في ظل تصاعد أزمات القطاعات الحكومية في إيران على وقع العقوبات الأمريكية أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عن حاجتها لزيادة ميزانيتها، وطالبت الحكومة ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بإمداد الهيئة بالمال اللازم، لكن نتيجة الأزمة الاقتصادية لم تتلق ردا إيجابيا، فما كان من الهيئة إلا زيادة الإعلانات التجارية من نوعية إعلانات الدش وأطباق الطعام والأحذية، وهو ما أثار أزمة رأي عام في أوساط مجتمعية متعددة.
رسالة إلى حجة الإسلام
في خضم تلك الأحداث انتقد حسام الدين آشنا – السياسي الإيراني والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية – في رسالته لحجة الإسلام والمسلمين غلام حسين محسني إيجائي رئيس مجلس الرقابة على هيئة الإذاعة والتلفزيون، نوعية الإعلانات التجارية التي تعرض فى مختلف القنوات التلفزيونية بكثرة.
فمن وجهة نظره أن حجم الإعلانات وتكرارها المستمر يفرض على الجمهور شراء تلك المنتجات، في حين أن الهيئة قد تكون غير مدركة لجودة وفعالية المنتجات المعلن عنها، هذا إلى جانب وجود أبعاد وتأثيرات ثقافية للإعلانات التجارية، مشيرًا إلى أن الحجم الهائل لإعلانات المنتجات من الممكن أن يعزز النزعة الاستهلاكية.
واختتم رسالته طالبًا من خبراء المجلس مطالبة الهيئة بإعداد تقرير عن الرؤية الاقتصادية ومسؤوليتها عن جودة المنتجات المعلنة، بالإضافة للتأثيرات الثقافية عند عرض طريقة الشراء (للشراء مباشرة الرجاء إرسال رسالة نصية قصيرة) وإرسال كل هذه المعلومات إلى المجلس.
ونتيجة انتقادات مجلس الرقابة كتبت صحيفة كيهان أن الميزانية تخصص ٢٠٠ ألف مليار تومان إيرادات من أجل الإعلانات، إذا لماذا تمت زيادة إعلانات الدش وأطباق الطعام؟!
موقف طريف لمحمود أحمدي نجاد
من جانبه كتب محمد حسين رنجبران مدير العلاقات العامة بالتلفزيون الإيراني على صفحته بموقع التغريدات المصغرة “تويتر” ردًا على هجوم حسام الدين آشنا: “كل ما نقوله لماذا؟! لماذا لا يقال إننا لا نملك المال وإن الحق معنا؟!”.
للسخرية يذكر أن محمود أحمدي نجاد يومًا ذهب إلى لقاء تلفزيوني – بعد ارتفاع أسعار السيارات إلى ٢٠ مليون تومان إذ تضاعف سعر السيارة بسبب زيادة سعر الحديد وزيادة أسعار المعدات التكنولوجية اللازمة للتصنيع – قائلًا: السيارة كم كيلو حتى تصبح بهذا السعر؟! هذا أصبح الآن حال نقاد الإذاعة والتلفزيون مع مدراء صحيفة جام جم.
في تلك الأثناء كان من المتوقع أن تكون ميزانية ٢٠١٩ المخصصة للإذاعة والتلفزيون مقدرة بقيمة ١٣٠٠ ألف مليار تومان وهذه التكلفة تم تأمينها مباشرة من الميزانية العامة للدولة، أو تكلفة أعلى منها أو نصف هذا الرقم وفقًا للمؤشرات الموثقة.
ففي الشهور الأخيرة ورغم ازدياد ضغط مجلس الرقابة على هيئة الإذاعة والتلفزيون، لم يعلنوا عن أي وثيقة مالية واضحة حول إيراداتهم ونفقاتهم، لكنهم فقط يؤكدون للشعب صعوبة توفير التكاليف.
عبء مالي بسبب العقوبات
قبل ذلك أشار حسن قاضي زاده هاشمي المراقب بالهيئة البرلمانية فى مجلس الرقابة على وسائل الإعلام المحلي إلى العبء الثقيل الذي يتحمله إذ إن موظفي وسائل الإعلام يقدرون بحوالي ٥٠ ألف شخص.
وفى تصريحاته لموقع خبر أنلاين قال: “إن الأصدقاء بوسائل الإعلام ذكروا نتيجة الركود الاقتصادي، أنه لم يعد هناك إمكانية لجذب الحجم الكافي للعائدات من الإعلانات، لذا هم مجبرون على الانخراط في المشاركة الترويجية للإعلانات، لكن أولًا نحن لن نقبل عدم جذب الإعلانات، وبالرغم من هذا فإنه بالنسبة لنا لا توجد شفافية من قبل الهيئة”.
وتساءل المسؤول الإيراني: كيف يمكن لهذه المشاركات أن تكون سببًا لجذب الإعلانات؟ ولماذا لا يتم إيداعها فى حساب الخزينة؟
واستدرك قائلا: “نحن لن نقبل أن يأخذوا كل هذه الإيرادات من المشاركات الترويجية للإعلانات ومن المؤسسات الحكومية ومن المشتغلين بالقطاع الخاص ولا يتم إيداعها في حساب الخزينة فلابد من معرفة السبب. فنحن نعتقد أن هذه الإيرادات تقدر بأكثر من ٢٢٠٠ مليار تومان ولكن لا نستطيع أن نجزم القول الآن حول هذا الأمر”.
ومنذ عدة أيام شارك مهدوي مهر نائب المدير التجاري للتلفزيون ومير باقري في جلسة مجلس الرقابة، وكانت نتائج الجلسة مرنة لكن الانتقادات ظلت قائمة، وأكد حسام الدين آشنا أن أساس تلك الانتقادات هو عدم الشفافية والوضوح، إذ إن توفير ٢٠٠ مليار تومان يعد أمرا صعبًا للغاية.
شفافية وسائل الإعلام المفقودة
يأتي هذا فى حين اتساع مجال الانتقاد لوسائل الإعلام المحلي لأنها لا تلتزم بالشفافية في الإعلان عن إيراداتها وحجم نفقاتها ولا يتم إيداع تلك الإيرادات فى الخزينة، بالإضافة أن لا أحد يعلم كم المال الذي يجنونه. أضف إلى هذا إعلانات المنتجات التكنولوجيا، إذ إن تصنيع التكنولوجيا يكلف ٢٠٠ مليون يورو من أجل صناعة عالية الجودة، وتلك الإعلانات أعادت الجمهور للتلفزيون.
هنا يثور السؤال: لماذا تعاني وسائل الإعلام المحلي من دخل قليل؟! الحقيقة لا توجد إجابة عن هذا السؤال حتي الآن، فمن رأي قاضي هاشمي زاده أن هذه الإمكانيات من المفترض أن تدر عليهم ٣٥٠٠ مليار تومان.
وهو ما جعله يتساءل عن مقدار المال الذي يكسبونه والذي ينفقونه؟ ومع هذا كله لا توجد لديهم أي شفافية في الإفصاح عن الحقيقة. فقط يطالبون الحكومة بالمساعدات. فاستراتيجيتهم هي التصريح الدائم بعدم وجود المال!
لكن السؤال الآن ـ وفقا لهاشمي ـ هل سيكونون يومًا أصحاب شفافية؟! جواب هذا السؤال غير معروف. فحتى لو صرح رنجبران على تويتر أنه لا يوجد مال، فالإنتاج المحلي في حالة ركود بسبب العقوبات، لهذا لا توجد طريقة أخرى سوى إعلانات الدش وأطباق الطعام!