مُلخّص تنفيذي
يدرس هذا البحث الدّوافع والسياقات التّي أدّت إلى مقتل الجنرال قاسم سليماني بصحبة ضبّاط كبار من الحرس الثوري الإيراني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المُهندس وآخرين. وقد مثّلت هذه الحادثة نُقطة تحوّل كبيرة في قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران، بعد أن كانت تقوم في مُجملها على استخدام آليات الضغط السّياسي والاقتصادي لتتحوّل إلى استخدام صريح للقٌوّة العسكرية من قبل إدارة دونالد ترامب. ويسعى البحث إلى تبيان مسارات التصعيد المُحتملة بين طرفي النّزاع بعد تصفية قاسم سليماني خاصة في الساحة العراقية.
أسئلة الدراسة
تحاول الدراسة تحري الإجابة عن عدد من الأسئلة في هذا المضمار وهي:
1 ـ ما هي سياقات الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية وتطوّراتها؟
2 ـ ما هو دور قاسم سليماني وموقعه من رسم الاستراتيجيات الإيرانية لمُكافحة التأثير الغربي وما علاقته بتوسيع النفوذ الإيراني بالشرق الأوسط؟
3 ـ كيف يمكن اعتبار العراق عُمقا إستراتيجيا ومجالا حيويا في الصراع الأمريكي ـ الإيراني؟
4 ـ ما هي مسارات التصعيد المُحتملة للصراع الأمريكي ـ الإيراني؟
5 ـ ما هي الخيارات الإيرانية والأمريكية إزاء المواجهة بالعراق في مرحلة ما بعد سليماني؟
استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال أقلّ من شهرين ونصف الشهر أن تصفي زعيمين تسبّبا في قتل وتشريد وتهجير الآلاف من سُكّان منطقة الشرق الأوسط، إذ قُتلت زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019 بواسطة قوّات خاصّة استهدفت مخبأه السرّي في سوريا، فيما قُتل قاسم سليماني في الثالث من يناير 2020 مع ضبّاط كبار من بينهم نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المُهندس بضربة نفّذتها طائرة مُسيّرة قصفت سيّارته بعد وصوله إلى العراق.
حدث هذا الهجوم بعد أيّام قليلة من استهداف مُحيط السفارة الأمريكية في بغداد على يد عناصر من الحشد الشعبي، وقد شكّل هذا الأمر نجاحا استخباراتيا وتنفيذا عالي الدقّة للقُوات الأمريكية، أرادت من خلاله واشنطن توجيه رسائل شديدة اللّهجة لإيران ولأذرعها العسكرية في المنطقة، وإبراز قُوّة الردع التّي تمتلكها، وأنّها قادرة على فعل أي شيء حينما يصل الأمر إلى استهداف سفاراتها.
أولا: سياقات الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية وتطوّراتها
تميّزت السياسات الأمريكية في عهد الرئيسين الأمريكين السابقين جورج بوش الابن وأوباما بالنُعومة والمُوادعة في التعامل مع إيران، إذ سحب الرئيس أوباما قوّاته من العراق مُسلّما إياه لجارته الإيرانية التّي استفادت كثيرا من سياسات الرئيس الأمريكي السابق الرّاغبة في إنهاء الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط بعد تزايد خسائره في أفغانستان والعراق وتوسّع محاور الصراع، فحاولت إيران السيطرة الكاملة على العراق ومن ورائه لبنان واليمن والبحرين وسوريا تحت ما يُسمّى بالمشروع الشّيعي الأعلى.
وفي اتجاه ترسيخ نفوذها حاولت إيران أن تأخذ الحركات العربية الجديدة لمصلحتها بحيث تبعدها عن الولايات المتحدة وحلفائها، كما إنّ التحرّك الخاطئ من الولايات المتحدة والسعودية ربما خلق فرصا لإيران في استغلال هذه الثورات، لاسيما أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت لتخفيف التزاماتها والتخلّص من أعبائها في الشرق من خلال طرحها فكرة التوجّه لتعزيز علاقاتها مع دُول المحيط الهادئ بهدف خلق شراكة استراتيجية مع هذه الدول.
فقد أشار الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قوة باسيفيكية، كما عبّرت عن هذا التوجّه وزيرة الخارجية السابقة بالقول “قرن أمريكا الباسيفيكي”، وتُدرك إيران أنّ لعبها دور القُوّة الإقليمية يتطلب شرعية إقليمية ودُولية، ويتوافر تصوّر لدى دوائر صنع القرار في إيران هو أنّ توفير الشرعية الأمريكية لهذا الدور هو المفتاح للحُصول على الشرعية الإقليمية”.(1)
استغلّت إيران هذه التحوّلات الحاصلة سواء في السياسة الأمريكية وفي بنية الأنظمة العربية بعد الثورات لتنفرد بتقرير مصير الشرق الأوسط وفي التحكّم بموازين القُوى في المنطقة وفي توسيع نفوذها ومكانتها باستخدام أدوات القُوّة الناعمة من ثقافة وموروث تاريخي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، فضلا عن أنّها تتفوق على الغرب بامتلاكها المعرفة الدقيقة بالمنطقة وإجادتها لغاتها وثقافتها.
