بعد مرور خمس سنوات على توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة بين جمهورية إيران ودول (5 + 1) والتي تعرف اختصارا بـ”الاتفاق النووي”، والتي تم التوصل إليها نهايئا في منتصف يوليو من العام 1015، تتجدد علامات الاستفهام: هل حققت إيران نصرا سياسيا واقتصاديا من خلال هذا الاتفاق؟ وما هي المراحل التي مر بها؟ وما النتيجة النهائية للاتفاق؟ وكيف مثّل صعود الرئيس الجمهوري دونال ترامب نقطة تحول في مكاسب إيران من صفقتها مع العالم؟
هذا ما ستحاول السطور التالية الإجابة عنه.
دور روحاني في الاتفاق النووى
تولى الرئيس حسن روحاني السلطة في إيران رسميا يوم 3 أغسطس عام 2013م، وفور تقلده المنصب الرفيع حاول الوفاء ببرنامجه الانتخابي الذي كان قائما على تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية للبلاد ومعالجة العجز الرهيب في الموازنة مع يقينه بأن ذلك لن يتأتى إلا من خلال الانفتاح على الغرب ومحاولة رفع العقوبات التي كانت مفروضة منذ العام 1998 على أغلب القطاعات الاقتصادية للبلاد.
“
بالفعل لعبت السياسات الروحانية الخارجية في الشهور الأولى من دورته الرئاسية الأولى دورا كبيرا في تغيير معادلات العلاقات الإيرانية ـ الدولية على سبيل العموم، والعلاقات الإيرانية ـ الأمريكية بوجه خاص، فبعد توليه السلطة باثني عشر يوما أصدر روحاني قرارين مفصليين في سياسات إيران الخارجية.
“
وهما:
أولا: تعيين محمد جواد ظريف، ممثل إيران الأسبق لدى الأمم المتحدة، والرجل وثيق الصلة بالإدارات الأمريكية، والذى تلقى تعليمه في جامعتى ولاية سان فرانسيسكو ودنفر الأمريكيتين إبان حرب الخليج الأولى، وزيرا للخارجية خلفا للوزير (المحافظ) على أكبر صالحي.
ثانيا: سحب ملف التفاوض النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانى الذى يقوده (المحافظ) سعيد جليلي وأسند الملف برمته إلى جواد ظريف.
وكان لهذين القرارين أكبر الأثر في تغيير شكل العلاقات الإيرانية ـ الخارجية، خاصة بالقوى الكبرى، فقد نقلت وكالات الأنباء عن جون ليمبرت، نائب سابق لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون إيران قوله: “عندما بدأ ظريف وفريقه المفاوضات في 2013 تغيرت الأجواء فى الغرفة تماما”.
مراحل الاتفاق النووى
تم التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) فى الرابع عشر من يوليو بالعام 2015م، بمدينة جنيف السويسرية، لكن هذه الخطوة لم تكن الأولى فقد سبق هذا التوقيع توقيعين آخرين تما على مرحلتين جوهريتين هما اللتين أوصلتا الاتفاق إلى الشكل الذي نراه الآن.
“
جاءت المرحلة الأولى للاتفاق في وقت باكر جدا من فجر الرابع والعشرين من نوفمبر بالعام 2013م، بمدينة جنيف السويسرية، أي بعد أقل من 4 أشهر على حكم الرئيس روحاني ما يعني نجاحه في الحصول على اختراق في الدبلوماسية الدولية.
“
وفي تلك المرحلة وافقت إيران على التخلى عن أجزاء من خطتها النووية مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها، ويشار إلى هذا الاتفاق بـ”اتفاق جنيف الابتدائى الخاص بالبرنامج النووى الإيراني”.
أما المرحلة الثانية والحاسمة فتمت في مدينة لوزان السويسرية أيضا، يوم 2 إبريل بالعام 2015 وحملت عنوانا تاريخيا “خطة إطار العمل حول البرنامج النووي الإيراني” ومن خلالها وقع وزراء الخارجية الأمريكي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف والبريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك والتر شتاين ماير والفرنسي لوران فابيوس ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فدريكا موجريني ومساعد الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف ونظيره الصيني، اتفاقا إطاريا بهدف التوصل إلى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام.
