مع تباطؤ واشنطن في اتخاذ قرارها السياسي بشأن التوصل لاتفاق مع إيران وتقرير مصير العقوبات المفروضة عليها؛ تزداد حدة الخلاف بين سعيد جليلي وبين إبراهيم رئيسي حول ملف محادثات فيينا وتوقيع اتفاق محتمل مع الغرب. ولئن نأت العلاقات بين التيار المقرب لسعيد جليلي وحكومة إبراهيم رئيسي عن أصل الحكم الموحد وولّى فيها زمن الصور الضاحكة، إلا أن الشغل الشاغل للتيار الأصولي هذه الأيام هو تحديد أواصر العلاقات بين الشخصيتين السياسيتين الكبيرتين.
معارضة الأصوليين للاتفاق النووي
لم يكمل الرئيس إبراهيم رئيسي وحكومته في مبنى باستور السنة حتى الآن، ومع ذلك تعالت همسات النزاع بين حكومة رئيسي وبين مجموعة من جبهة ثبات الثورة الإسلامية المؤيدة لآراء سعيد جليلي.
على إثر انتهاء زمن الإطراءات تشكلت لجنة تعارض إبرام اتفاق مع الغرب في الوقت الحالي. وقد ضمت اللجنة خمسة أعضاء من داخل البرلمان وعناصر في جبهة ثبات[1]، وعناصر من خارجه، وهم: سعيد جليلي ومنظريه المناهضيين لاتفاقه النووي.
كان منتقدو حكومة إبراهيم رئيسي فيما يخص مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، بالأمس يمتدحون بعضهم البعض للمشاركة في حلبة التنافس الانتخابي، ويضعون أوسمة الإيثار والأخلاق على أكتافهم، بل حتى إنهم انسحبوا من جولة الانتخابات لصالح الثورة.
لكن اليوم انقضى زمن التحالفات الاستراتيجية من أجل الإطاحة بالإصلاحيين، وأصبح إبراهيم رئيسي يواجه الحقائق المرئية والمخفية، بمجرد ارتدائه عباءة الرئاسة على كتفيه.
منذ أول أيام انتصاره في الانتخابات الرئاسية، أكد أنه لا يمانع في إحياء الاتفاء النووي. على الرغم من أن خطاباته في الأسابيع الأخيرة خلت من أية إشارات عن المفاوضات، إلا أن حماس حكومته تَكشف خلال جولة المفاوضات المنصرمة.
يأتي هذا في حين تواترت أخبار مؤكدة وغير مؤكدة عن جماعات خفية في المباحثات، وهى من تحاججها حكومة إبراهيم رئيسي في فيينا، وعلى هذا النحو يبدو جليا أن العقدة الأساسية ليست في فيينا وإنما في طهران.
التناحر على السلطة من جديد
في أثناء انشغال رئيسي ووزير خارجيته بالعمل على احياء الاتفاق النووي يخطط من هم تحت إمرة حسين شريعتمداري[2] في قلب العاصمة طهران، ومن هم في ردهات الفكر لجبهة ثبات بمشهد؛ من أجل لجنة الخمسة المعارضة للاتفاق النووي في البرلمان الإيراني.
بيد أن رئيسي لا يرغب، وبالأحرى لا يمكنه الانخراط مع ذلك التيار المعارض للاتفاق النووي، والذي يُوجهه سعيد جليلي. ومع ذلك، لا يمكن غض الطرف عن تكلفة تلك الانتقادات والاعتراضات بالنسبة لحكومة رئيسي.
أضف لذلك عشيرة ومعكسر إبراهيم رئيسي في التيار الأصولي، والذي تنحی لصالحه. لكن اليوم وصلت قصة الانتخابات إلى نهايتها، وارتاح فكر الجميع في التيار اليميني ــ أو التيار الأصولي حيث كان يسمى بالجناح اليميني سابقا ــ نحو نزوح المنافسين السياسيين من مؤسسات الدولة.
