عادت هجرة أبناء المسؤولين الإيرانيين إلى واجهة الانتقادات اللاذعة من جديد، وذلك بعد أسبوعٍ واحدٍ من تغريدة كتبها “مهدي عرفات” سكرتير المجلس الإعلامي للحكومة الإيرانية، عن حصول ابن نائب أحد وزراء الحكومة الثالثة عشرة على تأشيرة لمواصلة دراسته في دولة أجنبية، وهو ما ترتب عليه صدور قرار رئاسي جاء فيه، “إذا غادر الابن، يغادر الأب معه أيضًا”.
والواقع أن قضية هجرة أبناء مسؤولي الجمهورية الإسلامية إلى الخارج، ليست بالشيء المستحدث، فـ”معصومة ابتكار” النائبة السابقة للرئيس المنتهية ولايته “حسن روحاني” لشؤون المرأة والأسرة، من بين هؤلاء الذين اختاروا أمريكا ليعيش فيها ابنها، على الرغم من لهجتها وخطابتها المعادية للغرب، وهو التناقض بعينه. ومع ذلك، يبدو مما يُروج إعلاميًا، أن الأيام التي كان فيها كبار المسؤولين الحكوميين فخورين بإقامة أبنائهم في الخارج، قد ولت، وأصبحوا الآن يخضعون للمراقبة وحتى التهديد بالإقالة.
كان ذلك جليًا في تغريدة عرفات، كونها تحذيرًا بمصير من يضطلع في إذاعة رغبة الهجرة إلى خارج البلاد، ومع هذا، لم يمض وقت طويل حتى أُثيرت مسألة هجرة نجل “إنسيه خزعلي” نائبة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة، “حميد رضازاده”، وهو مؤسس شركة لخدمات VPN للإيرانيين في كندا، باسم Better Net.
وحميد رضازاده مواليد طهران 1986، والده سيد محمدرضا رضازاده محافظ محافظة فارس خلال الفترة الثانية لرئاسة أحمدي نجاد.
الأمر الذي دفعها إلى التعليق على إقامة نجلها في كندا، قائلة: “انقضت تلك الفترة التي وقف فيها المسؤولون خلف أبنائهم مثل الجبال ودافعوا صراحة عن هجرتهم، وحياتهم في الخارج. واليوم البعض تكلم بحماسة عن هجرة ابني، لكنه في رحلة عمل مؤقتة؛ بهدف تطوير ودعم مؤسسة المعرفة في إيران مع عددٍ كبيرٍ من طلاب علوم الحاسب. ولحسن الحظ أوشك المشروع على الانتهاء، ومن المقرر عودته إلى البلاد خلال الأشهر المقبلة”.
تبعات تزييف الحقائق
تصريحات “إنسيه خزعلي” تسببت في مزيدٍ من التعقيدات، بل وتوجيه الاتهامات إلى نزاهة ومصداقية عملها، بالإضافة إلى المطالبة باستقالتها من منصبها. فهي اليوم أكثر المسؤولين إثارة للجدل وحديثًا في شبكات التواصل الاجتماعي والأوساط السياسية والإعلامية بعد استقالة حجت الله المالكي من الحكومة، المثير للأزمات بين شريحة العمال والمتقاعدين دون أن يقدم أي اعتذار.
وجد الإعلام الإصلاحي في أزمة إنسيه خزعلي موضوعًا غنيًا لإثارة الرأي العام خاصة صحيفة “أرمان ملي” الإصلاحية التي أفردت صفحتها الرئيسة لمناقشة تحديات سفر أبناء المسؤولين، وموقع “خبر آنلاين” الموالي للتيار الإصلاحي خلال الفترة الأخيرة.
ومن ذلك يمكن ذكر موقف الناشط الإعلامي حسين دهباشي، الذي رد على تصريحات إنسيه خزعلي، قائلًا: “لماذا يذهب أبناؤكم إلى أمريكا وكندا من أجل التعليم وليس الصين وروسيا؟ من المفترض أنه لدينا علاقات مع الصين. نحن لا نعارض سفر الأبناء إلى الشمال، ولكننا نعارض النفاق”.
في خضم هذا، أكد مهدي خزعلي عم حميد رضازاده ــ نجل إنسيه خزعلي ــ في حديث له مع وكالة أنباء “چند ثانيه” الإيرانية، حقيقة عمله في كندا، وامتلاكه شركة تعمل في مجال VPN بتكلفة تتجاوز 100 مليار ريال إيراني 23640 دولار أمريكي.
علاوة على صحة الأخبار حول هجرة أبناء كبرى خزعلي رئيس المجلس الثقافي والاجتماعي للمرأة والأسرة بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية، إلى كندا وأمريكا منذ سنوات، قائلًا: “إن هجرة ابن كبرى خزعلي إلى كندا صحيحة، وليس فقط ابنها، بل حتى ابنتها تعيش منذ سنوات في أمريكا”.
تناقضات تشكك في الحكومة
إذا ما نظر المتابع للشؤون الإيرانية إلى قصة نجل إنسيه خزعلي من كل زاوية، فسيرى سيلًا من التناقضات، خاصة تلك التي تشكك في سياسات الحكومة الإيرانية، ولعل أبرزها، سياسة تكنولوجيا المعلومات الحكومية، والتي ترتبط بزيادة حجب المواقع ومنعها في إيران، في المقابل يعمل نجل نائبة رئيس نفس الحكومة في كندا في مجال إزالة قيود التصفح وتشفير الاتصال بالإنترنت.
