أعلنت السلطات الإيرانية يوم السبت مقتل 11 عنصراً من قوات الحرس الثوري الإيراني وكتائب “الباسيج” التابعة لها، وجرح 8 آخرين، خلال اشتباكات، وقعت مساء الجمعة/ فجر السبت، مع عناصر مسلحة تابعة لحزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك”، فهل هناك أفق لنهاية تلك العمليات المستمرة منذ العام 2004 وحتى الآن؟ خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” يجيبون عن هذا السؤال.
د. محمد مجاهد الزيات | عضو الهيئة الأكاديمية الاستشارية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الاستراتيجية
بخصوص الموقف الإيراني والتركي من الكرد، يوجد تنسيق على كل المستويات بين دوائر صنع القرار في كل من إيران وتركيا، وهو تعاون استراتيجي تجاه عدو واحد حسب وجهة نظر البلدين وهو حزب العمال الكردستاني بجناحيه، فيما تلتقى وفود من المخابرات التركية والإيرانية دوريًا كل ثلاثة أشهر لتبادل المعلومات والتنسيق في العمليات المضادة تجاه هذا الحزب تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
هذا التعاون يمتد لمتابعة أنشطة الحزب في مناطق كردستان العراق وليس المناطق الحدودية فقط، ويوجد لجهازي المخابرات الإيرانية والتركية مقار في مدينتي السليمانية وأربيل بإقليم كردستان العراق، تحت غطاء تجارى واستثماري وإن كانت معروفة جيدا للسلطات الكردية في الإقليم.
كما تقوم إيران وتركيا بتجاوز الحدود العراقية في إطار ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، حيث اكتفت السلطات العراقية المركزية بإصدار بيانات شديدة اللهجة تحذر فيه من اختراق سلطات الإقليم في ظل العلاقات المتميزة لدوائر السليمانية مع إيران ودوائر أربيل مع تركيا.
أما التنسيق الإيراني ـ التركي فقد تجاوز ذلك إلى تنسيق على مستوى مختلف الدوائر بخصوص شمالي سوريا خاصة منبج ومناطق شرق الفرات التي تنتشر فيها قوات كردية تمثل جناحا لحزب العمال الكردستاني، ومن المفيد أن يتم أخذ ذلك في الاعتبار عند تحليل مسارات العلاقات الإيرانية ـ التركية حيث تمثل متغيرا له أهميته وانعكاساته على هذه العلاقات.
محمد محسن أبو النور | مؤسس ورئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الإيرانية
من المؤكد أن العمليات العسكرية بين السلطات الإيرانية وعناصر حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك” لن تتوقف، على الأقل في المديين القريب والمتوسط؛ نظرا للدعم الكبير الذي تتلقاه عناصر الحزب التي تعتبر الرافد الشرقي لحزب العمال الكردستان في تركيا، ذلك الذي يتم تمويله ودعمه بالمال والسلاح من جهات ومؤسسات دولية تستهدف إبقاء تلك المنطقة الحدودية بين إيران وتركيا في أوار مستعر بشكل دائم.
مع ذلك فإن الخبرة التاريخية مع الجماعات المسلحة على هذه الشاكلة في قارات العالم تشير إلى أن نشاطها غالبا ما ينتهي بتسليم السلاح والقبول بحلول موائد المفاوضات، ولنا في خبرة “فارك” في كولومبيا، و”إيتا” في إسبانيا، و”الجيش الجمهوري” في أيرلندا، أبرز مثال للاستدلال على هذا المنحى، شريطة أن تلجأ السلطات إلى الحلول السياسية ولا تكتفي فقط بالحلول الأمنية.
هنا يمكن القول إن إعلان حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك” إنهاء نشاطه العسكري بيد السلطات الإيرانية، ذلك أن التنمية في المحافظات ذات الأغلبية الكردية وعلى رأسها كرمنشاه، هي التي ستجفف منابع الحزب من المقاتلين الأكراد الشبان الأشداء الذين اعتادوا تاريخيا الحياة في أعالي سفوح جبال قنديل، ولذلك يسمون بـ”أصدقاء الجبال” في تلك المنطقة شديدة الوعورة التي لا تستطيع القوات النظامية الوصول إلى شعابها ومدقاتها، وتفقدهم الحاضنة القومية.
