لبنان الحبيب المنير ينزف دما والفاعل مجهول، ولا أهدف للبحث عنه فهذا أمر في يد السلطات المعنية. ولكن نزيف لبنان يسيس نحو ضرب تنظيم حزب الله، وليس هذا ما يعنيني. فتقسيم الشعوب العربية إلى قسمين قسم داعم لحزب الله كحزب مقاوم ضد المحتل الإسرائيلي وقسم آخر مندد ومعارض بسبب الدعم الإيراني.
ومع الكارثة تأتي الاتهامات والتراشقات التي إذا استمرت متوقع أن تصبح بمثابة حرب أهلية ــ لا قدر الله ــ تمتد آثارها وتداعيتها خارج لبنان، لتصبح حربا بين السنة وبين الشيعة، وتكون مدخلا لجر إيران للساحة.
“
فطريقة تنفيذ الضربة تمت بحرفية لإدانة حزب الله كفاعل أو مقصر أو متسبب أو ..أو… فهي الآلة الاستخباراتية الصهيوأمريكية لكن هذا أيضا لا يعنيني خلال هذا المقال.
“
ما يهمني ذكره هو الفتنة والحرب النفسية والحرب السنية ــ الشيعية، فهل تتذكروا يا سادة كتاب “العودة إلى مكة” لضابط الاستخبارات الإسرائيلي رئيس حزب Bible Bloc إيفي ليبكن الذي ذكر بوقاحة جمة أن إسرائيل ستسيطر على الحرم المكي عبر إشعال فتيل الفتنة بين السنة وبين الشيعة، ليتقاتل المسلمون سنة وشيعة من الشام ومصر والسعودية والخليج وإيران واليمن.
ويظهر المسلمون كمتحاربين دمويين يقتلون بعضهم البعض، ومن ثم لا يصلحون لإدارة الحرم المكي، فلابد من تدويله تحت سيطرة غربية إسرائيلية، ثم بعد فترة هدمه، ومن ثم سيتحول المسلمون إلى التغريب والانفتاح فهدم الكعبة ــ لا قدر الله ــ سيحرر، كما يرى ليبكن، العرب والمسلمين من سيطرة الإسلام الرجعي ــ كما يصفه بكتابه ــ وبعد هدم الحرم يسقط الركن الخامس للإسلام وبالتبعية يسقط الإسلام.
هنا قد يعتقد القارئ أني أهول ما أقوله ولكن:
ــ هل سألت نفسك عن سبب انتشار مقال أحد الأكاديميين السعوديين المنشور بجريدة أخبار إسرائيل، الذي يحمل عنوان “يهود جزيرة العرب واضطهاد محمد لهم”، وتجرئه بوقاحة على نبي الله سيدنا محمد (ص) وعلى الإسلام، وترويجه على وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة في هذا التوقيت.
ــ هل تساءلت لماذا تنشر صفحة “إسرائيل تتحدث بالعربية” صور للكعبة المشرفة بعدد قليل من الحجاج والمصليين ــ كتدبير احترازي في ظل انتشار وباء الكورونا ــ وكأنها تحمل رسالة سعادة بسبب قلة الأعداد هذا العام.
ــ هل سألت نفسك لماذا يتزامن ما يحدث مع تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، ثم بعده ببضعة أيام تعلن الهند تحويل مسجد بابري إلى معبد هندوسي سيفتتحه رئيس وزراء الهند بنفسه، كما فعل أردوغان بنفسه.
“
هل للأمر علاقة؟! بالطبع له علاقة فهي بداية لنزع القدسية عن المقدس وخطوة لإسقاط الدين فاختيار آيا صوفيا الكنيسة المسجلة باليونيسكو والتي زارها باراك أوباما في زيارة تاريخية، ومالها من زخم تاريخي كبير، وتحمل إرثا تاريخيا للإنسانية أمر ليس من قبيل الصدفة أو التهور.
