تستعد السلطات الإيرانية لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على قطاعي الطاقة والبنوك، ما يجعلها على بعد 10 أيام من أكبر أزمة حقيقية في تاريخ النظام الحالي، في ظل العزم الأمريكي على تقويض ذلك النظام من خلال حرمانه من تصدير النفط الخام، إذ تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على استراتيجية قد تؤدي إلى أن تصل إيرادات إيران من صادرات النفط إلى «صفر»، وهو ما يرجح حدوث كارثة محققة، إذ يمثل قطاع النفط الإيراني ما يزيد عن 70% من حجم الموازنة العامة للدولة، لذا فإعلان الولايات المتحدة الامريكية في الرابع من نوفمبر المقبل فرض الحزمة الثانية من تلك العقوبات يعتبر ضوءًا أخضر لبداية العد التنازلي في سيرورة انهيار النظام. ومع ذلك يبدو أن إيراتن لديها استراتيجية تعمل على إتمامها في الأيام المتبقية بخصوص بيع النفط.
وقبل نحو شهر أفادت وكالات الأنباء أن ناقلات تحمل مكثفات إيرانية، وهي نوع من الخام الخفيف جدا، قبالة الإمارات العربية المتحدة مع انخفاض الطلب على النفط قبل العقوبات الأمريكية. كما وأفادت عدة مصادر بالقطاع وبيانات ملاحية أن الناقلتين، اللتين تحملان معا نحو 2.4 مليون برميل من مكثفات بارس الجنوبي، تقفان قبالة السواحل الإماراتية منذ أغسطس بعدما أوقفت كوريا الجنوبية وارداتها من إيران بينما انخفض الطلب الصيني خلال الصيف، وفقا لرويترز.
التخلص السريع
على خلفية هذا بدأت طهران قبل أيام قليلة من توقيع الحزمة الثانية من العقوبات في التخلص السريع من النفط من خلال نقله إلى الصين على ظهر ناقلات النفط الإيرانية إلى ميناء «داليان»، حيث تم تحميل أكثر من 20 مليون برميل من النفط إلى هناك خوفًا من تطبيق العقوبات، على اعتبار أنه سيكون من شبه المستحيل أن تبيع إيران برميلًا واحدًا من النفط بعد الرابع من نوفمبر المقبل.
واختارت السلطات الإيرانية ميناء «داليان» الصيني بالتحديد لعدة أسباب هي:
1- تعد الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني بواقع 600 ألف برميل نفط يوميًا.
2- سبق للصين أن طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية استثناء بكين – ولو مؤقتًا – من العقوبات حتى تستطيع الحصول على كمية مناسبة من النفط أو إيجاد بديل.
3- سبق لإيران أن خزنت النفط في «داليان» خلال الجولة السابقة من العقوبات في 2014، حيث جرى بيعه لاحقا إلى مشتريين في كوريا الجنوبية والهند.
4- يضم ميناء «داليان» بعض أكبر مصافي التكرير ومنشآت تخزين النفط التجارية في الصين.
5- ميناء «داليان» هو الميناء الوحيد الذي تستطيع خلاله طهران تفريغ الشحنات النفطية داخل صهاريج بدون أية رسوم، ما يمنح مالكي الشحنة خيار بيع النفط داخل الصين أو إلى مشتريين آخرين في المنطقة.
كما سارعت طهران إلى تصدير شحنات كبيرة من النفط إلى تركيا، التي سبق أن أعلنت دعمها للنظام الإيراني في مواجهة العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، عقب انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث ارتفع معدل واردات تركيا من النفط الخام الإيراني في شهر يوليو الماضي بنسبة 201%، مقارنة مع شهر يونيو، ومن المتوقع أن يزيد الطلب التركي على النفط الإيراني خلال الأسبوع الجاري وقبل تطبيق الحزمة الثانية، مع العلم أن تركيا رفضت الامتثال للعقوبات الأمريكية.
وبحسب معطيات هيئة تنظيم أسواق الطاقة التركية، فقد وصل حجم واردات تركيا من النفط الخام في يوليو إلى 867 ألفا و269 طنا، مقتربا بذلك من المتوسط الشهري لوارداتها العام الماضي، إذ بلغت 957 ألف طن، فقد تراجعت واردات تركيا من النفط الإيراني في يونيو الماضي بنسبة 69% مقارنة بشهر مايو.
اللاعب الهندي
تعد الهند ثاني دولة من أهم الدول المستوردة للنفط الإيراني بواقع 450 ألف برميل نفط يوميًا، وقد وجدت صعوبة بالغة في الحصول على تلك الحصة من مورد آخر، وطالبت الولايات المتحدة – على غرار الطلب الصيني – باستثنائها مؤقتًا من العقوبات.
غير أن الهند لجأت قبل توقيع الحزمة الثانية من العقوبات إلى السماح لشركات التكرير الحكومية باستيراد النفط الإيراني على أن توفر طهران الناقلات وخدمات التأمين، وهو ما يمثل خسارة كبيرة لإيران.
من المتعارف عليه أن تقوم الدول المستوردة بتوفير ناقلات النفط والتعامل مع شركات التأمين، بالإضافة إلى أن غالبية شركات التأمين أوقفت تعاملاتها مع طهران خوفًا من العقوبات، ما يزيد من نسبة المخاطر التي قد تتعرض لها ناقلات النفط في البحار.
وكانت شركات من بينها شركة الشحن الهندية «إس. سي. أي»، أكبر شركة شحن بحري في البلاد، أوقفت الرحلات إلى إيران بسبب العقوبات الأمريكية، بحيث تتناغم محاولة نيودلهي الحفاظ على تدفقات النفط الإيراني مع خطوة اتخذتها الصين، إذ تحول جميع مشتريي الخام الإيراني تقريبا إلى استخدام سفن مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية لشحنه إليهم.
خاتمة
تدخل إيران في الرابع من نوفمبر المقبل مرحلة جديدة من العقوبات التي قد تفضي إلى انهيار ذلك النظام، فضلًا عن أزمات داخلية طاحنة تتمثل في زيادة معدل البطالة وانخفاض القدرة الشرائية للعمال بنسبة 90%، إلى جانب تدني سعر العملة المحلية التي وصلت إلى أدنى مستوى لها في التاريخ.
ومع الأخذ في الاعتبار أن معدل شحنات النفط الإيرانية بلغ خلال شهر سبتمبر الماضي 1.5 مليون برميل يوميا فقط، وفقا لبرنامج التحميل الأولي، مقارنة بحوالي 2.8 مليون برميل يوميا من صادرات النفط قبل مايو وقبل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، فإن الأزمة سيكون لها تداعيات كارثية على المجتمع والنظام في البلاد.
وبحلول الرابع من نوفمبر وبعد أن يصل حجم الصادرات الإيرانية من النفط إلى النقطة صفر – طبقًا للرؤية الأمريكية – فإن النظام الإيراني سيواجه مشاكل لا حصر لها، ما لم يقبل بالحل الأمريكي الذي يقضي بإعادة التفاوض على الاتفاق النووي من جديد، وإدراج خطة جديدة لتقويض البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني، فضلَا عن تقويض الدعم الإيراني لأذرع طهران في الشرق الأوسط لاسيما ميليشيا الحوثي وحزب الله.