وبرغم تلاشي الأمجاد الفارسية والتحوّلات الحاصلة في بنية النظام الإيراني إلاّ أنّ إيران لازالت تحمل تلك العظمة والغُرور والتسلّط في تعاملها مع جيرانها العرب، ولم تتغير معها نظرة الفرس للعرب وخاصّة العراقييّن التّي لازالت تنظر لهم كرعايا وتابعين لها. فالعراق امتداد ضروري للهلال الشيعي الذّي بات جُزءا جوهريا من الأمن القومي الإيراني.
ولكن في خضم تولي دونالد ترامب الرئاسة خلفا لسلفه باراك أوباما، تغيّرت الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع إيران من منطق التفاهم إلى التصعيد عبر مُحاولتها الإطاحة بحكومة رُوحاني وتغيير النظام، وكانت أولى المُحاولات إلغاء الاتّفاق النووي بعد أقل من عام ونصف العام من رئاسته في مايو 2018 وتصنيف الحرس الثوري الإيراني مُنظّمة إرهابية، وقد طالت العُقوبات لأوّل مرّة قاسم سليماني والمرشد الأعلى خامنئي، وطبّق ترامب خلال ذلك حملة ضُغوط قُصوى لتركيع نظام ولاية الفقيه بعُقوبات اقتصادية صارمة.
فـي مُقابـل اسـتراتيجية الضُغـوط القُصـوى الأمريكيـة تبنـّى صٌنـّاع القـرار فـي إيـران نمـط “التصعيد المُضاد” في سـياق سـيناريو “المُواجهة المحـدودة”، ليـس فقـط ضـدّ المصالـح الأمريكية فـي المنطقة وإنما ضدّ مصالـح حُلفائهـا التقليدييـن والأوروبيين، وضدّ أمـن الملاحة الدولية في واحـد مـن أهـم ّ الممـرّات الملاحيـة فـي العالـم (مضيق هرمـز) الذّي يمرّ من خلاله قرابة 20 بالمئة من صادرات النفط العالمية ولذلك اتخذت إيران حزمة من الإجراءات التصعيدية التالية(2)، بتخفيض التزامها النووي ورفع مُستوى تخصيب اليورانيوم وتطوير قُدراتها الصاروخية واحتجازها ناقلات نفط ومُهاجمة شركة أرامكو السعودية باستخدام سرب من الطائرات المُسيّرة عن بعُد وضرب أهداف عربية ودولية انطلاقا من الأراضي العراقية واليمنية، وتخريب الموانئ الإماراتية إضافة إلى الاستفزاز المُتكرّر والمُتعمّد للأسطول الأمريكي في المنطقة.
وفي يُونيو/ حُزيران الماضي أعلنت القيادة الأمريكية عن فُقدان طائرة مُسيّرة في مضيق هرمز، ليتبيّن أنّ الإيرانيين قد تمكّنوا من السيطرة عليها، ما كاد أن يتسبّب بضربة عسكرية أمريكية لإيران، تراجع عنها البيت الأبيض في آخر لحظة كما أعلن، إلاّ أنّ العامل المُشترك في كلّ هذه المرّات كان صمت الأمريكان على جُرأة الإيرانيين وابتلاع الإهانة.(3)
هدفـت إيـران مـن وراء إجراءاتهـا التصعيديـّة إلى بث رسـائل لخُصومها بـأنّ مزيـدا مـن الإجـراءات التصعيديـة والعقابيـة ضـدّ إيـران يعنـي فـي القامـوس الإيرانـي مزيـدا مـن الإجـراءات التصعيديـة المُضـادّة، وبـثّ رسـائل بأنّهـا هـي الأخـرى تمتلـك أوراق ضغـط وقـادرة علـى التأثيـر علـى الاقتصـاد العالمـي بقُدرتهـا علـى تعطيـل حركـة الملاحـة الدُوليـة، وأنّهـا لـن تسـمح بتصفيـر صادراتهـا النفطيـة كمـا تطمـح الإدارة الأمريكيـة، وأنّ هنـاك ثمنـا كبيـرا يتحمّلـه من يعمل على تصفيـر عائدات النفط الإيراني، وأنّ إيـران باتـت دولـة فـوق إقليميـة تتمتـّع بسـيادة ونفـوذ كبيريـن فـي ميـاه الخليـج العربـي، وأنّهـا قـادرة علـى أن تُحـدث اضطرابـات وتأثيـرات علـى حركـة الملاحـة العالميـة.(4)
توتّرت الأوضاع أكثر فأكثر في بيئة ضغطت فيها كُلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على نفوذ بعضهما البعض داخل العُمق العراقي الذّي أصبح ساحة للاشتباك، وقد أسفر هذا الضّغط عن استهداف إيران عبر وُكلائها من كتائب حزب الله العراقي لقاعدة عسكرية أمريكية في مدينة كركوك ما أسفر عن قتل جُنود عراقيين ومُجنّد أمريكي، وردّت القُوّات الأمريكية باستهداف مقرّات الحشد الشعبي في الأنبار وقصف رتل عسكري من الحشد على الحُدود العراقية ـ السورية، قابلته طهران بدعم عمليّة اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد يوم 31 ديسمبر 2019 من قبل مُتظاهرين عراقيين يتقدّمهم نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المُهندس.
