أرسلت الإمبراطورة “الشهبانو” فرح بهلوي، خطابا إلى الشعب الإيراني، من منفاها بباريس، في ذكرى وفاة زوجها الشاه محمد رضا بهلوي الأربعين التي وافقت يوم 27 يوليو 2020، وقد رأى “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ــ أفايب” ترجمته والتعقيب عليه؛ لوضع قرائه في صورة ما يجيش بصدر الإمبراطورة التي لم تتمكن من زيارة ضريح زوجها الكائن في مسجد الرفاعي بحي القلعة بالقاهرة هذا العام؛ ولأن الخطاب به العديد من الرسائل السياسية الراهنة الموجهة إلى الشبان الإيرانيين والتي تتعرض فيها بالوصف والشرح والتحليل ــ وكذلك المقارنة ــ لسياسات النظام الإيراني الحالي القائم على نظرية “ولاية الفقيه”.
(*) يوصي المنتدى القارئ الكريم بضرورة قراءة الهوامش المهمة للغاية التي أوردها المترجم أسفل النص.
(*) يؤكد المنتدى أن الخطاب لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر المنتدى ولا وجهة نظر المترجم، وأن المترجم حاول فك شفرات الخطاب وما به من خفايا لغير المتخصصين بالأدلة والبراهين الموثقة في الهوامش أسفل النص.
*****
مليكي أربعون عامًا مضت، منذ أن فارقتَ عالمَنا، هناك بجانب نهر النيل، وقد جعلني رحيلك أعيش أنا وأبنائي والكثير من الإيرانيين في حداد يفوق حد الخيال. فللأسف، هذا العام، تسبب المرض الذي انتشر في جميع أنحاء العالم في وفاة العديد من مواطنينا. وقد حرم الارتباك الذي حدث في الرحلات الجوية أحباءك الذين كانوا يتوافدون على ضريحك في هذا اليوم لتقديم واجب العزاء والتقدير والاحترام لملكهم، من السفر إلى القاهرة.
“
مليكي أنت لست هنا لكي ترى أنه في هذه السنوات الأربعين، نتيجة للانتهاكات والجهل والفساد، أصبحت إيران، والتي كانت تعد واحدة من أغنى الدول في العالم، اليوم دولة يجتاحها الفقر والعوز وبها غالبية من الفقراء والمحتاجين والجياع.
“
أنت لست هنا معنا لترى ماذا جلب النظام الذي يتظاهر بأنه نظام ديني لإيران وللإيرانيين. الفساد غير المسبوق، والسياسات التي تؤدي إلى العقوبات والبطالة والفقر والجوع، لدرجة أن العامل الإيراني الذي كان فخورًا ومزدهرًا في عهدك[1]، الآن يعمل من الصباح حتى المساء، ومائدته لا تزال خالية وهو مذلول ومحبط أمام عائلته. هذا هو العامل ذاته أو ابن العامل ذاته الذي ساهم في عهدك في أرباح الصناعات والمصانع التي كانت تعمل بكامل طاقتها.[2]
وهذا الإيراني الذي يعاني اليوم هو الإيراني ذاته الذي كافح خلال 53 سنة من حكم ملكين عظيمين من ملوك آل بهلوي، وحوّل دولة مفككة إلى دولة متقدمة تتمتع بالهيبة وقد أشاد بها العالم. ففي خلال الطفرة الوطنية في تلك الأيام، تقدم المتخصصون والأطباء وهيئة التمريض والعمال من دول أخرى للعمل في إيران.
كانت إيران في تلك الايام مثالا للتقدم ومحلا لاحترام العالم وتقديره. وذلك بالإضافة إلى الاحتفال بذكرى كورش العظيم، مؤسس حقوق الإنسان، وفي احتفال 2500 عام على بداية الإمبراطورية الفارسية[3] والتي قد أضافت المزيد من الاحترام والتقدير لإيران.
وكانت نتيجة جهودكم المستمرة كملك لإيران، هي خلق الاحترام للإيرانيين وتزايد الثقة في إيران، حيث كان من الطبيعي لمواطنينا السفر إلى العديد من البلدان حول العالم من دون الحاجة إلى تأشيرة دخول. واليوم أيضا فأنت لست معنا لترى المعاناة التي يتجرعها أبناء الشعب الإيراني من أجل الحصول على تأشيرة الدخول إلى بلدان أخرى.