ماذا حققت إيران من الاتفاق؟
من المؤكد أن إيران حققت عددا بالغا من المكاسب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بعد توقيع هذا الاتفاق، والأكثر تأكيدا أن الاتفاق تجاوز المسائل النووية المعقدة إلى تسويات سياسية وأمنية أوسع أتاحت من خلالها إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما للإدارة الإيرانية هامشا واسعا من العمل في الإقليم بمظلة أمريكية في ضوء ترتيبات أوباما للانسحاب من المنطقة والتوجه إلى مواجهة الصين في أعالي بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
“
كانت إدارة الرئيس أوباما، ووزير خارجيتها جون كيري، في ضوء ما يعرف بـ”الدبلوماسية المثمرة”، تريد أن تعيد إيران شرطيا أمريكيا في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، كما كانت فى عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وأن تتولى أمن حركة الملاحة وانتقال النفط من الخليج إلى أوروبا.
“
غير أن انتقال السلطة بالبيت الأبيض فى يناير 2017 كان له وقع آخر.
وفي 16 يناير من العام 2016 دخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ وهرولت الشركات التجارية الأوروبية العملاقة على إيران وأبرمت معها عشرات الصفقات التجارية كان آخرها وأضخمها صفقة تطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي الذى تم منح امتيازه إلى شركة توتال الفرنسية بقيمة 4,8 مليار دولار.
ترامب والاتفاق النووى
توقع الرئيس حسن روحاني الحصول على استثمارات أجنبية مباشرة بما قيمته 50 مليار دولار غير أن تلك الاستثمارات، وفقا لتقارير دولية، لم تتخط 3,4 مليار دولار فى 2016، وهو رقم أقل بكثير قطعا من الرقم الذي كان يلوح في أفق روحاني، فما الذي حدث؟!
الذي حدث أن الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب أبدى رأيا مناقضا تماما لرأي أوباما حول التسوية مع إيران، وفي 8 مايو 2018 ألغى الاتفاق ـ كما تعهد فى حملته الانتخابية ـ ومارس عددا من الإجراءات العقابية ضد إيران، على خلفية برنامجها الصاروخي البالستي ودعم الانقلاب الحوثي فى اليمن وغيرها من الأمور، وهي سياسات أدت بطبيعة الحال إلى تحجيم جبري لانخراط طهران الذي كان مأمولا فى الاقتصاد العالمي، ومنها مثلا توقيع عقوبات على الإدارة الإيرانية والحجز على عقارات مملوكة للحكومة تقدر بما قيمته من 500 مليون دولار إلى مليار دولار في نيويورك فقط.
هذا إلى جانب تكوينه علاقات وطيدة بدول الخليج العربي وتوقيع البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامية ـ الأمريكية ـ العربية، ذلك الذى نص على اعتبار إيران دولة راعية وممولة للإرهاب، وهو خصم رهيب من رصيد إيران الاستراتيجي الذي حصّلته إبّان علاقتها بإدارة الرئيس أوباما.
“
أما إيران فردت من جانبها بأربع خطوات قلصت فيها من التزاماتها إزاء الاتفاق النووي، بدأت هذه الخطوات في مايو من العام 2019 بموجب خطوة كل شهرين حتى انتهت في نوفمبر 2019 إلى تفريغ الاتفاق من محتواه، وواصلت العمل في تطوير قدراتها النووية وحرصت على أن ترسخ تموضعها في الملفات الإقليمية خاصة في العراق وسوريا واليمن.
“
عليه فإن مجمل الوضع بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق النووي يبنئ بأن النتائج الإيرانية المرغوبة لم تتحقق، وما يزال الرئيس روحاني يعاني من مشاكل هيكلية فى إدارة قطاعات اقتصاد بلاده الحساسة، وفقا لتقارير البنك الدولي المتتالية؛ ولذلك ـ ولأسباب أخرى ـ اضطر مرتين إلى رفع الدعم عن الطاقة، ورفع أسعار السلع الغذائية، وما تزال بلاده تعانى من مستوى مرتفع من البطالة، ونسب عالية من التضخم، أدت إلى اصطدامه بالمجتمع في أكثر من مناسبة آخرها انتفاضة البنزين نوفمبر 2019 وما لحقها من مظاهرات كان آخرها ما شهدته بعض المحافظات الإيرانية يوليو 2020 احتجاجا على إعدام بعض متظاهري تلك الانتفاضة.