تحاول إدارة الرئيس بايدن استعادة دورها في الشرق الأوسط من خلال ملفي اتفاقات السلام بين الدول العربية وبين إسرائيل، ومفاوضات فيينا التي تعني محاولة كبح جماح الملف النووي الإيراني، من خلال محاولة عزل الجمهورية الإسلامية عن محيطها عبر تحالف جديد في المنطقة موجه بالأخص ضد التهديدات الإيرانية يضم الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق.
ربط إيران بالقضايا الإستراتيجية
من المؤكد في تلك الزيارة الأمريكية الرئاسية المرتقبة إلى الشرق الأوسط محاولة أمريكا ربط القضايا الإيرانية بالقضايا الإستراتيجية الكلية، وهو ما يمكن قراءته من خلال تصريحات أدلى بها جون كيربي، منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكية، إذ أكد المسؤول الرفيع على “أن موضوع إنتاج النفط بالتأكيد سيكون جزءًا من محادثات بايدن مع المسؤولين السعوديين، كما أن الحرب في اليمن وسلوك إيران المزعزع للاستقرار سيكونان أيضًا من موضوعات المناقشة”.
تشير الوقائع المتتالية وتحليل محتوى وسائل الإعلام التابعة للديمقراطيين مثل “سي إن إن”، و”إم إس إن بي سي” إلى أن بايدن يخطط مع فريق عمله الرئاسي لمناقشة الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، ويسعى لبحث وسائل توسيع التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي. على سبيل المثال: من خلال مبادرات البنية التحتية والمناخ، وضمان أمن الغذاء والطاقة العالمي؛ لأن الحرب الروسية في أوكرانيا ادت إلى زعزعة استقرار أسواق النفط العالمية.
لكن تحليل السياق هنا يشير صراحة إلى أن أمريكا تحاول ربط كل ذلك بالتهديدات الأمنية المستمرة من إيران، وهي مسألة تأسيسية لا يمكن الوصول إلى المسائل الأخرى الإستراتيجية الأخرى مع القادة التسعة من دون حلها؛ لأن إيران ــ من وجهة نظر أمريكية ــ تعرقل كل جهود الوصول إلى تسويات مستدامة في الإقليم.
أهداف واشنطن من زيارة بايدن
في 13 يونيو أصدر البيت الأبيض بيانا أعلن فيه عن برنامج زيارة بايدن للشرق الأوسط في منتصف يوليو المقبل، في خطوة لا بديل عنها لاستعادة مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في المنطقة، يستهلها الرئيس الأمريكي بإسرائيل فالضفة الغربية، لكن المحطة الأبرز في هذه الزيارة ستكون في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية تلبية لدعوة الملك سلمان بن عبد العزيز لقمة تجمعهما وولي العهد، حيث يأمل بايدن في زيادة السعودية من إنتاج النفط لضبط الأسعار، في ظل العقوبات المفروضة على النفط الروسي على خلفية الأزمة الأوكرانية، وقبل النفط الإيراني بسبب تعثر إعادة إحياء الاتفاق النووي حتى الآن.
ثم قمة أخرى تجمع الرئيس الأمريكي مع ملوك وأمراء الخليج والأردن بالإضافة لقادة مصر والعراق، يحاول من خلالها الرئيس بايدن تقديم دفعة في شأن “مبادرة دفاعية” تعمل عليها إسرائيل مع الولايات المتحدة، تقوم على إنشاء شبكة إقليمية من الردارات والإنذارات المبكرة وأنظمة الدفاع الجوي موجهة ضد التهديدات الإيرانية، ما يجعل الأيام القادمة تشهد رد الفعل الإيراني على هذه التحركات سواء في المنطقة أو في شأن إعادة إحياء الاتفاق النووي، وبهذا يتصدر ملف التهديدات الإيرانية أجندة القمة، بالإضافة لملفات أخرى خاصة بالطاقة، وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذلك ملف العلاقات الإسرائيلية ــ العربية.
أما زيارة بايدن لإسرائيل فتأتي “لتعزيز التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل وازدهارها” كما جاء في بيان السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، وذلك من خلال تطلع الولايات المتحدة لتوسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية لتشمل عواصم جديدة، كما تأمل إسرائيل في تكامل أنظمة الدفاع مع الدول العربية والولايات المتحدة، لتأمن التهديدات الإيرانية، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي بقوله: “في مواجهة أي تحرك إيراني، ما نحتاجه لا يقتصر على التعاون فحسب، بل نحتاج إلى قوة إقليمية ــ بقيادة أمريكا ــ تعزز جميع الأطراف المعنية”.