هذه الأحداث المُتتالية حملت برقية نعي قاسم سليماني مُسبقا وهو نعي أتى بأوامر مُباشرة من الرئيس دونالد ترامب الذّي كان مدفوعا إلى هذه الضربة خاصّة بعد أدائه المُتذبذب مُنتصف العام الماضي لُحفظ ماء وجهه على الأقلّ أمام إدارته وقيادات “البنتاجون” وأمام مُؤيّديه من مشرعي “الكُونجرس” خاصّة وأنّ فترة رئاسته قد شارفت على الانتهاء.
مقتل قاسم سليماني جاء وسط أجواء أمريكية مشحونة بالتوتّر والتنافس الانتخابي، فالجانب الدّيمقراطي الذّي حاول جاهدا إجراء محُاكمة للرئيس ترامب بهدف عزله في ملف أوكرانيا وصف سليماني بأنّه العدوّ الأوّل للولايات المتحدة، ولكنّه انتقد في الوقت نفسه عملية قتله مُعتبرا أنّها ستشعل منطقة الشرق الأوسط وستهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. أمّا الجانب الجمهوري الذّي يدافع عن ترامب في قضية أوكرانيا فإنّه دافع عنه كذلك في ملف قتل سليماني معتبرا إياه نجاحا إستراتيجيا كبيرا من شأنه أن يُعيد لبلادهم هيبتها التي أضاعها أوباما.
كُلّ هذا حدث وسط معركة انتخابية حامية الوطيس تُتابع عن كثب حول العالم بما فيه إيران التّي اتّهمها بومبيو وزير الخارجية الأمريكية بوقوفها وراء مُحاولات لاستهداف المصالح الأمريكية.
ثانيا: موقع قاسم سليماني في الاستراتيجيات الإيرانية
وُلد قاسم سليماني المعروف باسم الحاج قاسم ـ نظرا لتديّنه الشديد ـ سنة 1958 في مُحافظة كرمان الواقعة جنوب شرقي إيران، وقد أكمل تعليمه الثانوي ثم عمل في مجال البناء. انخرط سليماني في الثورة ضدّ نظام حُكم البهلوي وانتمى إلى الحرس الثوري الإيراني بعد نجاح الثورة الإسلامية. في العام 1980 شارك في الحرب العراقية ـ الإيرانية و تولّى حماية مطار مُحافظته إضافة إلى مُشاركته في معارك أخرى خلال تلك الحرب، وبحلول عام 1988 بعد انتهاء حرب إيران مع العراق قاد الكتيبة “41 ثار الله” للتصدّي لتجارة المُخدّرات التّي كانت تُهرّب في الاتجاه الشرقي للبلاد على الحدود المُشتركة مع افغانستان. ثم في عام 1998 تمّ تعيينه قائدا لفيلق القُدس في الحرس الثوري خلفا لأحمد وحيدي. وفي عام 2001 كان له دور في حرب أفغانستان، وفي عام 2006 شارك إلى جانب حزب الله في حربه على إسرائيل، وفي عام 2007 أدرجه مجلس الأمن الدولي في قائمة العُقوبات مع شخصيّات إيرانية أخرى، وفي عام 2008 شارك في الوساطة بين حُكومة المالكي وجيش المهدي الذّي يتبع مُقتدى الصدر من أجل وقف إطلاق النار بينهما، وفي عام 2011 تمّت ترقيته إلى رُتبة لواء ووصفه المُرشد علي خامنئي حينها “بالشّهيد الحيّ”، وفي عام 2012 شارك مع بشّار الأسد في قمع الثورة السورية وشارك في مُحاربة داعش في سوريا والعراق.
هذا التاريخ الوجيز للجنرال قاسم سليماني يُبيّن قيمة الرجل وحجم تأثيره في السياسة الإيرانية التوسّعية إذ كان حاضرا في صُلب جميع المعارك التّي خاضتها إيران ضدّ أعدائها الإقليميين أوضدّ الولايات المُتّحدة، ويُظهر أيضا بوضوح قٌدرة الرجل على القيادة ووضع المُخطّطات الُمُناسبة لكلّ بلد ولكلّ مرحلة عبر إنشائه المليشيات المُسلّحة ودعمها بالسّلاح والمال ضمن سياسة الحرب بالوكالة.
وقد كان مُحنّكا وماكرا، وخرج في سنواته الأخيرة من ظلال العمل السرّي حيث خلق لنفسه شخصية كاريزمية ساهم الإعلام الإقليمي وحتّى الأوروبي والأمريكي في نشرها وتعزيزها، حيث بدا سليماني في بعض المقالات والتعليقات وكأنّه شخصية أسطورية لا تُقهر.(5)
مثّلت الغارة الأمريكية تصعيدا نوعيا غير مسبوق في العلاقات بين واشنطن وطهران، وضربة خطيرة في عُمق بنية النظام الإيراني يصعب تجاوزها أو نسيانها بسهولة أو حتّى تعويضها في وقت وجيز، حيث يحظى سليماني بشعبية واسعة في الهلال الشيعي المُمتدّ من إيران إلى العراق ومن لبنان واليمن وصولا إلى دمشق جعلته من أبرز زُعماء الشيعة وكان يُعتبر الرجل الثاني في إيران بعد مُرشدها خامنئي والشخصية الوزانة في كل الصراعات داخليا.
