أدى التدخل الروسي العسكري في الأزمة السورية إلى تحويلها من أزمة دولتية إقليمية إلى أزمة عالمية بالدرجة الأولى، فبعد أن كان الصراع محصورا على قوى داخلية وإقليمية تحول إلى شكل دولي بانخراط هذه القوة الكبرى في المسألة، ولئن كان لإيران دور رئيس في انخراط موسكو بالأزمة بناء على طلب قائد فيلق القدس السابق اللواء قاسم سليماني الذي أقنع الرئيس فلاديمير بوتين بإمكانية إعادة تشكيل ميزان القوى الدولي من جديد حال تدخل روسيا في الأزمة، فإن ما خططت لها طهران هو ما قد كان.
تحاول السطور التالية تتبع أسس العامل الإيراني الضمني في القرار الاستراتيجي الروسي تجاه الأزمة الروسية في أعوام ما بعد 2014.
دوافع السياسة الروسية
تنظر روسيا إلى سوريا باعتبارها حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ إن الرؤية الاستراتيجية الروسية تقوم على أن سوريا في الوطن العربي مثل ليبيا والعراق بالدرجة الأولى بالنسبة لدول الغرب، من ثم لم يبق أمام روسيا باعتبارها دولة مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة في هذه المنطقة سوى إيران وسوريا وهما امتداد جغرافي لروسيا.
في سبيل ذلك قامت روسيا بإرسال الدعم العسكري واللوجيستي لسوريا ثم انخرطت فعليا بقواتها في الأزمة، وهي رسالة توضح أن روسيا تدعم حلفاءها بالفعل، ما يدعم موقفها في ليس في سوريا فحسب، بل في الملفات المختلفة الأخرى.
>> اقرأ أيضا:
فضلا عن الدافع الاستراتيجي السابق، تأتي الدوافع الأمنية المتمثلة في الدفاع عن الأمن القومي الروسي ومكافحة انتشار الإرهاب في منطقه الشرق الأوسط. على سبيل المثال: بين 5 إلى 7 آلاف مقاتل من الشيشان كانوا قد انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي، وما بين 2600 إلى 4500 مقاتل من دول الاتحاد السوفيتي السابق كانوا قد فعلوا الأمر نفسه.
بطبيعة الحال لم تكن روسيا تسمح بعودة هؤلاء المقاتلين ــ الذين اكتسبوا خبرات عسكرية ميدانية ــ في نهاية المطاف إلى أوطانهم الأصلية مع ما يحمله ذلك من خطر داهم من الممكن أن يتسبب في زعزعة الأمن الروسي.
إلى جانب ما سبق تأتي الدوافع العسكرية والاقتصادية لتكمل منظومة الدوافع الأخرى التي بُني عليها الدور الروسي في سوريا، إذ رأت موسكو أن وجودها العسكري في سوريا يوفر لها مكانا مناسبا لتدريب قواتها واختبار القدرات العسكرية، ويوفر لها استعراض قدراتها العسكرية أمام المجتمع الدولي، فضلا عن مكافحة منابع الإرهاب.
أما بالنسبة للدوافع الاقتصادية فتتمثل في أن سوريا تمثل لروسيا أفضل الشركاء التجاريين في مجالات عدة، صفقات التسليح ليست آخرها، إذ شكلت الأسلحة الروسية حوالي 78% من قوام تسليح الجيش العربي السوري.
الموقف الروسي من الازمة السورية
تبنت روسيا تجاه الأزمة السورية سياسة مرتبطة برؤيتها لكيفية صياغة القانون الدولي بشكل عملي، ومن أهم أسسها البقاء في حوض المتوسط والتصدي لمشروع الولايات المتحدة الأمريكية وعبرت روسيا عن مخاوفها من تأثير ذلك على التوازن في النظام الدولي وإصرار الأطراف الإقليمية والدولية على تحقيق مصالحها في سوريا.
وقد رفضت الدولة الاتحادية أي تدخل عسكري لتغيير البنية السياسية السورية، ورفضت الأدوار الخارجية في تغيير مجريات الأزمة السورية.
في غضون ذلك عملت السياسة الروسية على اتجاهين:
الأول: يتمثل في دعم الحكومة السورية الشرعية سياسيا ومجلس حقوق الإنسان.
الثاني: يتمثل في تقديم الدعم العسكري للجيش العربي السوري.
>> اقرأ أيضا:
وقدمت روسيا كل أشكال الدعم السياسي للحكومة الشرعية في سوريا ورفضت أي تدخل عسكري خارجي ثم حاولت أن تشارك في الحل السياسي للأزمة السورية عن طريق جةلات “جنيف” ومحادثات “آستانا” من خلال التحالف الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران.
خاتمة
كان موقف روسيا تجاه الأزمة السورية نقطة انعطاف حادة في مسار السياسة الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن لتتوافر له شروط اتخاذ القرار السياسي بعيد المدى سوى بدفع حثيث من إيران، وهنا ظهر العامل الإيراني في تلك المسألة، ومن خلاله حققت إيران معادلتها كاملة، بأن حافظت على تموضعها الاستراتيجي في قلب دمشق من خلال تحويل الصراع من شكله الإقليمي الذي ساد الميدان بين عامي 2011 ـ 2014، إلى بعد دولي، كما أنها حافظت على أمنها الداخلي ببقاء نظام ــ وشخص ــ الرئيس بشار الأسد، إذ عنى إقصاء بشار على المستوى الشخصي، إمكانية انسحاب ذلك على شخوص أولئك الذين يجلسون في قصر “سعد آباد” بقلب طهران.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد حسن مكي
باحث مساعد في العلاقات الدولية