امريكا والمفاوضات الإيرانية ــ السعودية
مثل وصول الديموقراطي جوزيف بايدن إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض تحولا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، إذ كان قد انتقد الرياض في غير موضع بسبب قضيتي مقتل الصحفي جمال خاشقجي وكذلك الحرب في اليمن، وهو الأمر الذي أحدث توترا في العلاقات بين البلدين، وأشعر المملكة العربية السعودية وباقي الدول العربية بخيبة أمل في إدارة بايدن خاصة أنها سارعت إلى رفع جماعة الحوثي المتطرفة من على قوائم العقوبات الأمريكية.
بدأ التحرك السعودي عبر فتح الباب لمفاوضات غير رسمية مع طهران شهدتها الأراضي العراقية، البلد الذي يأمل في استعادة دوره الإقليمي واستقراره من خلال هذه التهدئة، وكانت إيران قد أعلنت وجود مباحثات مباشرة مع المملكة العربية السعودية، كما أعلنت أن المباحثات لم تقتصر على الملفات الثنائية فقط بل تجاوزت ذلك إلى القضايا الإقليمية بين الدولتين الكبيرتين.
ولعل هذا التقارب يجعل إيران تخفض من حدة المواجهات الإقليمية على عدة جبهات ما يسمح لها بالتركيز على برنامجها النووي، وكذلك يخفف الضغط على موقفها في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع القوى الدولية الكبرى، كما أن مثل هذا التقارب يهدد النفوذ الأمريكي في المنطقة؛ لأن أي تقارب إقليمي بين قوتين كبيرتين لا يصب في صالح الإستراتيجية الأمريكية بطبيعة الحال.
الضغط الأمريكي على إيران
نجحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عبر عدة وسائل في عزل إيران عن جانب كبير من إقليمها، الذي تتمتع فيه بنفوذ ليس بالهين، وإماطة اللثام عن حجم التهديد الذي تمثله طهران من خلال أسلوبها في التدخل في السياسات الداخلية ودعم الجماعات والميليشيات المسلحة في عدة دول بالمنطقة، وحتى أسلوب التهديد المباشر الذي تستخدمه طهران مع إسرائيل في غير موضع من التصريحات وبيانات المسؤولين.
تمثل أسلوب واشنطن في مواجهة طهران على عدة جبهات.
أولا: عبر نفوذها في دول الجوار مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن.
ثانيا: من خلال العقوبات التي تفتك بالاقتصاد الإيراني.
ثالثا: عزلها عن الجماعة الدولية من خلال تصنيف الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية، واعتبار إيران دولة راعية للإرهابز
وهو أسلوب ضغط حمل إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات دون أي سبيل آخر.
لكن أسلوب انتقاد الرياض الذي يتبعه الرئيس بايدن، قد بدأ بتغيير توجهات المنطقة بالكامل، فقد سمح بتهدئة على جبهات مواجهة النفوذ الإيراني في الإقليم، ومنح الفرصة لتقارب بين إيران ودول الخليج العربية، وبالتالي احتدت لغة التصعيد الإعلامي بين طهران وتل أبيب.
والآن تحاول الإدارة الأمريكية استعادة الوضع الذي كانت عليه المنطقة في ظل إدارة الجمهوري ترامب، من خلال زيارة بايدن التي سوف يسعى فيها لتشكيل تحالف من أصدقاء الولايات المتحدة في مواجهة إيران، من خلال محاولة استرضاء المملكة العربية السعودية باعتبارها إحدى أكبر وأهم الدول العربية المؤثرة والفاعلة في آنٍ معًا.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن الولايات المتحدة قد أدركت تبعات انتهاج سياسات معادية للمملكة العربية السعودية، ومع تعثر مفاوضات إعادة الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة الأخيرة الاندماج في محيطها الإقليمي عبر سياسات التهدئة على جبهات المواجهة والتقارب السياسي مع الرياض، وتصاعد حدة التهديدات مع إسرائيل، جعل ذلك كله الولايات المتحدة تعدل عن سياساتها وتحاول استعادة حلفائها في المنطقة في مواجهة إيران.