تمر العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية بمنحنى شديد الخطورة، فمنذ إعلان تل أبيب عن امتلاكها أسرار البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة الكبرى التي وجهها جهاز الموساد الإسرائيلي في العمق الإيراني باستيلائه على ما قرابته نصف طن من الوثائق والمستندات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، والذي تم تهريبه إلى أذربيجان ومنها إلى إسرائيل، باتت مفاعلات إيران وعلماؤها تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية بشكل كامل، وقد ظهر ذلك بفداحة في واقعتي اغتيال أبو محمد المصري في طهران يوم 7 أغسطس الماضي وأخيرا في واقعة اغتيال كبير علماء البرنامج النووي محسن فخري زادة في قلب العاصمة ذاتها.
نظرة بانورامية
استغلت إسرائيل ما تحصلت عليه من معلومات، وقد خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي أعلن خلاله عن صيده الثمين في شهر إبريل من عام 2018 وقد كان ذلك أحد العوامل التي بنى عليها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب موقفه من انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018.
”
جاء الاستثمار الثاني من جانب إسرائيل في ذلك السياق بأن امتلكت تل أبيب شفرات الدخول إلى مفاعلات إيران النووية وأسفر ذلك عن سلسلة الحرائق التي شهدتها إيران في عدة مناطق استراتيجية خلال الشهور الفائتة.
“
بعدها تعددت الهجمات بين الهجوم السيبراني والعمليات التخريبية كتلك التي شهدها مفاعل نطنز المحصن وغيره من الأماكن الحيوية والحساسة في إيران، ما يؤكد مدى ما تعيشه إيران من حالة اختراق أمني على أعلى مستوى من الجانب الإسرائيلي.
اغتيال فخري زادة
عقب الإعلان عن اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة شرق العاصمة طهران، اتجهت كل الاتهامات إلى إسرائيل، ما فهم منه أن هناك تأكيدات إيرانية على ضلوع الجانب الإسرائيلي في تنفيذ تلك العملية الصعبة التي تمت في وضح النهار وفي إحدى أهم المناطق الجبلية شديدة التحصين، والتي تحتوي على منشآت نووية كثيرة تجري فيها الأبحاث الخاصة بتطوير المفاعلات النووية.
وتمت تلك العملية بشكل درامي من خلال تفجير قنبلة وإطلاق متواتر للرصاص الحي الذي أصاب فخري زادة ومرافقيه، كما أصاب البرنامج النووي الإيراني الإيراني في مقتل.
عقب تلك العملية انطلقت الأبواق الإسرائيلية القريبة من أجهزة الاستخبارات لترمي إلى تأكيد وقوف تل أبيب وراء تنفيذ ذلك الحدث الجلل، وسخّر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين المقرب من جهاز الموساد حسابه الشخصي على تويتر للتغني بذلك الحدث.
إيدي كوهين أكد أن ما حدث يمثل محاولة من تل أبيب لحماية أمنها القومي من مخاطر إيران النووية في المنطقة، ولردع أية محاولة جديدة أو تطور لافت في البرنامج النووي الإيراني عقب مقتل عقل البرنامج النووي الإيراني محسن زادة.
سيناريوهات محتملة
عقب العملية بدأ الجميع يحبس أنفاسه ترقبا للرد الإيراني المرتقب على تلك الحادثة التي استهدفت من يطلق عليه في إيران “خان القنبلة النووية الإيرانية” نسبة إلى عبد القدير خان الملقب بـ”أبو القنبلة النووية الباكستانية”.
”
بمجرد إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تورط إسرائيل في تلك العملية وسارعت السفارات الإسرائيلية حول العالم بإعلان حالة التأهب القصوى تحسبا لأي ردة فعل إيرانية محتملة، في ظل إعلان إيران أنها تحتفظ بالرد على تلك العملية في الوقت والمكان المناسبين.
“
قد يتأخر الرد الإيراني بعض الوقت بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحريك حاملة الطائرات الأمريكية يو إس نيميتز إلى منطقة الخليج العربي مصحوبة بعدد لا بأس به من السفن الحربية لتقديم الدعم القتالي والغطاء الجوي المناسبين في حال حاولت إيران الرد على تلك العملية، ما قد يؤجل الرد المباشر، إلا أنه لا يزال على الطاولة ينتظر قرار التنفيذ حفظا لماء الوجه.
أما عن وكلاء إيران في المنطقة القريبة من إسرائيل، فقد بدأت بوادرها بإعلان حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة إدانتها لعملية الاغتيال، معتبرة أن تلك العملية تحمل بصمات صهيو ـ أمريكية واضحة، على حد تعبير البيان، مضيفة أن تلك المحاولة تأتي في سبيل الانتقام من إيران لوقوفها بجانب القضية الفلسطينية.
كما أدانت حركة حماس العملية باللهجة نفسها التي استخدمتها حركة الجهاد بدون الحديث عن انتقام، ما يشي بأن الإعلان عن الرد مؤجل لحين الحصول على الضوء الأخضر من طهران لضرب عمق تل أبيب أو حتى المستوطنات المجاورة للقطاع المحاصر بصواريخ من صناعة طهران تنطلق من غزة مباشرة.
خاتمة
في المحصلة لا يمكن النظر إلى العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية على أنها ستشهد توترا بسيطا خلال الفترة المقبلة، بل ستشهد تصاعدا مع انطلاق الرد الإيراني وإن تأخرت بوادره، لكن الجانب الإيراني لن يصمت على اغتيال أحد أهم علمائه النوويين المعين من قبل خامنئي شخصياً على رأس البرنامج النووي الإيراني.
”
بالرغم من أن تل أبيب تصعد ضد طهران لكن على جانب آخر لا تزال الإدارة الأمريكية الجديدة محط اهتمام وترقب كبيرين من الجانب الإيراني، بمعنى أن طهران قد تستمر في كظم غيظها مؤقتا لحين صعود جوزيف بايدن للبيت الأبيض وإعادة الحوار بين واشنطن وبين طهران، وساعتها قد تطلب إيران تعويضات هائلة عن ما لحق بها وبرجالها من أضرار بداية من قاسم سليماني وحتى محسن فخري زادة.
“
الأمر الآخر يتمثل في أن إسرائيل ستكون حاضرة بشكل أساسي فيما إذا لجأ الرئيس الأمريكي الجديد إلى لغة الحوار بعد سنوات من التوتر الذي شاب العلاقات بين طهران وبين واشنطن، كما كانت حاضرة في سنوات التوتر الدائم، وإذا تمكنت إيران من ضمان الموقف الأمريكي الجديد، فإنها ستشرع في استخدام شبكات رجالها في الخارج لاستهداف الدبلوماسيين والعلماء الإسرائيليين فضلا عن استهداف السفارات الإسرائيلية في الخارج بشكل غير منظم كنوع من الانتقام المستمر على مآسي طهران منذ مايو 2018.