يُمكن القول إنّ سليماني كان صاحب الكلمة الفصل في أيّ نقاش أو خلاف أو في أيّ اجتهادات أمنية وخُطط إستراتيجية تتعلق بالعلاقات الدُولية والتنظيمات والميليشيات التّي تتبع إيران عقائديا وسياسيا، فقد عمل مُنذ توليه قيادة فيلق القدس على تحويل بلاده من دولة معزولة عن محيطها الخارجي إلى قُوّة إقليمية لا يُستهان بها من خلال إدارته شبكة من العلاقات المُنظّمة والبالغة التعقيد التّي بناها خلال العقود الماضية، إذ ربطته صلة وثيقة بزُعماء وقادة المليشيات الشيعية من الحشد الشعبي في العراق إلى حزب الله في لبنان إلى أنصار الله في اليمن إلى جمعية الوفاق في البحرين وصولا إلى الجيش السوري.
وتُوجد هذه الشبكات أيضا في عُمق القارة الإفريقية وتمتدّ من النيجر إلى السُودان ومن السنغال إلى الغابون وساحل العاج مُرورا بالجزائر وتُونس وُصولا إلى المغرب. وقد انزعجت الولايات المُتّحدة من السياسة التوسّعية الإيرانية التّي جعلت المشروع الشيعي في مقام النٌبوة العابرة للحُدود والأوطان. وتسعى من خلاله إلى تعطيل المصالح الأمريكية وضرب مصالح حلفائها من خلال تسليحها للحُوثيين في اليمن وتزويدهم بالمال وبالطائرات المُسيّرة وتدريبهم، إضافة إلى إرسالها خُبراء عسكريين بهدف إطالة أمد الحرب الدّائرة هناك، كما تعمل جاهدة على زعزعة استقرار وأمن الدُول وإرباك الملاحة البحرية في باب المندب.
وقد لعب الحرس الثوري، وخُصوصا فيلق القدس برئاسة الجنرال قاسم سليماني، دورا كبيرا خارج إيران، وخُاصة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، تحت عناوين مُختلفة، منها دعم حركات المُقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، ودعم أنظمة ما يٌسمّى بمحور المُمانعة في سوريا والعراق، ومُناصرة المستضعفين والثوار في البُوسنة واليمن والبحرين ومصر، وحركات التحرّر العالمية والدُول المُعارضة لأمريكا في كُوبا وفنزويلا وغيرهما. وقد تحوّل الحرس الثوري إلى جيش موازّ للجيش النظامي، فصار فيه التجنيد إلزامي ويمتلك قُوّات بحريّة وبريّة وجويّة خاصّة به، وترسانة ّعسكرية مُؤلّفة من الصواريخ والدبّابات والطائرات المُقاتلة والغوّاصات، ومُوزانة مالية ضخمة، ومُؤسّسات وشركات اقتصادية واجتماعية.(6)
واتضح أن فيلق القدس هو بمثابة قُوّات مُسلّحة لا تقتصر مُهمّتها على الدّفاع عن الحُدود والأمن الإيراني بل لديها مُهمّة دينية شيعية لبسط حُكم إسلامي “بقراءته الخُّمينية” الذي يقوم على تكوين مليشيات عابرة للحُدود وقافزة على السيادة الوطنية لدُول الجوار، وتصدير العُنف وزعزعة الاستقرار تحت بند تصدير الثورة الإسلامية ونُصرة المُستضعفين وتحت شعار “الموت لأمريكا وإسرائيل” ولكنّه شعار يُخفي الوجه الآخر للقيادة الإيرانية المُتمثّل في الموت لكلّ من يقف أمام التمدّد الإيراني وأوّلهم العرب.
وطبقا لذلك أخذت مواقف الجنرال قاسم سليماني منحى طائفيا فوق القومية، فتجاوز مبدأ تصدير الثورة ونُصرة الشيعة المُستضعفة ـ حسب زعمه ـ إلى المُشاركة في قمع الانتفاضات الشعبية التّي حصلت مُؤخّرا في إيران وفي عُمق الهلال الشّيعي (في العراق ولبنان)، فحدث شبه تحوّل في مُهمّات فيلق القدس ليُصبح أكثر براغماتية في الحفاظ على مصلحة النظام الإيراني وأمنه القومي، وإن ظلّ مُتمسّكا بنفس الشعارات التّي تُدغدغ عواطف الجماهير الشيعية التّي ترى في إيران الحامي الوحيد لها من الاضطهاد والحاملة لمشروع المُقاومة خاصّة بعد ثورات الربيع العربي التّي ساهمت في إضعاف سُلطة الدول وفي تراجع المشاعر القومية العربية، وتزايد خطاب السُنّة والشّيعة الطائفي الذّي يتخذه سليماني ورقة ضغط لقلب المعادلة في منطقة الشرق الأوسط متى أراد ذلك.
