مدخل
أظهرت السنوات القليلة الماضية أن ممارسة إسرائيل للنفوذ الإقليمي لم تعد كافية، حتى لو كانت تلك الممارسة قد أبطأت من معدل تطور المخططات الإيرانية؛ لأنها لم تزل غير كافية لتحويل قوى المحور الشيعي عن مسارها. ولعل التصميم الإيراني على لعب أدوار إستراتيجية في الإقليم يقدم لإسرائيل خيارا بين اتخاذ مبادرة إستراتيجية ضد خصوم ما زالوا أضعف منها وإستراتيجية سلبية يمكن أن تؤدي إلى حرب مع خصوم يجتمعون في قوة تقليدية شبه متماثلة، وعليه تتطلب الأهمية العملية تحولا من نهج دفاعي تمثله “القبة الحديدية” إلى نهج استباقي يضع “جدارا حديديا” في مواجهة طموحات إيران.
مقدمة
إن معضلات الجيش الإسرائيلى حول مسألة الرد على الحروب غير المتماثلة ليس بجديدا، فمنذ ما يقارب الثلاثين عاما عقدت مناقشة بهيئة الأركان العامة دارت حول مستقبل الحرب في ظل القضاء على جيش نظامي كبير هو الجيش العراقي من قبل الجيش الأمريكى المحترف، الذي يعد نظريا أقل منه في عدد المحاربين.
ولقد أثار خبير عسكري عدم الارتياح بين أعضاء هيئة الأركان العامة بتصريحه أن عصر الدولة التي كانت تدير تلك الحرب أوشك على الانتهاء. لن تكون النتيجة عالما بلا حروب، بل تتجاوز الأنماط غير المتماثلة للحرب.
وقال إنه في المستقبل ستكون هناك حروب ضد المنظمات غير الحكومية، مضيفا أن الماضي ــ بما في ذلك الماضي القريب ــ يثبت أن الجيوش التقليدية ليست مستعدة جيدا للتعامل مع هذه الحروب.
وبالفعل كان ما قاله الخبير، ففى عصرنا الحالى انحسرت الحروب التقليدية بمنطقتنا، وزالت التهديدات القائمة من جراء مواجهة هذه الجماعات غير النظامية، وقد وَلدت حقبة تنتهى فيها الحروب والعمليات العسكرية من دون حسم.
لقد أثبتت العقود الثلاثة التي انقضت منذ فكرة “نهاية التاريخ” ليس فقط أن الهيمنة الغربية تتعرض للتحدي، ولكن هناك شك كبير في ما إذا كانت الديومقراطيات الغربية السبع لديها القدرة، وليس أقلها إرادةً، للتعامل مع تحديات الحروب غير المتكافئة في القرن الحادي والعشرين.
تغلغلت تلك الرؤى للوجدان العسكرى والأمنى الإسرائيلى وأدت لتغيير جذري، فالعقيدة الإسرائيليه التي تهدف للوصول لحل عسكري بحرب شاملة باستخدام مناورات برية سريعة ومتغلغلة ضد الجيوش العربية التي تغير وجهها قد اتخذت مكانها من خلال الأفكار والتصورات للعمل في مواجهة التهديدات الجديدة وظهور منظمات ذات اتجاهات تقوم بالحرب مستخدمة أساليب غير نظامية بشكل رئيس في أنماط حرب العصابات أثناء تنفيذ العمليات الإرهابية.
عليه تم استبدال السعي لتحقيق نصر واضح بالسعي لتحقيق إنجازات محدودة، وأصبح من الواقع أن الحل سيتحقق من خارج الملعب العسكري ولذلك تم السعي للحروب القصيرة التي بنهاية المطاف تتمكن فيها إسرائيل من الإفراج عن نظام الاحتياط، الذى يعتبر جوهر القوة المقاتلة؛ لافساح المجال لأنظمة وعمليات محدودة ومطولة.
ولقد أثرت تلك التغيرات العسكرية بشكل كبير على طريقة استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب وبالطبع على ممارسة قوته في وقت لاحق .
وكشفت الحملات الأخيرة ضد حزب الله – فرع إيران في لبنان – والمواجهة مع حركة حماس وغيرها من المنظمات في غزة، والتي تعمل أيضًا في إطار الإستراتيجية الإيرانية، عن ثغرات عميقة في العقيدة الإسرائيلية في مواجهة هذا التهديد.
فبعد أربع جولات من المواجهة في غزة (والعديد من “الجولات الصغيرة” الأقصر)، تجد إسرائيل نفسها عند نقطة البداية مباشرة مرة أخرى، وتواجه تهديدات آخذة في التطور. من ناحية أخرى، يواصل الإيرانيون، بكل قوة، تطوير كل من نهج حرب العصابات والتهديدات الإرهابية من خلال وكلائهم، ومن خلال مشروعهم النووي.
في الوقت ذاته، تدير إسرائيل المعركة بين الحربين (MBAM) إذ تفعل هذه الحملة بشكل منهجي ومستمر وبقوة كاملة لطرد الإيرانيين من سوريا وتقويض معدات حزب الله بأسلحة متطورة، لكن على الرغم من أن هذه الحملة تعتبر ناجحة، إلا أنها لا تغير الواقع الإستراتيجي للحملة الشاملة ضد إيران.
وأصبح من الواضح أن الإستراتيجية الإسرائيلية، أو بالأحرى نمط العمل الإسرائيلي، قد وصلت إلى نقطة الإنهاك. هذا الواقع يتطلب وجهة نظر جديدة وشاملة حول التهديد الإستراتيجي الذي تشكله إيران وفروعها. وتتعهد هذه الخطة يتعهد بوضع أهداف إستراتيجية طويلة المدى وتطوير أفكار جديدة لتحقيقها، وهي أمور مطلوبة لتعديل “الأدوات” وأنماط التفكير العملية لمواجهة التحديات الراهنة على الصعيدين الأمني والعسكري.
وتزعم هذه الخطة أن إسرائيل تمر بمنعطف حرج؛ ولذلك قد يؤدى الالتزام بمتابعة الاتجاهات الحالية، والتفكير الأمني الحالي وبناء القوة، قد يؤدي إلى تناقض الفوائد على المدى القصير، وقد يثبت أنه يشكل خطرا يهدد أمن إسرائيل القومي على المدى الطويل.
تحلل هذه الخطة/ الدراسة/ التحدي الأمنى الذي تمثله إيران، وبعد التحليل تقدم الخطة/ الدراسة إرشادات للتصور الأمني الإسرائيلي طويل المدى، الذي يفترض أن يكون الغرض منه هو هدم خطط الإيرانيين وإحباط التهديد الخطير الذي تمثله سياسات طهران الإقليمية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
مادة مترجمة عن دراسة موسعة نشرها معهد جيروزاليم للاستراتيجية والأمن “The Jerusalem Institute for strategy and Security – JISS“ بعنوان “דרך נחושה” – המערכה לקעקוע האסטרטגיה של איראן “، أو “طريقة حازمة لتقويض الاستراتيجية الإيرانية“ نشرها الخبيران الإسرائيليان: العقيد (احتياط) بروفيسور/ غابي سيبوني، متخصص في التكنولوجيا العسكرية والأمنية والسيبرانية العسكرية، والعميد (احتياط) يوفال بيزك، باحث عسكري وأمني ورئيس أركان (احتياطي) في تشكيل الجليل، يوم الإثنين الموافق 14 فبراير 2022، وينشرها المنتدى على حلقات.
نقلتها من العبرية إلى العربية:
ندى عبد المنعم