أما الحكم الموحد الذي كان حلمًا لا يمكن تعويضه للأصوليين، يبدو أنه الآن في حالة فوضوية. فالتيار الأصولي الذي تصور منذ بداية العام الفارسی 1400 هـ. ش، أنه سیستمر بتكرار تجربة أيقونته الأجنبية أي حزب روسيا الموحدة ــ الحزب الحاكم والقوة السياسية الرائدة في موسكو ــ وسيمكث في مؤسسات الدولة، ولن يترك السلطة في هذا التيار إلا الشخصيات غير المهمة، أصبح الآن منتقدا شرسا لسياسة الجمهورية الإسلامية الخارجية.
خاتمة
علیه یتضح أن التوجهات الإيديولوجية للجمهورية الإسلامية أي طريقة ومستوى المواجهة مع الغرب، قد تحولت نحو محور النزاع الخطير الدائر بين الائتلاف الحالي بقيادة سعيد جليلي وحكومة إبراهيم رئيسي.
وقد بدا صوت الخلاف صاخبًا، وكأنهم يوشكون على توقيع اتفاق جديد من أجل إحياء الاتفاق النووي؛ لأنه وبالتجربة كلما ارتفع صوتهم بمعارضة الاتفاق مع الغرب، عنى ذلك أنهم على بعد بضع خطوات من توقيعه.
ـــــــــــــ
[1] جبهة ثبات الثورة الإسلامية (بالفارسية: جبهه پایداری انقلاب إسلامی)، هى إحدى المجموعات الأصولية، والتي تشكلت يوم 6 مرداد عام 1390 هـ. ش. الموافق 28 يوليو 2011م، في مستهل الانتخابات البرلمانية بدورته التاسعة، من شخصيات طردت من حكومة أحمدي نجاد، هذا وقد رفضت العمل تحت راية الجبهة المتحدة للأصوليين، وأكملت عملها بشكل مستقل. ضمت الجبهة لجنة من خمسة أعضاء هم: صادق محصولي – مرتضی آقاتهرانی – علی أصغر زارعی – روح الله حسینیان وحمید رسایی، زقد قامت بالتباحث واختيار قائمة أعضائها والتي تضم ثلاثين عضوًا وافق عليها آنذاك أية الله مصباح يزدي، انظر: جبهه پایداری انقلاب اسلامی چیست وچگونه شکل گرفت؟، خبرگزاری خبر انلاین، 11 اسفند 1390، لینک خبر: khabaronline.ir/news/201277
[2] حسين شريعتمدارى، والمعروف باسم الأخ حسين، ولد عام 1326 هـ. ش / 1947م، بمدينة دماوند، وهو صحفي إيراني أصولي ومدير عام صحيفة كيهان الرسمية، عينه المرشد عام 1372 هـ.ش/ 1993م بعد استقالة سيد محمد أصغري، أيضا هو ممثل للولي الفقيه في مؤسسة كيهان، وعرف بأنه الداعم الرئيس للأصوليين تجاه المرشح المعتدل حسن روحاني خلال الانتخابات الرئاسية الحادية عشر. انظر: بیوگرافی و زندگینامه حسین شريعتمدارى، سايت أكاايران، لينك خبر: https://cutt.ly/4D5PpWh
ــــــــــــــــــــــــ
مقالة نشرتها المحللة السياسية الإيرانية: “سیما پروانه گهر” في صحيفة “سازندگی” الناطقة باسم حزب العمال، بعنوان: “جلیلی علیه رئیسی؟/ اختلافات 2 رقیب انتخاباتی سابق بر سر مذاکرات وین و برجام” أو “جليلي ضد رئيسي؟/ خلافات بين خصمين سابقين حول محادثات فيينا والاتفاق النووي” صباح الإثنين 15 فروردین 1401 هـ. ش/ الموافق 4 إبريل 2022.
مانشيت صحيفة “سازندگی” الناطقة باسم حزب العمال