ويُمكن القول إنّ كُلّ هذه القُوّة لم تكن لتتوفّر لإيران لولا جُهود مُهندسها العسكري الأكبر قاسم سليماني في العقد الفائت. فهو القطعة التّي تُوحّد كلّ هذا المشهد وتُعطيه معنى استراتيجيا مُهما بالنسبة لإيران. وبفٌقدانه قدّ تخسر إيران كثيرا ممّا حققّته في هذه السنوات.
لذا فمن المُستبعد بالنسبة للإيرانيين التنازل عن كلّ هذه المُكتسبات، حتّى لو جرى اغتيال رائدها الأوّل، وفي الوقت نفسه على طهران أن تُقرّر أوّلا كيفية ملئ الفراغ الذّي تركه الرجل، والسيطرة على كلّ الخُيوط من بيروت إلى دمشق ومن بغداد إلى صنعاء فطهران. وبعد ذلك عليها أن تحدّد كيفية التعامل مع هذا التطور المباغت الذّي يُمكن عدّه بمثابة إعلان حرب أمريكي مكتمل من وجهة نظر الإيرانييّن”.(7)
ثالثا: المجال العراقي في الصراع الأمريكي ـ الإيراني
تعني حادثة مقتل سليماني داخل العراق بالذّات دُون غيره من مناطق السيادة الشيعية أنّ العراق يُمثّل عُمقا استراتيجيا مُهمّا لكلا الطرفين (الإيراني والأمريكي) ما يجعله خلفية ومسرحا للأحداث الرّاهنة واللاّحقة أيضا. فكما أنّ العراق مجال حيوي وامتداد ضروري للهلال الشيعي يسقط بسقوطه، وجُزءا جوهريا من الأمن القومي الإيراني لا يُمكن التنازل عنه بسهولة باعتباره شريانا حيويا رابطا بين البُلدان المكونة للمشروع الشيعي القائم على ولاية الفقيه، أهميّة العراق اليوم كأهمّية المدائن بالأمس التّي كانت خطّ الدّفاع الأول عن أمنها أيّام الإمبراطورية الفارسية في مُواجهتها للفُتوحات العربية الإسلامية، وبسقوطها سقطت بلاد فارس.
وما ينقص إيران إلى حدّ هذه اللّحظة هو إمساك القرار السياسي العراقي بالكامل والتحكّم بثرواته ومُقدّراته دون التدخّل الأمريكي، فبقاء العراق مُتأرجحا بينهما يعني بالضّرورة عدم قُدرة إيران على إكمال مشروعها الأممي بل من شأنه أيضا أن يُهدّدها بفُقدان نفوذها الذّي ظلّت تبنيه طيلة عقود (مثل ما حصل فترة حُكم الرّئيس الراحل صدّام حسين الذّي حاول القضاء على الإرث الفارسي الكامن في الهُويّة العراقية وإعادة العراق إلى محيطه العربي) “لذلك فهمت إيران أنّ التظاهرات الأخيرة في العراق التّي تسبّبت بحرق قُنصلياتها، على أنّها مشروع أمريكي لتقويض حُضورها ونُفوذها.
فكان عليها المُسارعة لشنّ هُجوم مُضاد، تمثّل في ضرب التظاهرات والتنكيل برُموزها، وإطلاق حملة سياسية في العراق لنزع المشروعية عن الوجود الأمريكي، إضافة إلى الشُروع عبر وُكلائها المحليين بضرب أهداف أمريكية، بأسلوب “التدرّج البطيء”، تجعل كُلفة بقاء الولايات المُتحدة في العراق باهظة، وتدفعها إلى التفكير الجدّي بجدوى بقائها فيه.(8)
ويعتبر العراق بالنسبة للإدارة الأمريكية أحد أبرز أوراق الضّغط على نظام ولاية الفقيه ووجها من أوجه التضييق عليه وحدّا من سياساته التوسّعية والعُدوانية كخطّ الدّفاع الأخير للمجال العربي كُلّه، وإذا وقع العراق بأكمله رهينة في يدّ الإيرانيين يعني أنّ القواعد الأمريكية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط ستُصبح مُحاصرة وهدفا سهلا ومكشوفا للصواريخ الإيرانية أو لوكلائها المحلييّن وستُصبح دول الخليج من ورائها مُهدّدة وغير مُستقرة إذا ما تمّ استكمال المشروع الإيراني.
كما أن التداعيات التّي سيُحدثها الاختراق الإيراني الكامل الذّي لو نجح في إدخال العراق في بيت الطاعة فإنّ عواقبه ستكون وخيمة في بنية الأنظمة العربية الهشّة وغير المُتجانسة لدول المشرق العربي بما تحمله مُجتمعاتها من تناقضات مذهبية وإثنية. لعلّ هذا يُفسّر عدم حرص الأمريكيين على البقاء في سوريا، بحُكم أنّ الوجود الروسي والتركي سيُخفّف عنهم عبء ومُهمّة تقييد النفوذ الإيراني في سوريا، إضافة إلى دور إسرائيل الفاعل في تحجيم وضبط هذا النفوذ.
