزارة الداخلية في غزة أن حالة التأهب تلك كانت جزءًا من “مناورة طارئة” تحاكي التعامل مع تهديد أمني مفاجئ.