تسبب الاقتصاد المنهار حاليا والانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية في تسليم موانئ الخليج “الفارسي”[4] وبحر قزوين إلى هذا وذاك بعقود طويلة الأجل[5] وحتى الأراضي الإيرانية فقد باعوها.
واليوم، أطفال إيران وشبابها الذين تمتعوا في عهدك بالتعليم المجاني والتغذية المجانية في المدارس الابتدائية والتعليم المجاني في المدارس الثانوية والمعاهد العليا والكليات والجامعات وحصلوا على عشرات الآلاف من المنح الدراسية في الداخل والخارج، ولكن على خلاف ذلك فاليوم يتسول الكثير من الأطفال في الشوارع بسبب ضيق ذات اليد.
“
وقد أصبحت البيئة التي كانت تمثل أهمية خاصة بالنسبة لك متدهورة بشكل لا يصدق ولسوء الحظ، أصبحت حالة المياه الجوفية والأنهار والبحيرات مؤسفة للغاية وذلك بسبب الإهمال وسوء الإدارة؛ ما تسبب في استنزاف المراعي والغابات وتلوث الهواء في المدن وظهور أمراض مزمنة بين المواطنين بشكل لافت للنظر، ما جعل الإيرانيين قلقين بشأن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
“
لكن أي احتجاج من قبل الشعب الإيراني، حتى للحصول على رواتبهم المتدنية، يواجه بإطلاق النار والمذابح والجلد والتعذيب والإعدام في السجون. ومع ذلك فإن المواطن الإيراني يقظ. وفي طليعة المكافحين في هذا الطريق نحو الحرية، يشعر هذا المجتمع بالإحباط ولكن يقظة الشباب، وخاصة الفتيات في إيران اللواتي كن قبل أربعين عامًا يشاركن بكل بفخر وجنبًا إلى جنب مع الآخرين في جميع المجالات في بناء وتطوير البلاد، هن اليوم مستقبل إيران.
أنت لست هنا يا مليكي لترى كيف تصل هتافات الغضب من أبناء الشعب الايراني إلى كل أصقاع الدنيا، ومع الأسف الشديد، لا يزال هناك من الإيرانيين من يتعرضون للهجوم أو القتل أو الضرب وهم صامدون.[6]
إن شباب إيران، الذين تقع على عاتقهم مهمة كبيرة في إنقاذ الوطن وإعادة بناء البلاد، لم يشهدوا عصر إيران الذهبي وملكهم الرحيم، لكنهم يدركون تمام الإدراك أنهم يعرفون أن شاه إيران ضحى بحياته كلها وحتى روحه من أجل إيران وعظمتها.
وفي كل مرة يمكنهم قبول الأخطار، حتى على حياتهم، يهتفون تقديرًا لملوك إيران البهلويين. وقد شهد التاريخ العريق لبلادنا منذ عدة آلاف من السنين العديد من النجاحات والكبوات، وكما كنا نقرأ من هذا التاريخ، في كل مرة تكون بلادنا على حافة الانهيار وخطر الزوال.
“
إن أبناء هذه الأرض ينهضون لإنقاذ إيران الحبيبة. يا مليكي على الرغم من عملك الشاق خلال 37 عامًا من الملكية، فقد تركت وطنك، الذي طالما أحببته، لتجنب إيران ويلات المذابح وتقسيم البلاد، وسلمت إيران وتنازلت عن الحكم لابننا الأكبر.
“
ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، فهو يقوم بمهامه العظيمة والحيوية في حياته، وبإيمان كامل وبجهد وتأكيد على أن التغيير الوطني، سيحدث حتما، والذي يجب أن يتم من دون تدخل الأجانب وفقط من قبل الإيرانيين.
وإلى أن يأتي اليوم الذي يمكن فيه للأمة الإيرانية أن تحدد مستقبلها وتصوت له في مناخ حر ومفتوح، فإنها لن تستسلم. وأنا فخورة بأن يكون لدي ابن مثله.