أما في العراق فإنّ الوجود الأمريكي بات الجهة الوحيدة القادرة على لجم النُفوذ الإيراني فيه، بخاصّة بعد فشل مشروع الدّولة فيه وهشاشة الحياة السياسية وعدم تجانس أو تآلف مُكوّناته الإثنية والدينية والمذهبية وضُعف هُوّيته الوطنية. ما يجعله بلداً فاقد القدرة الذاتية على صناعة مصيره أو تكوين سيادة ذاتية تُمكّنه من ضبط علاقاته الدولية والحدّ من النفوذ الأجنبي في داخله.
الواقع أن العراق لا يُمثل أية جدوى اقتصادية لكلا البلدين، لكنّ أهميته الاستراتيجية فائقة، إلى درجة أنّ حسم الصراع بينهما فيه: إمّا أن يُقرّر مصير إيران نفسها، وإمّا أن يُغيّر وجه المنطقة بأسرها، بخاصّة الخليج وبلاد الشام.(9)
وما يلاحظ في الصراع الثنائي الأمريكي ـ الإيراني هو التردّد والتذبذب في الموقف الأمريكي الذّي يستعمل العراق كورقة تُستخدم من أجل التنافس الانتخابي فقط، عكس الموقف الإيراني الذّي يتميّز بالجدّية الكبيرة وبالعناد والاستماتة إلى آخر رمق لدى النظام من أجل تحقيق توجّهات قومية وإستراتيجية عابرة للحُدود والأوطان.
رابعا: مسارات التصعيد المُحتملة للصراع الأمريكي ـ الإيراني
مثّلت حادثة قتل قاسم سليماني نُقطة تحوّل كبيرة في قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران، وهي قواعد كانت تقوم في مُجملها على استخدام آليات الضغط السياسي والاقتصادي بهدف إلجام إيران وإرجاعها إلى طاولات المُفاوضات والحدّ من برنامجيها النووي والصاروخي، لكنّها تحولت مع ترامب إلى استخدام صريح للقُوّة العسكرية، ولم يكتف هذا التصعيد باستهداف أذرع إيران ومليشياتها في العراق بل شكّل عملا عسكريا مباشرا استهدف شخصية إيرانية من الحجم الثقيل.
بغضّ النظر عن دوافع قتله فإنّ هذه التطوّرات الميدانية الأخيرة وضعت العراق ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها على حافة صراع قد يحمل سمة عسكرية حيث تمتلك الولايات المتحدة تفوّقا عسكريا وقدرة على الردع بينما تمتلك إيران بنك أهداف للمصالح الحيوية الأمريكية ولحلفائها أيضا بإمكانها استهدافه بسهولة متى أرادت التصعيد مع واشنطن.
هنا يُطرح تساؤل بشأن ما هو قادم، أيّ ماذا بعد عملية اغتيال الولايات المُتّحدة لقاسم سليماني وتداعياتها على الاستقرار في العراق تحديدا؟
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران في العراق سيستمرّ؛ فإيران ستردّ على الضربة الأمريكية، مع مُلاحظة أنّ الردّ قد يأتي مُتأخّرا نسبيا، ولكنُّه حتمي الحُدوث، بالنظر إلى الثقل العسكري والسياسي الذّي كان يتمتّع به سليماني، وتأثيره القوي الذي كان يُمارسه على السّاسة العراقيين والقوى السياسية والميليشيات العسكرية على حدّ سواء، فضلا عن ضرورة حفظ ماء الوجه للنُفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، من ناحية ثانية. بينما استهدفت الولايات المُتّحدة من التصعيد توصيل رسالة لطهران مُؤدّاها أنّ واشنطن قادرة على “الردع”، دُون أن يعنى ذلك رغبتها الدخول في حرب مُباشرة مع إيران”.(10)
خامسا: خيارات طهران وواشنطن في مرحلة التصعيد
في هذا السياق، يُمكن القول إنّ مسار التصعيد بين الطرفين من المُحتمل أن يشمل التصوّرات الافتراضية التالية:
أ ـ الخيارات الإيرانية
تمتلك إيران الكثير من الخيارات للردّ على مقتل الجنرال سليماني منها ما هو عاجل ومنها ما يُمكن تنفيذه على المدى المُتوسّط ومنها ما هو على المُستوى البعيد، وستأخذ هُنا طهران بعين الاعتبار مكان وزمان وحجم الردّ والخسائر التّي قد تلحق بالطرفين، “فبغضّ النظر عن المكان الذّي ستختاره طهران للردّ على الاعتداء الأمريكي، فسيكون عليها التعامل مع حقيقة بسيطة أنّها مُحاطة بـ51 قاعدة أمريكية مُتنوّعة بحرية وجوّية وأرضية من كلّ الجهات، 30 منها في دول الخليج العربي. وأنّها مُحاطة بأكثر من 60 ألف جندي أمريكي، وعدد كبير من الطائرات المُقاتلة الأمريكية الرابضة في قواعد جوّية مُختلفة في الجوار في دول الخليج، والعراق، والأردن، وتركيا، وأفغانستان.
