منذ أيام قليلة أدانت إيران رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إدراج الإخوان جماعة إرهابية، وhندهش البعض من تك الإدانة، متعجبين من دعم إيران “الشيعية” لجماعة الإخوان “السنية”، ولكن السياسة لا تعرف دين ولا أي ثوابت، ومن يطلع على التاريخ بين نظام الخميني وجماعة الإخوان، وطبيعة العلاقات بين القيادات هنا وهناك يعلم أن إيران والإخوان وجهين لعملة واحدة، وهذا ما يخبر به التاريخ.
إيران والإخوان بين ثورتين
فإذا كان فبراير 1979م حمل مشهد اعتلاء المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السابق آية الله روح الله الموسوي الخميني حكم البلاد بعد هبوط طائرته بمطار “مهر أباد” قادما من باريس لكي تلحق بها طائرة تحمل كوكبة من قيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ثم تمر الأعوام ويأتى الجمعة 4 فبراير 2011م لكي يعتلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الحالي علي خامئني منبر الصلاة ويخطب للمرة الأولى باللغة العربية ويخصص كل حديثه لأبناء جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وتونس وباقى بلاد العرب ويطالبهم بأن يثوروا على حكامهم كي يضفى حالة من الدهشة على الرأي العام الذي تعجب لذلك المشهد المتناقض في نظره، فعلينا الآن أن نسلط الضوء على ما كان يدور فى الكواليس منذ فبراير 1979م وما قبله وحتى فبراير 2011م وما بعده.
فقبل أن تتقابل التواريخ كانت الأفكار تتلاقى بين منظري وفلاسفة جماعة الإخوان ونظرائهم بإيران، وفي كتاب “فلسفتنا” لسيد قطب الصادر عام 1959م، يتجلى التأثر القوي بفكر مؤسس حزب الدعوة العراقي ومن أفتى بحرمة الانضمام لحزب البعث وأبرز علماء الشيعة وقتها ألا وهو محمد باقر الصدر، وبالتزامن وبمباركة المرجع الشيعي محسن حكيم أصبح لجماعة الإخوان فرع بأرض العراق تحت مسمى الحزب الإسلامي العراقي.
بحلول عام 1966م ترجم خامنئي كتب عديدة لسيد قطب للغة الفارسية من أبرزها كتاب “المستقبل لهذا الدين” وفي مقدمة هذا الكتاب وصف خامنئي سيد قطب بالمفكر المجاهد الذي أثبت في كتابه أن العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، وما حملته تلك الرسالة نفسها ومضمون ذلك الكتاب تكرر الأمر بكتاب “أمتنا بين قرنين” ليوسف القرضاوي الذى وصف فيه ثورة الخميني بأنها صحوة إسلامية وانتصار للإسلام.
يقول القرضاوي في كتابه “لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم وانبعاث الأمل فيها بالنصر”، ويعد كتاب “فى ظلال القران” لسيد قطب من أكثر الكتب انتشارا وتأثيرا فى الشعب الإيراني بذلك الوقت.
لقاء الخميني والإخوان
وإذا كان اللقاء الأول بين الخميني وقيادات جماعة الإخوان قد جاء بباريس بعد أن تولى أبو الحسن بني صدر (الرئيس الأول لإيران بعد الثورة) ترتيب تلك اللقاءات، فقد جاءت باقي اللقاءات بطهران وكان أبرز الوجوه الإخوانية التي التقت الخميني التونسي راشد الخريجي الغنوشي، وعبد الرحمن خليفة مراقب الإخوان المسلمين بالأردن، وجابر رزق ممثلا عن إخوان مصر، وسعيد حوي ممثلا عن إخوان سوريا، وغالب همت من إخوان سوريا، وعبد الله سليمان العقيل ممثلا عن إخوان السعودية، وأخيرا وليس آخرا المصري يوسف ندا مفوض العلاقات السياسية الدولية لجماعة الإخوان، والذى كان أحد أهم حلقات الاتصال بين دائرة الخميني وجماعة الإخوان من خلال علاقته بضابط استخبارات إيراني أرسلته طهران لمدينة لوجانو السويسرية حيث يقيم يوسف ندا.
كذلك كان من أهم حلقات الاتصال بين الطرفين كل من إبراهيم يزدي المقيم بالولايات المتحدة، وبهشتي المقيم بهامبورج الألمانية، وخسرو شاهي الذى أصبح فيما بعد سفير إيران لدى مصر.
وفي أثناء تهنئة وفد الإخوان للخميني بثورته عرض الوفد على الخميني مبايعته كخليفة للمسلمين بعد أن يوضح الخميني لجموع المسلمين سنة وشيعة بأن الخلاف على الإمامة بعهد الصحابة كان خلافا سياسيا بعيدا كل البعد عن الخلاف العقائدي والديني وحينها صمت الخميني ونحى ذلك الموضوع جانبا قبل أن يعلن فى دستور إيران بأن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي للدولة وولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب.
