أشار الرد الإيراني الأخير على إسرائيل بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بقصف صاروخي مكثف في عمق الأراضي المحتلة إلى مستوى كبير من التوتر بين طهران وتل أبيب، خاصة بعدما غامرت الأخيرة بانتهاك سيادة إيران باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وكذا اغتيال عدد من قيادات الحرس الثوري في سوريا، وهو ما أجج التصريحات الإيرانية التي اعتبرت أن الهجمات الصاروخية الإيرانية بمثابة صفعة أولى لتصفية الحسابات بين الجانبين، وتعهدوا بالرد على أي هجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية، واستعدادها للدفاع عن بنيتها التحتية الحساسة.
وتعكس تلك التوجهات في الخطاب السياسي الإيراني تغيرًا مفاجئًا في موقف طهران، بعدما انتهجت سياسة الصبر الاستراتيجي، إلا أن التهديدات الإسرائيلية باستهداف المشروع النووي الإيراني كانت السبب في هذا التحول المفاجئ لإيران، التي لا تزال تهدد برد إذا ردت إسرائيل.
مآلات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران
تستهدف إسرائيل من تصعيدها ضد إيران منعها من تطوير قدرات نووية تهدد وجودها في المنطقة، ولهذا يُرجح أن تستهدف إسرائيل عدة أهداف إيرانية لإضعافها تكنيكيًا واستراتيجيًا، وقد تأتي تلك الاستهدافات على مستويات عدة وهي:
المستوى الأول استهداف المنشآت النووية الإيرانية: كمنشأة نطنز وهي المنشأة الأكبر في تخصيب اليورانيوم، والتي تحتوي على أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات مختلفة، ويمكن استخدامها في إنتاج الوقود النووي أو الأسلحة النووية، ومنشآة فوردو المحصنة تحت الأرض، ويعتبر استهدافها الأكثر تعقيدًا، إذ تمثل نقطة مهمة لقدرة إيران على تخصيب اليورانيوم في ظروف أمان نسبي ضد أي هجوم خارجي.
فضلًا عن مفاعل أراك للماء الثقيل، ويستخدم لإنتاج البلوتونيوم، والذي يعتبر بديلًا عن اليورانيوم في تصنيع الأسلحة النووية، بالإضافة إلى منشأة أصفهان، والتي تستخدم لتحويل اليورانيوم الخام إلى غاز اليورانيوم (UF6) المستخدم في عملية التخصيب.
وتعد تلك المنشآت هى الأهداف الأكثر وضوحًا والأهم، واستهدافها يعطل أو يؤخر تقدم البرنامج النووي الإيراني.
المستوى الثاني استهداف المنشآت العسكرية: من الممكن أن تستهدف إسرائيل القطاعات العسكرية الإيرانية، ولاسيما قواعد الصواريخ الباليستية ومراكز القيادة ومواقع الوكلاء الإقليميين لإيران في لبنان واليمن والعراق وسوريا.
المستوى الثالث المنشآت النفطية: قد تشمل الأهداف البنية التحتية النفطية، حيث يعتبر النفط أحد الأصول الاستراتيجية لإيران، إلا أن استهداف المنشآت النفطية الإيرانية قد يكون أقل احتمالًا، لأنه قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير وهذا بلاشك سيؤثر على الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن تختار إسرائيل مزيجًا من هذه الأهداف، إلا أن التركيز الرئيس سيكون على المنشآت النووية والعسكرية لضمان تحييد التهديد المباشر، خاصة وأن المنشآت النووية تمثل قلب البرنامج النووي الإيراني.
سيناريوهات ما بعد الهجوم الإسرائيلي
قد ينجم عن الهجوم الإسرائيلي المرتقب على إيران تصعيد يؤدي إلى رد فعل إيراني قوي، سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء الإقليميين مثل حزب الله في لبنان أو المليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا واليمن. هذا التصعيد يمكن أن يشعل صراعًا إقليميًا أكبر في منطقة الخليج، وقد يمتد ليشمل عمليات إيرانية أو إسرائيلية في مناطق أخرى خارج جغرافيا كلا البلدين.
كما يمكن أن نشهد نمطًا آخر من التصعيد المحسوب كما يجري حاليًا، حيث تقوم كلًا من إسرائيل وإيران بضربات محدودة وموجهة دون أن تتحول إلى حرب شاملة. وقد يظل التصعيد في نطاق الضربات الجوية والهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيالات.
وبقاء التصعيد في نطاق الضربات الجوية والهجمات السيبرانية وعمليات الاغتيالات يصعب من مواقف القوى الدولية والإقليمية كالولايات المتحدة وروسيا والصين من جهة ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى، والذين يحاولون بقدر الإمكان احتواء التوترات للحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
في المقابل يتوقع بعض المراقبين الدوليين أن إيران قد تستغل الضربة الإسرائيلية كذريعة تهديد لإغلاق مضيق هرمز، فلطالما هددت بإغلاق المضيق، الذي يمر من خلاله جزء كبير من صادرات النفط العالمية، كجزء من الرد على أي تصعيد أو هجوم مباشر، ولكن في ظل الظروف الاقتصادية الإيرانية المتدهورة، والتي تعتمد على تصدير النفط، فإن إغلاق المضيق قد يعزل إيران اقتصاديًا أكثر إلى جانب العقوبات الأمريكية، كما قد يؤدي إلى تدخل دولي قوي خصوصًا من الولايات المتحدة التي تعتبر حرية الملاحة في المضيق مصلحة إستراتيجية.
خاتمة
يمكن القول إن إغلاق المضيق سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما قد يدفع دولًا كالصين وروسيا، اللتان تعتمدان على استقرار أسعار النفط إلى التدخل. ولذلك فإن أي محاولة إيرانية لإغلاق المضيق قد تؤدي إلى رد رادع للسلوك الإيراني المعادي، ومع ذلك فإنه من المتوقع أن يكون اعتماد إيران على هذا الخيار مستبعد في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، لأنه سينعكس بشكل سلبي على الوضع الاقتصادي المتدهور داخليًا.
ولهذا فإن أي هجوم إسرائيلي على إيران لن يكون خطوة بسيطة، كما أن طبيعة الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي “الوعد الصادق 2” ستحدد العواقب الإستراتيجية، والتي قد تمتد إلى ما هو أبعد من ضربات محددة الهدف، مع احتمالية التدخل الدولي للحيلولة دون اندلاع حرب شاملة في المنطقة.