“
كذلك الحال بالنسبة لمسجد بابري الذي يمثل أحد أكبر مساجد الهند الذي يعود للقرن الرابع عشر، الأمر الذي يعد بمثابة حظوة للتجرؤ على نزع القدسية عن المقدسات، التي تتمثل في الإسلام في ثلاثة “الكعبة المشرفة، المسجد النبوي، المسجد الاقصي”.
هنا قد يعترض البعض ويذكر أن تحويل المساجد إلى كنائس أمر كان شائعا في أوروبا، هنا سأوافق الرأي ولكن متي تم ذلك وفي أية حقبة. هذا الفعل تم منذ آلاف السنوات حيث سطر التاريخ تغير في حقب استعمارية جديدة، فهل تكرار الأمر الآن هو بداية لحقبة استعمارية جديدة؟ ولماذا الآن ولماذا اختيار دور عبادة بهذا الحجم والرمزية.. هل هي مصادفة؟!
سأكرر احذروا الفتنة فهى المطلوبة الآن كسلاح لغزو الشعوب العربية وتفتيتها، كما ذكر مركز راند عام 2017 الذي يحمل عنوان “مستقبل الصراع السني ـ الشيعي” لنصل عام 2027 لسقوط للدول القومية ومطالبة كل قرية بالانفصال. ومع الأسف ألاحظ أن جذور الفتنة كانت مشتعلة قبل اشتعال بيروت فأذكر بعضها:
الفتنة بين الكويتيين وبين المصريين لأسباب واهية.
الفتنة بتخوين الرئيس السادات من قبل بعض القوميين السوريين والأردنيين.
الفتنة بين بعض الرموز الخليجية وبين الشعوب العربية الأخرى.
الفتنة بسبب الدور القطري الداعم للجماعات الإرهابية وخاصة جماعة الإخوان.
الفتنة بين الليبيين وبين بعضهم البعض.
الفتنة بتشويه صورة حفتر وانقسام الشارع العربي حوله عبر ادعاء إسرائيل ظاهريا دعمها له ليفقد ظهيره العربي.
الفتنة بين السودانيين وبين المصريين خاصة حول سد النهضة على الرغم من أن المصلحة واحدة.
الفتنة بين اليمنيين وبين بعضهم البعض وبين السوريين وبين بعضهم البعض واستمرار النزيف المستمر لأكثر من عشرة أعوام.
… و…
احذروا الفتنة فالشعوب العربية هي التي ستحدد مستقبل الدول. فإسرائيل تسعى جاهدة لبث الفتنة عبر نظرية “فرق تسد” وتذكروا استراتيجية إسرائيل في دعم الأقليات العربية، وملفات تقرير المصير بكردستان وبجنوب السودان، والكتاب الصادر عن الموساد الإسرائيلي عام 2015 “نجاح مهمة الموساد في انفصال جنوب السودان” وغيرها.
“
تذكروا أن إسرائيل حتى بتوقيعها اتفاقيات السلام كاتفاقية السلام مع مصر فشلت فشلا ذريعا في تطبيع العلاقات مع الشعب المصري والشعوب العربية الأخرى، ولن تنجح وكل يوم تحصد عداء الشعوب بسبب سياساتها الاستعمارية الدموية في المنطقة.
“
انبذوا الفتنة وتجمعوا حول المشترك وانظروا للمستقبل فبلادنا على المحك، وعلى سطح صفيح ساخن، كفوا عن قذف الأوطان العربية والإسلامية وتبادل الاتهامات، فكروا في بناء الدول ومجابهة المخططات التدميرية للمنطقة العربية.
لا تخوّن لا تكفّر لا تعطي العصمة لأحد، ولكن انتقد بموضوعية ولتكن وجهتك المصلحة القومية العربية، واعلم أن سقوط دولة سيكون سقوط لبقية الدول، فالأفعى الصهيونية المدعومة أمريكيا تستهدفنا جميعا فهذه هي صفقة القرن بوضوح.