كما أنّ الأسطولين الأمريكييّن الخّامس والسّادس على مقربة منها، وجاهزان للتدّخل في أيّ وقت. ما يعني أنّ عامل المكان ليس في صالحها، وإنّ استطاعت هزيمة الولايات المتحدة عسكريا فإنّه سيكون على حساب دمار شامل في بنية إيران التحتيّة”.(11)
رُبّما تلجأ إيران إلى تعطيل الملاحة واستهداف ناقلات النفط والسُفن التجارية التّي تمرّ بمضيق هرمز، أو استفزاز الأسطول الأمريكي بزوارقها الحربية سّريعة الحركة مُقارنة ببُطئ الأسطول الأمريكي.
كما يمكنها مُضايقة دول الخليج كعادتها بالإرث الذّي تركه سليماني من مليشيات وفصائل وأحزاب، وقد تلجأ طهران إلى اغتيال شخصية أمريكية رفيعة المُستوى من وزن وحجم الراحل سليماني عملا بمبدأ “العين بالعين والسنّ بالسنّ”.
ويمكن لإيران مُهاجمة السّفارات الأمريكية المُوجودة في صنعاء وبيروت وبغداد خاصّة وأنّ لإيران إرث كبير في مُهاجمة ومُحاصرة السّفارات الأمريكية، وستُركّز إيران على العراق لتعميق الأزمة في هذا البلد وإحراج الولايات المتحدة.
فضلا عن ذلك يمكن لإيران اللّجوء إلى تأجيج المشاعر الشعبية الشيعية العراقية ضدّ الوُجود العسكري الأمريكي بمُراوحتها بين العمل العسكري والسياسي من خلال سيطرتها على أغلبية برلمانية تُدين بالولاء لها (كُتلة الفتح وكُتلة النصر وائتلاف دولة القانون وكُتل أخرى) ما يُمثّل ضغطا جديدا على حكومة تصريف الأعمال الحالية لإعادة النظر في اتفاقيات التعاون الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، والتّي بدأت باتفاقية “الإطار الاستراتيجي للتعاون والدفاع المشترك” المُوقّعة بين الطرفين عام 2008، ثُمّ الاتفاقيات المُوقّعة في أعقاب الانسحاب الأمريكي عام 2011، ما قد يصل إلى المُطالبة بإنهاء حقيقي للوُجود العسكري الأمريكي في العراق.(12)
كما يمكن لطهران زيادة حدّة الصراع مع أمريكا في العراق من خلال ارتباط المليشيات العراقية سياسيا وعقائديا بإيران ومُحاولة الانتقام من خلال استهداف الوجود الأمريكي، الأمر ينطبق أيضا على مُقتدى الصدر الذّي يُقدّم نفسه كزعيم وطني يرفض انتهاك السيادة العراقية ويرفض الوجود الأمريكي ربما يدفعه هذا الأمر إلى إعادة تشكيل واستخدام أبرز مليشياته (جيش المهدي وسرايا السلام) للردّ على اختراق السيادة العسكرية.
إلى جانب ذلك يمكن لطهران استعمال ورقة البرنامج النووي، ربما سيدفع مقتل سليماني إيران للمُضي قدما في تخصيب اليورانيوم إلى مُستويات تُمكّنها من صناعة أسلحة نووية، وبذلك ستُشكّل مزيدا من الضُغوط على الساحة الإقليمية والدولية وتُدخل المنطقة في حرب إعادة انتشار وتوازنات جديدة لا يُمكن تخيّل مآلاتها وعواقبها.
ويمكن لها زيادة التقارب العسكري مع روسيا والصين، فقد أجرت الدُول الثلاث مناورات بحرية واسعة في مياه الخليج وربما قد تنخرط بيكين وموسكو في صراع مع أمريكا، إلى جانب تفعيل قُدرات الإنترنت في إطار الحرب السيبرانية مع واشنطن.
ب ـ الخيارات الأمريكية
من المرجح أن تتجه الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام سلاح العُقوبات على عدد من قادة المليشيات الشيعية العراقية وعلى السياسيين الدّاعمين لها وإدراج بعضهم على قوائم الإرهاب.
وقد تستهدف بشكل مباشر أهدافا داخل العُمق الإيراني وقد حدّد ترامب أكثر من 52 هدفا إيرانيا في حال تصعيدها من خلال قواعد أمريكية وأسطول بحري وجوّي مُنتشر في المنطقة بأكملها.
كما يمكن لواشنطن تغيير استراتيجيتها في العراق من الانسحاب العسكري بصُورة تدريجية إلى استراتيجية إعادة الانتشار من جديد، وقد تمّ هذا الأمر بالفعل حيث أوقفت واشنطن مُفاوضات إنهاء وجودها العسكري مع الجانب العراقي كردّ فعل على اقتحام سفارتها في بغداد، واستدعت تعزيزات جديدة من جنود وآليات.
