بعد أن مثلت منطقة الأحواز بؤرة دائمة للمظاهرات والاحتجاجات المتوالية ضد النظام الإيراني على خلفية التظاهرات التي شهدها الإقليم لفترات طويلة، اعتراضًا على سياسات نظام ولاية الفقيه، بالإضافة إلى الدعوات الدائمة التي يطلقها أبناء الإقليم بضرورة إسقاط هذا النظام الذي يمارس عددا من أنواع الإقصاء الاجتماعي بالمعارضين لسياساته والتي تصل في غالبية الأحيان لإصدار أحكام إعدام بالجملة في حق أبناء الإقليم، اتخذ النظام الإيراني الهجوم الذي حدث على العرض العسكري بمنطقة الأحواز في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي ذريعة لشن هجوم على كل النشطاء والحركات المدنية من أبناء الإقليم؛ انتقامًا من معارضتهم التي ذاع صيتها داخل إيران وخارجها، ووصل الأمر بقوات الأمن الداخلي واستخبارات الحرس الثوري ووزارة المخابرات أن ألقوا القبض على نحو 500 من أبناء الإقليم.
موقف رسمي
فور الحادث استدعت إيران، ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين يمثلون الدنمارك وبريطانيا وهولندا، واتهمت بلدانهم بإيواء معارضين للنظام الإيراني، وتقديم دعم لمنظمات إرهابية، وفي الوقت ذاته قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إنه «من غير المقبول ألا تدرج هذه المجموعات كمنظمات إرهابية على لوائح الاتحاد الأوروبي طالما أنها لا تنفذ هجمات إرهابية في أوروبا».
فيما اتهم عاملون في مراكز صنع القرار في إيران دولًا خليجية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعم معارضين في إقليم الأحواز الذي يعلن دائمًا معارضته للنظام بالطرق السلمية عن طريق التظاهرات بصفة عامة، إلا أن تلك المعارضة خرجت عن سياق التظاهر تلك المرة لتتخذ شكل الهجوم المسلح على عرض عسكري بحضور عدد من قيادات الحرس الثوري.
الأمر الآخر أن إيران بدأت في الهجوم عسكريًا على جماعات تقول إنها متطرفة في الأراضي السورية من خلال حزمة من الصواريخ الباليستية تلك التي أطلقت من منطقة جوانرود بالقرب من محافظة كرمنشاه غربي إيران ضد أهداف في منطقة البوكمال السورية انتقاما لهجوم الأحواز، كما سقط أحد الصواريخ في قرية سراب ياوري، وأدت إلى تدمير المحاصيل الزراعية والبساتين، حيث أعلنت إيران أن هجماتها تمت بصواريخ “ذو الفقار” و”قيام” وطائرات الدرون ما تسبب بمقتل أكثر من 10 مدنيين في المناطق القريبة من سيطرة تنظيم “داعش”، بحسب شهادات سكان محليين.
نشاط الأحواز ضد النظام
بسبب الاضطهاد، والإهمال، والضغوط المتزايدة ضد العرب الأحوازيين، قاد الأحوازيون نشاطًا معارضًا ضد النظام الحالي دفعهم إلى الاحتجاج والتظاهر والمطالبة بحقوقهم، واستمرت احتجاجات الأحوازيين كل عام تحت عناوين مختلفة، على سبيل المثال منذ بداية عام 2018 نشبت 3 انتفاضات واسعة النطاق في منطقة الأحواز غير الاعتراضات الصغيرة للعمال، والمزارعين، والطلاب، بالإضافة إلى ما يقوم به النظام من تعسف واضطهاد كبيرين وحرمان الإقليم من مقدراته ونهب أراضيه وتجفيف مياه أنهاره، حتى إن البعض شبه سياسة النظام الإيراني ضد إقليم الأحواز كسياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين، وذلك على خلفية تعامل قوات الأمن التابعة للحرس الثوري مع المتظاهرين السلميين واعتقال العشرات في احتجاجات سابقة.
دوافع انتقام النظام من الأحواز
للنظام الإيراني دوافع عديدة قد يتخذها ذريعة لشن هجوم على كل معارضيه بإقليم الأحواز وتتمثل في:
1- خلل أمني: أظهر اقتحام العرض العسكري لقوات الحرس الثوري الذي عقد في أكثر المناطق التي تعج بالمعارضة للنظام خللًا أمنيًا واضحًا لا تخطئه العين، بالتزامن مع وجود الرئيس الإيراني حسن روحاني، ما تسبب في ارتباك كبير في صفوف الأجهزة التنفيذية للدولة، الذين تفاوتت اتهاماتهم ما بين تنظيم داعش وعناصر المعارضة الأحوازية بالضلوع في الحادث، وهو ما تسبب في إحراج كبير للنظام وللحرس الثوري أمام العالم وبالتحديد أمام معارضي النظام.