أيها الأبناء الأعزاء في إيران أتمنى أن تلتفوا جميعًا في يومٍ ما وهو ليس ببعيد، في إيران الحرة وبكل الفرح والسرور، ثم تشعرون في أعماق وجودكم بابتسامة الرضا والامتنان تجاه محمد رضا بهلوي، شاه إيران الراحل.
ــــــــــــــــ
(*) مادة مترجمة عن “الموقع الرسمي للإمبراطورة “الشهبانو” فرح بهلوي” بعنوان “به مناسبت چهلمین سالروز درگذشت شاهنشاه فقید ایران.. پيام شهبانو فرح پهلوي به مناسبت چهلمين سالروز درگذشت شاهنشاه فقيد ايران” نشرت يوم: دوشنبه ۶ مرداد ۱۳۹۹، الموافق: الإثنين 27 يوليو 2020.
[1] في إشارة إلى الطفرة الصناعية الاقتصادية التي حدثت في إيران منتصف السبعينيات على إثر ذروة البترول بعد حرب أكتوبر وما أدت إليه من ارتفاع سعره عالميا وحصول الشاه على عائدات ضخمة من بيع هذه السلعة والتي مكنته من بناء المصانع وتعبيد الطرق وتوسيع الموانئ في أغلب المدن الإيرانية وبالتالي ظهور طبقة من العمال في أوضاع معيشية مزدهرة. / المترجم.
[2] الثابت أن هذا الازدهار الاقتصادي لم يستمر كثيرا بسبب الضعف الهيكلي في إدارة موارد البلاد، ويمكن القول إن تلك الطفرة الاقتصادية حدثت بين عامي 1974 ـ 1977 وعلى إثر هذا التحول نشبت الثورة الإيرانية في أكتوبر 1977، وهو ما أكده عدد من شهود العِيان والمراقبين الميدانيين لتلك المرحلة. انظر: أنتوني بارسنز، الزهو والانهيار.. إيران 1974 ـ 1979، مذكرات السفير البريطاني في إيران، مؤسسة بترا للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1993، ترجمة: نجدة الشواف. / المترجم.
[3] تشير الإمبراطورة هنا إلى الاحتفال الضخم التي نظمه الشاه محمد رضا بهلوي لإحياء الذكرى الـ2500 على إنشاء الإمبراطورية الفارسية التي حكمت نصف العالم القديم، وفي هذا الاحتفال الذي أقيم بمدينة برسبوليس الإيرانية على مقربة من مدينة شيراز بمحافظة فارس (12 ـ 16 أكتوبر 1971م) دعا الشاه رؤساء وملوك العالم، ما جعله عرضة للانتقاد الشعبي العام، وكانت تلك الاحتفالية بداية الانطلاقة الفعلية لمعارضة الخميني للشاه بتهمة الإسراف وإقامة الحفلات الباهظة بينما كثير من الشعب يعيش في الفقر والعوز. انظر: محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله.. قصة إيران والثورة، دار الشروق، القاهرة، ط7 2006. / المترجم.
[4] نتحفظ على تسمية الخليج بـ”الفارسي” والصواب أن اسمه الصحيح: “الخليج العربي”، نسبة إلى أن كل الشعوب التي تعيش على ضفتي الخليج هي شعوب عربية وأن 7 من أصل 8 دول تحيط بالخليج هي دول عربية، وهذه الدول أعضاء في جامعة الدول العربية. / المترجم.
[5] تشير الإمبراطورة فرح هنا إلى اتفاقية بحر قزوين التي تم توقيعها بين إيران وروسيا وكازاخستان وجمهورية أذربيجان وتركمانستان في أغسطس 2018، وفيها تنازلت إيران لروسيا عن كثير من حقوها التاريخية في بحر قزوين، وتشير كذلك ضمنا إلى اتفاقية التعاون التي أحدثت جدلا كبيرا بين الصين وإيران مؤخرا والتي تمكن الصين من السيطرة على والتحكم في جزيرة كيش الاستراتيجية. / المترجم.
[6] تشير الإمبراطورة فرح هنا إلى سلسلة الانتفاضات التي اندلعت في إيران مؤخرا ومنها انتفاضة الدعم ديسمبر 2017 ثم انتفاضة البنزين نوفمبر 2019، وأخيرا احتجاجات الأحواز على إعدام عدد من الشبان المتظاهرين يوليو 2020. / المترجم.