هذا من جهة، من جهة أخرى موقف “رئيسي” تجاه نائبته، وعدم وجود ردود فعل منه إلى الآن. في حين هو نفسه من خرج قبل عشرة أيام وأصدر قرارًا هدد فيه نائب أحد الوزراء في حالة حصول ابنه على تأشيرة السفر للخارج، بالطرد من منصبه وحتى البلاد!
وفيما يخص تصريحات “إنسيه خزعلي” باشتراك ابنها في مشروع يعمل لصالح إيران في كندا، ألا يعارض ذلك سياسة الحكومة في قطع العلاقات الدبلوماسية مع كندا، والموقف الذي كان من المفترض للحكومة اتخاذه بعد إلغاء مباراة كرة القدم بين إيران وكندا يونيه الماضي 2022 جراء الحملات السياسية.
فقد كانت هنالك مجموعتان دعمت تلك الحملات، وهم أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية المنكوبة PS752 المدعمة من قبل أطياف مختلفة معارضة للجمهورية الإسلامية على الصعيد الإعلامي والسياسي وعشرة نواب محافظين في كندا.
وقد نظمت مسيرات احتجاجية في مدينة فانكوفر الكندية، لمنع المنتخب الإيراني من السفر إلى كندا بدعوى أن المنتخب الإيراني ممثل سياسي لإيران في هذه المباراة، إلى جانب مزاعم انتماء بعض اللاعبين إلى الحكومة.
الفكرة هنا أين موقف هاتين المجموعتين من موضوع نجل نائبة الرئيس؟ لماذا لا يقدمون طلبات مماثلة إلى الحكومة الكندية لمنع حميد رضازاده من الوجود على الأراضي الكندية مثلما مُنع بعض اللاعبين من السفر للمباراة لمجرد الاشتباه بعلاقتهم بالحكومة؟ في مقابل أنه بات معروفًا رسميًا ضلوع ابن إنسيه خزعلي في مجال التحايل على سياسات تكنولوجيا المعلومات في كندا.
كل تلك التناقضات تُظهر ريبة وشكوكا في صحة ما يُروج له الإعلام الإيراني بشقيه الأصولي المُكذب لحقيقة عمل نجل إنسيه خزعلي، والإعلام الإصلاحي المُهاجم والمُطالب بإقالتها.
الانتقادات تعصف بمسؤول جديد
موجة الانتقادات لم تقف عند أبناء “إنسيه وكبرى خزعلي”، بل امتدت لتشمل الوزير الجديد المقترح لوزارة العمل “زاهدي وفا”، إذ تواترت شائعات حول حصول ابنتيه على الجنسية الكندية، وإقامتهما هناك. وذلك بعد تغريدة لـ”عبدالرضا داوري” المستشار السابق لمحمود أحمدي نجاد، كتب فيها أن حجة الإسلام والمسلمين دكتور محمد هادي زاهدي وفا، الذي رشحه رئيس الجمهورية من أجل تقلّد وزارة العمل، كان موجودًا في كندا عام 1992 وحتى 1994 وعام 2001 وحتى 2003، أما ابنتاه “فاطمة وزهرا” فقد ولدتا في كندا آنذاك، ولديهما الجنسية الكندية.
في السياق نفسه، ردّ الهويردي دهقاني عضو لجنة الصناعات والمناجم في البرلمان، خلال حوارٍ له مع موقع “انتخاب”، على سؤال، هل حصول أبناء زاهدي ــ الذي اقترحته الحكومة لوزارة العمل ــ على الجنسية الكندية سيؤثر على أصوات النواب في البرلمان؟، قائلا: “إن ذلك السؤال يجب طرحه على الحكومة نفسها؛ لأن السيد إبراهيم رئيسي قال: إذا ذهب الابن، يذهب الأب أيضًا”.
تلك التسريبات كانت كفيلة بوضع اسم الوزير الجديد على قائمة التشاور في البرلمان الإيراني، لاسيما وأنه قد أثير قبلها بعض الشكوك في كفاءة زاهدي لتولي وزارة العمل، ما يعني دفع إبراهيم رئيسي إلى إعادة النظر في مرشحه الجديد لوزارة العمل، خاصة أن وضع الحكومة الاقتصادي وحتى السياسي المتأزم لا يحتمل مزيدًا من التخبط الداخلي.
خاتمة
جملة ما أعلاه، أن مسألة سفر أبناء المسؤولين إلى الخارج، أظهرت جانبين مهمين: الأول، المحاولات المستميتة للإعلام الإصلاحي بين الفينة والأخرى في تأجيج الرأي العام المحلي ضد الحكومة المحافظة، سواء تمخض عن ذلك التشكيك في نوايا الحكومة وكفاءتها في التوصل إلى اتفاق يضمن الصالح الإيراني، أو كان في إثارة حقوق الإنسان ضد الحكومة فيما يخص أزمة الحجاب والقوانين التي تحمي المرأة من العنف المنزلي، أو حتى فشلها في مشروعها الاقتصادي ووصول معدلات التضخم إلى 46% وتوقع البنك الدولي بلوغه 51% خلال الأشهر المقبلة.
الجانب الثاني، هو تعارض ظاهر المسؤولين السياسي مع باطن حياتهم الخاصة، لاسيما وأنهم أوائل المهاجمين والمعارضين للغرب، لكنهم في الوقت ذاته أوائل المستثمرين والداعمين لأبنائهم على ترك البلاد، ما يؤكد أن ازدواجية المصالح سياسة المسؤول الإيراني طالما أنها تكفل له مصالحه الخاصة.