2- الانتقام من المعارضين: اعتبر النظام أن ما حدث في العرض العسكري ضوء أخضر لبدء تحرك الحرس الثوري لقمع المعارضين تحت حجة أن هؤلاء المعارضين يستخدمون السلاح للوقوف في وجه النظام ومقاومته بالسلاح وللتنديد أمام العالم بما يعتبره النظام «إرهاب المعارضة».
3- ذريعة لهجوم خارجي: عقب الحادث مباشرة أطلق النظام الإيراني سهام نقده إلى دول عربية اعتبرها راعية للإرهاب بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبر النظام الإيراني أنها دعمت الهجوم بالتمويل والتدريب فضلًا عن موقف الولايات المتحدة من إيران خاصة بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بالإضافة إلى إلقاء اللوم على دول أوروبية اتهمتها إيران بإيواء إرهابيين، وهو ما دعاها لاستدعاء عدد من سفراء دول أوروبية للتنديد بالحادث وتوصيل الصورة لدولهم حول الأمر.
اعتقال وأحكام بالإعدام
عقب حادث المنصة مباشرة أعلن وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي عن اعتقال عدد من المشتبه بصلتهم في الهجوم المسلح الذي استهدف عرضا عسكريا في الأهواز، وقال علوي إن قوات الأمن ألقت القبض على «جزء كبير من الشبكة الضالعة في الهجوم» – بحسب وصفه – الذي خلف 29 قتيلا، أغلبهم من الحرس الثوري والجيش. وأدلى علوي بهذه التصريحات في أثناء مشاركته في جنازة لضحايا الهجوم حضرها الآلاف، فيما اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني ما وصفهم بانفصاليين عرب مدعومين من دولة خليجية لم يُسمها بالضلوع في الهجوم، وقال روحاني: «واحدة من الدول الواقعة في جنوب الخليج رعت احتياجاتهم المالية والتسليحية والسياسية».
فيما يخشى نشطاء من الأحواز من إطلاق إيران حملة قمع شرسة، تستهدفهم مستغلة الهجوم كذريعة للتنكيل بكل رموز المعارضة في الإقليم، بعد أن أعلن الحرس الثوري عن تطبيقه عدد من الإجراءات السياسة والأمنية الصارمة في إقليم الأحواز واعتقل معارضين محليين، بما في ذلك نشطاء الحقوق المدنية، في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة كثيرًا، وعلى نحو خاص من المشاكل الاقتصادية.
وتفاقمت ظروف المعيشة المتدنية في الأحواز بسبب انقطاع الكهرباء والجفاف الحاد وبوار الأراضي وهو ما يلقي السكان باللوم فيه على سوء الإدارة من قبل الحكومة المركزية التي فشلت في تقديم العون للإقليم الذي يبلغ عدد سكانه نحو 8 ملايين نسمة، وتبلغ مساحته أكثر من 375 ألف كيلو متر مربع، فيما يعاني الاقليم من قمع وحشي بدوافع عرقية، وسجن كل من يطلق على أطفاله اسمًا عربيًا، ويمنع فيه تدريس اللغة العربية، وصنفته منظمة الصحة العالمية ضمن المناطق الملوثة عالميًا، بالإضافة إلى أن السلطات تعتقل كل من ينادي فيه بالحكم الذاتي.
أما فيما يخص أحكام الإعدام فقد تزايدت خلال العقد الماضي بتهم سياسية تتعلق بالمعارضة فقط، كان أبرزها أحكام الإعدام التي صدرت بحق 3 ناشطين أحوازيين في شهر يونيو من عام 2016، فضلًا عن أحكام السجن المؤبد وتعذيبهم داخل زنزانات دائرة الاستخبارات الإيرانية في الأحواز.
وفي شهر إبريل من العام نفسه أصدرت محكمة الثورة الإيرانية بمدينة الأحواز حكما بالإعدام بحث 3 ناشطين من مدينة الحميدية وهم كل من قيس عبيداوي وشقيقه أحمد عبيداوي وابن عمهما سجاد عبيداوي، بتهم تنفيذ عمليات مسلحة ضد الحرس الثوري، وفي سبتمبر من العام الماضي أصدر القضاء الإيراني اعتقالات وأحكام بالإعدام في عيد الأضحى في الأحواز بعد اتهام عرب الأحواز بتشكيل تنظيمات معارضة لقلب نظام الحكم.