أصبح الدعم الإيراني العسكري لحكومة آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي المتهم دوليا بالقيام بجرائم حرب، مسلمًا به في الأوساط السياسية والعسكرية، وبالأخص في مجتمع خبراء الشؤون الإيرانية حول العالم، لاسيما أن إيران تريد من هذا الدعم إسقاط عدة عصافير بحجر واحد.
ولقد أعادت العقوبات الأمريكية اليوم الجمعة على قائد سلاح الطائرات من دون طيار في الحرس الثوري الإيراني، سعيد آغاجاني، الأذهان إلى الدعم العسكري الإيراني المكشوف لآبي أحمد في صراعاته الخارجية والداخلية على حد سواء، وفي القلب منها عمليات الإبادة الجماعية ضد شعب إقليم التيجراي.
ففي الشهور الأخيرة أمدت إيران آبي أحمد بطائرات متطورة من دون طيار تعمل في مجالي التجسس والضربات الهجومية ومنها على سبيل المثال: طائرة “مهاجر 6″، كما أنه تم رصد طائرة نقل إليوشن Il-76TD إيرانية (روسية الصنع) وقد هبطت في إثيوبيا يومي ٢٣ يوليو و١٦ أغسطس 2021 محملة بالأسلحة واللوجيستيات في مطار هارد ميديا الإثيوبي الذي تهتم به إيران لأسباب استراتيجية.
كان هذا النوع من الأخبار المتداولة مشوبا بالشكوك إلى أن تأكد بعد أن أعلن الجيش السوداني أن قوات دفاعه الجوي أسقطت يوم 13 أغسطس الماضي، طائرة مسيرة على الحدود مع إثيوبيا عند منطقة الفشقة السودانية الخصيبة التي أعلن الجيش السوداني استعادتها والسيطرة عليها في ديسمبر 2020، وقالت القيادة السودانية إن الطائرة كانت تستهدف التجسس، ثم اتضح أنها طائرة إيرانية الصنع.
هنا ليس من نافلة القول التأكيد على أن إيران تريد الانخراط الفعلي التام في الأزمة الإثيوبية لعدة أغراض يمكن تلخيصها في النقاط الخمس التالية:
أولا: الحصول على ورقة تفاوضية مهمة مع اللاعبين الدوليين في مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي، مع علم إيران أن القوى الدولية تراقب عن كثب الأزمة الأثيوبية وتربطها مصالح متعددة بحكومة آبي أحمد.
ثانيا: كسب ورقة تفاوضية كبيرة مع الحكومة المصرية حال جلس الطرفان على أي طاولة تباحث محتمل، خاصة أن إيران تعمل بطاقتها القصوى على تحسين العلاقات مع محيطها الإسلامي، وبطبيعة الحال مصر في القلب منه، وهو ما يمكن قراءته من خطبة المرشد الإيراني الأخيرة احتفالا بالمولد النبوي الشريف، وكذلك خطبة الجمعة اليوم التي ألقاها حجة الإسلام والمسلمين محمد حسن أبو ترابي فرد.
ثالثا: تعظيم تموضعها على الطاولة مع السعودية والإمارات في بغداد لعلمها أن الموقع الجيوستراتيجي الحيوي الذي تتمتع به إثيوبيا في شرقي القارة يهم الدولتين العربيتين الكبيرتين، الحليفتين لمصر.
رابعا: الاستفادة القصوى من اتفاقية التعاون الاستراتجيي مع الصين، إدراكا منها أن بكين تعمل بطاقتها الكاملة في تلك المنطقة من القارة، وتريد طهران أن تحصل على نصيب من الكعكة الاقتصادية لشعوب شرقي القارة التي تحتاج إلى الاستيراد الدائم من الخارج.
خامسا: ترسيخ نفوذها من خلال طريقتها التقليدية لدى دولة يوجد بها قوميات كبيرة من الشعوب المسلمة تقدر بأكثر من نصف عدد السكان وهي شعوب يمكن استخدامها في التشييع السياسي، أي تحويل المذهب لأهداف سياسية واستراتيجية.
في ضوء تلك النقاط الخمس تسعى إيران إلى أن يكون لها موطئ قدم في المسألة الإثيوبية، جنا إلى جنب مع وجودها الاستراتيجي المستدام في شرقي القارة وفي منطقة القرن الإفريقي منذ نجاح الثورة لعام 1979 مرورا بعهدي الرئيسين محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد.
على هذا النحو فطنت أمريكا إلى رغبة إيران خماسية الأضلاع في الانخراط بالمسألة الإثيوبية من خلال برنامجها لإنتاج الطائرات المسيرة وهو برنامج يخضع بالكامل لإشراف قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثوري، وأرادت توجيه لكمات عقابية استباقية لإيران قبل الجولة السابعة المحتملة من مفاوضات فيينا.
ولقد لجأت أمريكا إلى تلك العقوبات ردا منها ــ وفق ما يبدو ظاهرا ــ على الإصرارا الإيراني على ألا تشمل المفاوضات أية أمور غير نووية، في إشارة إلى برنامجي الصواريخ والمسيرات، زائد دورها في الإقليم.
بناء على كل ما سبق أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية اليوم الجمعة أنه وقع عقوبات على أعضاء في شبكة من الشركات والأفراد الضالعين في برامج الطائرات المسيرة الإيرانية، على رأسهم: سعيد آغاجاني، قائد قيادة الطائرات المسيرة في الحرس الثوري الإيراني.
خلاصة ما سبق أن إيران تدعم إثيوبيا عسكريا دعما لا محل فيه للشك، وهي تمهد ــ من خلال هذا الدعم ــ للذهاب بثقلها إلى إثيوبيا ترسيخا لتموضعها الاستراتيجي في منطقة شرقي القارة، لكن السؤال: هل تعي إيران أنه لو تطورت أزمة السد الإثيوبي إلى مرحلة ما بعد الدبلوماسية فإنها ستكون في حالة مواجهة مع الشعب المصري؟ وهل تقوى إيران على تلك المواجهة؟!