علـى الرغـم مـن كُلّ الإجـراءات التصعيديـة المُتبادلـة مـن الجانبيـن، مـن إرسـال الولايـات المُتحـدة لحاملـة الطائـرات والمُدمّـرات، والحديـث عـن إصـدار إيـران الأوامـر لأذرعهـا الميليشـياوية فـي سـوريا والعـراق ولبنـان لأنّ تكـون علـى أهبـة الاسـتعداد للحـرب، فـإن ّ هذه الإجـراءات تظل مُجرّد إجـراءات مدروسـة بعنايـة مـن الجانبيـن تحسّـبا لتكلفتهـا الماديـة، ولذلـك سـيحُولان دون وُصولهـا إلـى نُقطـة الانفجـار، مـا يُبقـي الأوضـاع علـى مُجرّد أجواء تخوم الحرب وليس اندلاع حرب فعليّة ستكون كارثية بكلّ المقاييس على الأطراف وحُلفائهم”.(13)
يهدف من خلالها ترامب إلى تحقيق مكاسب سياسية لصالحه ولصالح حزبه الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المُقبلة من خلال ردع إيران ودفعها نحو التفاوض على اتفاق جديد مع الإدارة الأمريكية من خلال استثماره لكلا من العقوبات الأمريكية القاسية وقضية اغتيال قاسم سليماني.
وتسعى إدارة ترامب لتوقيع اتفاق نووي جديد تستفيد منه الشركات الأمريكية التي يمنعها القانـون الأمريكـي مـن الاسـتثمار فـي دولـة راعيـة للإرهـاب مثـل إيـران، إذ اسـتفادت الشـركات الأوروبيـة مـن الاتفـاق النـووي بعـد التوقيـع في يوليـو2015 بينمـا لـم تسـتفد الشـركات الأمريكيـة.
هذا إلى جانب أن التوصّـل إلـى اتفـاق جديـد يُلبّـي مطالـب وطُموحـات اللّوبـي الصهيوني المُتنفّـذ داخـل أروقـة الحكـم وأجهـزة صُنـع القـرار الأمريكـي، إذ يعدّ اللوبـي الصُهيونـي مـن أبـرز جماعات الضغط التّـي تلعب دور محوريا في فـرص فـوز المُرشـّحين لمنصـب الرئاسـة الأمريكيـة، بحُكـم مـا يمتلكه من مُنظّمـات دينيـة وإعلاميـة وماليـة جبّـارة ومُؤثّـرة فـي الحشـد والتعبئـة في أثنـاء العمليـة الانتخابيـة للرئاسـة الأمريكيـة .
وأخيرا إنعاش صادرات السلاح الأمريكيـة مـن خلال إثـارة المخـاوف لـدى دول المنطقـة مـن الخطـر الإيرانـي وتهديداتـه المُتكـرّرة لأمـن واسـتقرار المنطقة ومن ثـمّ تنشـيط مبيعـات السلاح لتلـك الـدول وكسـب زبائـن جُـدد مُحتمليـن فـي المنطقـة.(14)
خاتمة
تُنبّئ عملية اغتيال قاسم سليماني بحُدوث تغييرات كبيرة على الدّولة العراقية التّي تمرّ بفترة حرجة من عدم الاستقرار والهشاشة السياسية بالتزامن مع توسّع الحراك الشعبي الدّاعي لتغيير النظام ورحيل كامل الطبقة السياسية التّي تناوبت على حكمه منذ 2003م، وبغضّ النّظر عمّا ستؤول إليه الأحداث الأخيرة فإنّ العراق سيكون ساحة الصراع الأولى لهذا التصعيد والتجاذب بين الطرفين الأمريكي والإيراني.
ــــــــــــ
1 ـ ريهام سيد كامل، “التوظيف السياسي للأقليات الشيعية في الخليج لخدمة المشروع الإيراني”، المركز العربي للبحوث والدراسات، القاهرة، بتاريخ 11 ديسمبر 2019.
2 ـ عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي “الوساطات الدولية لتسوية الأزمة الأمريكية ـ الإيرانية ومستقبل نفوذ طهران الإقليمي”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، ص8.
3 ـ مأمون خلف “هل سيشعل قاسم سليماني شرارة حرب مؤجلة بين أمريكا وإيران”، ساسة بوست، بتاريخ 4جانفي 2020.
4 ـ عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي، م، س.
5 ـ هشام ملحم، “تداعيات قتل سليماني”، مجلة حفريات، بتاريخ 6جانفي 2020.
6 ـ هيثم مزاحم، “الدين والدولة في إيران: أثر ولاية الفقيه على السياسة الداخلية والخارجية”، مجلة الدراسات الإيرانية، السنة الثانية، العدد الخامس، بتاريخ 2ديسمبر 2017.
7 ـ مأمون خلف، م، س.
8 ـ وجيه قانصو، “العراق هدف أمريكا وإيران”، مجلة حفريات، بتاريخ 6جانفي 2020.
9 ـ المرجع السابق.
10 ـ صافيناز محمد أحمد “هل سيكون العراق ساحة إيران الأولى للرد على اغتيال سليماني”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، بتاريخ 5جانفي 2020.
11 ـ مأمون خلف، م، س.
12 ـ صافيناز محمد أحمد، م، س.
13 ـ عبد الرؤوف مصطفى الغنيمي، م، س، الصفحتين 24ـ25.
14 ـ المرجع السابق، ص24.
ــــــــــــــ
ماهر لطيف
باحث تونسي متخصص في الدراسات الحضارية الحديثة