ونتيجة للعمل المشترك بين الخميني وجماعة الإخوان منذ البداية ولتأثر الإخوان بالمذهب الشيعي بوجه عام منذ تأسيس الجماعة؛ كان آيه الله كاشاني (أحد أبرز أتباع الدكتور محمد مصدق) أبرز المرشحين لقيادة الجماعة خلفا لمؤسسها بعد مقتل حسن البنا.
وبعام 1948م كان المرجع الشيعي تقي الدين القمي أبرز ضيوف المركز العام لجماعة الإخوان بالقاهرة، وكان من أكثر الشخصيات التى تأثر بها حسن البنا، وقد أمر مرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني بإصدار طوابع بريد تحمل صور حسن البنا وسيد قطب.
أنماط التقارب بين الإخوان وإيران
والتقارب بين الإخوان ونظام الخميني لم يكن فكريا فقط بل وعسكريا أيضا وتجلى هذا بتأثر الإخوان بحركة فدائيي الإسلام الإيرانية المعارضة لنظام الشاه وزعيمها مجبتي مير لوحي المعروف باسم نواب صفوي والذى يربطه بجماعة الإخوان تاريخ طويل وحافل بالأحداث المهمة.
وكانت زيارات صفوي للقاهرة يصاحبها استقبال حافل من أبناء جماعة الإخوان وحتى في أثناء زياراته لمراقد أهل البيت، وكثيرا ما هاجم صفوي الزعيم جمال عبد الناصر الذى أطلق مسمى الخليج العربي بدلا من الخليج الفارسي بحكم أن العرب يسكنون شاطئي الخليج.
وعندما قال راشد الغنوشي إن حركة فدائيي الإسلام امتداد لجماعة الإخوان المسلمين رد عليه نواب صفوي قائلا: “من أراد أن يكون جعفريا على حق فلينضم لجماعة الإخوان المسلمين”.
وبعد إعدام نواب صفوي نعاه المرشد الرابع للجماعة محمد حامد أبو النصر واصفا صفوي بالزعيم الإيراني وشهيد الإسلام. وعلى المنوال نفسه صار باقى قيادات الإخوان بمختلف أقطار التنظيم الدولي كاللبناني فتحي يكن والتونسي الغنوشي وغيرهم.
ثم ما لبثت صحف الإخوان المسلمين كـ”الدعوة” و”الاعتصام” و”المختار الإسلامي”، أن تبنت الانحياز لطهران والهجوم على مصر والرئيس محمد أنور السادات خاصة بعد استقبال السادات شاه إيران فى مصر، وبعد أن أطلقت طهران على أكبر شوارعها اسم “خالد الإسلامبولي” قاتل الرئيس المصري.
ووقتها صرح عمر التلمساني وتحديدا يوم 16 ديسمبر 1984 بمجلة “الكرسنت الإسلامية” التى تصدر بكندا، قائلا “لا أعرف أحدا من أبناء جماعة الإخوان المسلمين فى العالم يهاجم إيران” فى إشارة منه على وحدة الأهداف والفكر التي تجمع جماعة الإخوان ونظام الخميني.
وعندما توفي الخميني يوم 4 يونيو 1989 أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً قائلا “الإخوان المسلمين يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة”، وبعد أن صار علي خامنئي المرشد الأعلى أصبحت أفكار سيد قطب وحسن البنا تدرس في مدارس الإعداد العقائدي الخاصة بالحرس الثوري الإيراني.
ومع حلول عواصف الخريف العربي بالمنطقة كانت إيران حاضرة بشكل مباشر على الأرض وخلف الكواليس وعبر شاشات التلفزيون وبعد خطبة خامئني يوم الجمعة 4 فبراير 2011م، ثم التصريحات المتتالية له عبر وكالات الأنباء التى حس فيها جماعة الإخوان على التقدم نحو السلطة صرح خامئني قبل إتمام المرحلة الثانية للانتخابات المصرية بين الرئيس المعزول محمد مرسي والفريق أحمد شفيق 2012م وقال نصا: “على الشعب المصري أن يتخلص من فلول الديكتاتور لنصرة دين الله”، فى إشارة مباشرة إلى تأييد مرشح الإخوان للرئاسة، وهى تصريحات لم تقل حماسة وتوضيح لعمق العلاقة بين نظام فكريين أصوليين، عن تصريح فتحي حماد وزير داخلية حماس يوم 31/5/2012 عندما قال: “المصريون هبلان مش عارفين يديروا حالهم بيشتغلوا بناء على رؤيتنا إحنا، وراح نربطهم بإيران لأن اليوم زمنا إحنا وزمن الإخوان ومن سيقف في طريقنا راح ندوسه بلا رجعة”.
خلاصة
كتب التاريخ يوم 11 فبراير 1979م وصول الخميني للسلطة وكتب اليوم والشهر نفسه ولكن بعام 2011م وصول حلفاء الخميني إلى مسرح الأحداث بمصر تمهيدا لاعتلاء الحكم لكي يرتفع سقف طموحات طهران وقتها تجاه الخليج بل والمنطقة كلها وحتى نواكشوط غربا بعد أن توهم الجميع أن مصر سقطت فى جحيم المؤامرات، جاء تاريخ 30 يونيو 2013م ليعيد صياغة معادلات التاريخ والجغرافيا معا.