وإذا كانت السلطات الإيرانية جادة في ذلك بالفعل؛ فعليها أن توفر الأموال الطائلة التي تنفقها على تمويل النزاعات الإقليمية، وتستثمرها في البنى التحتية والأساسية بالمحافظات الحدودية تلك التي تمثل جيوبا تخبئ نارا من تحت الرماد، وبذلك تتفادى التصعيد العسكري مع الجماعات المسلحة، في شرقي البلاد وغربيها، وتوفر الإنفاق على الترتيبات الأمنية الحدودية التي تكلفها ميزانيات باهظة سنويا.
الأمر الأخير الذي تجدر الإشارة إليه في العلاقات التركية ـ الإيرانية، هو أنه بالرغم من التنسيق رفيع المستوى بين طهران وأنقرة للتصدي للجماعات الكردية المسلحة، إلا أن كلا من الدولتين تستخدمان تلك العناصر كأداة عقابية ضد الدولة الأخرى، وقد فعلت إيران ذلك قبلا، ومولت حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” في العام 2011 وما بعده؛ عقابا للسلطات التركية على مناهضتها حليف طهران في سوريا الرئيس بشار الأسد، ودعمها المعارضة السورية، وهذا أحد تفسيرات بناء تركيا جدارا حدوديا على طول الشريط الفاصل مع إيران؛ لعلمها أن إيران تلجأ إلى تلك السياسة في بعض الأحايين. وهنا تبرز الحكمة السياسية “إن علاقات التحالف أشد تعقيدا من علاقات العداء”.
محسن عوض الله | باحث مشارك بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الكردية
ما يرد دومًا عن أن حزب الحياة الحرة بإيران مقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني يعد خطأ كبير لأن حزب الحياة تابع لحزب العمال، أما عن هذا الهجوم فلم يكن الأول من نوعه رغم كل الخلافات التي تطفو من وقت لآخر بين أنقرة وطهران، فقد تأتي المسألة الكردية لتمثل نقطة التقاء “مؤقتة” يتناسى أمامها الأتراك والإيرانيون خلافاتهم، وهو ما ظهر بقوة إبان فترة الاستفتاء حيث شهدنا أردوغان يزور طهران ورئيس أركان إيران يزور أنقرة لأول مرة، وهذه الحالة تعكس القاعدة الدائمة “الكل يتوحد ضد الكرد والكرد يتفرقون ويختلفون”.
ويأتي بيان حزب الحياة الحرة الكردستاني يوم السبت بتبنيه العملية تعبيرًا عن ذلك حين أعلن عن تبنيه للعملية التي أسقطت عسكريين غربي إيران وذلك في بيان رسمي أصدره لوسائل الإعلام، جاء فيه أن العملية، التي وقعت مساء الجمعة جاءت “ثأرا لدماء 4 كوادر من الحزب اغتالتهم المخابرات الإيرانية داخل إقليم كردستان العراق مؤخرا، من بينهم إقبال مرادي، الذي اغتيل قبل 3 أيام في بلدة بنجوين بمحافظة السليمانية”، مشيراً إلى أن العملية اسفرت عن مقتل 15 عنصراً وجرح 5 آخرين.
وبحسب المصادر، فإن من نفذ العملية هي “وحدات حماية شرق كردستان” الجناح العسكري لحزب “الحياة الحرة الكردستاني” المعروف اختصارا بـ”بيجاك”، وكان الحزب قد هدد قبل عدة أسابيع بأنهم بصدد الانتشار ضمن البلاد وأنهم يستعدون لشن عمليات ضد الجيش الايراني.
والجدير ذكره أن حزب الحياة الحرة الكردستاني يعتبر أحد أقوى الأحزاب الكردستانية في شرقي كردستان ويحارب الدولة الإيرانية منذ نحو 18 عامًا؛ بغية الحصول على الحقوق القومية للشعب الكردي في البلاد.