لا يخلو أي محفل دولي من التنديد والإدانة لإيران على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد نظرا لما يعانيه المواطن من انتهاكات مخالفة للمواثيق والاتفاقيات الدولية والتي تحث على المحافظة على حق الإنسان في حرية سياسية واجتماعية ودينية، إلا إن إيران تعيش حالة من التردي في مجال حقوق الإنسان وهدر كرامته، ولم تقتصر الانتهاكات على الإعدامات والقتل السياسى، بل تضم أيضاً ملاحقة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، والاعتقالات والتعذيب داخل السجون، وقمع التحركات الطلابية، واضطهاد الأقليات الدينية والقومية غير الشيعية والفارسية، بالإضافة إلى إعدام صغار السن والأشخاص الذين لم يرتكبوا أعمال عنف، وهو الأمر الذي يحظى بإدانة دولية، مع العلم بأنه صدر عن الأمم المتحدة ما يقرب من 63 قرار إدانة لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران.
أدلة دامغة
تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان تؤكد بالأدلة الدامغة ما يعانيه الشعب الإيراني فيقول أحمد شاهد المقرر الخاص بالأمم المتحدة خلال سنه 2016، إن الأشخاص المطبق بحقهم عقوبة الإعدام في إيران تزايدوا منذ عام 2005 وتجاوزوا الألف في عام 2015، وبلغت حالات الإعدام في 2014 ما يقرب من 753 شخصا، وأن عدد المنفذ بهم الإعدام يبلغ 694 شخصا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2015، كما تشير منظمات إيرانية معارضة في الخارج إلى وجود 120 ألف حالة إعدام سياسي و7 مجازر منذ الثورة الإيرانية، كما تؤكد تقارير دولية أن أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في حق من تقل أعمارهم عن 18 عاما.
وبعد تَوَلِّي حسن روحاني الرِّئاسَة الإيرانيَّة في 2013، حاولت إيران تغيير الصورة الدولية عنها إلا أن الحقيقة هي العكس تماما، فقد واصلت إيران سياسة الإعدامات التي تنتهجها بحَق الأقلِّيَّات العرقيَّة والدينيَّة والأطفال، بذرائع مختلفة، مثل معاداة النِّظَام والفساد في الأرض والاتِّجار بالمخّدرات ونشر الأفكار المتطرفة.
ويصل عدد سكان إيران إلى 73 مليون نسمة، وتحاول السلطات الإيرانية عدم نشر إحصائية رسمية بالتوزيع العرقي؛ بسبب سياستها القائمة على تفضيل العرق الفارسي، لكن تقديرات أمريكية تشير إلى أن الفرس يشكلون 51% والأذريين (أتراك) 24% والجيلاك والمازندرانيين 8% والأكراد 7% والعرب 3%، واللور 2%، والبلوش 2%، والتركمان 2%، وأعراق أخرى 1%.
على رأس الأقليات المضطهدة، الفئة السنية التي لا تعد أقلية دينية تعيش في مجتمع مغاير لها في عرقها، ولكنها أقلية مذهبية تعتنق مذهباً إسلامياً مخالفاً للمذهب الفقهي الذي تتبناه الدولة، وبالرغم من كون السنة يمثلون أكبر أقلية مذهبية في البلاد، إلا أن مستوى تمثيلهم في مجلس الشورى والتشكيل الوزاري لا يتناسب مع نسبتهم العددية.
وربما أكبر مثال على اضطهاد السنة هدم السلطات الإيرانية المسجد الوحيد الخاص بالسنة في طهران بذريعة أنه يعمل بشكل غير قانوني في يوليو 2015، كما هدمت بلدية طهران أجزاء من مسجد في منطقة بونك غربي طهران وهو المسجد الوحيد للسنة بالعاصمة.
كما أن الأحوازيين والبلوش والكرد والآذريين يتعرّضون لانتهاكاتٍ جسيمة، بما في ذلك التشريد القسري، والقتل الجماعي، والتعذيب، والحرمان من الحقّ في التعليم والصحّة والسكن اللائق، بلّ حتى في اختيار أسماء أبنائهم، كما تحرم هذه الشعوب من الحقّ في حرية التعبير والتجمّع السلمي، مع قيام الحكومة بانتظام باحتجاز الصحفيين والمحتجين السلميين ومحاكمتهم بأقسى العقوبات.
سياسة الإعدامات
من أبرز الإعدامات التي نفذتها إيران أواخر 2016، الإعدام الجماعي الذي طال 22 كرديا سنيا بتهمة تنفيذ أعمال إرهابية في إيران وكان من بينهم حسن أميني مدير مدرسة الإمام البخاري للعلوم الدينية في سنندج والمفتى والقاضي الشرعي لهذه المدينة وقد نفذ حكم الإعدام بهما في أغسطس 2016، وقد كشفت مصادر مقربة من أسرتيهما أنهما تعرضا لأبشع أنواع التعذيب قبل إعدامهم.
وأكدت أسرة أحد المعدومين لمركز المدافعين عن حقوق الإنسان بكردستان أنهم رأوا جثمان ابنهم ولاحظوا علية آثار تعذيب فكانت عظام اليد والقدم مكسورة وخارجة عن الجسد وقالت أسرة أخرى إن آثار التعذيب كانت واضحة على أجساد المعدومين إذ كانت عظام أيدى وأرجل عدد منهم مكسورة وخارجة عن الجسد وأغلب المعدومين كانت وجوههم سوداء وبها كدمات ورضوض.
كما أشار التقرير إلى محاولة النظام الإيراني تغيير التركيبة السكانية في إقليم الأحواز العربي فصادرت أراضي البعض وبنت مستوطنات لصالح الوافدين بالإضافة إلى اعتقال 45 ناشطا أحوازيا، علما بأن السلطات الإيرانية لم تسمح إلى الآن بدخول مقرري الأمم المتحدة لمقابلة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
محاصرة النشطاء
وفيما يخص ملاحقة النشطاء نددت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضواً، بانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، ولاسيما قيامها بحملة على النشطاء والصحفيين والمعارضين، واستخدامها المتزايد لعقوبة الإعدام، وفي ديسمبر 2015 قالت منظمة الخط الأمامي الحقوقية في تقريرها إن المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران يتعرضون لتهديدات بالقتل وأفعال المضايقة والاعتقال التعسفي والمضايقة القضائية وتشويه السمعة والهجمات العنيفة وإساءة المعاملة والتعذيب والقتل.
وكانت آخر حالات القبض على ناشطين هي اعتقال نسرين ستوده المحامية البارزة والناشطة في مجال حقوق الإنسان في يونيو الماضي ما أثار استياء المدافعين عن حقوق الإنسان، وكانت ستوده رفضت بنود قانون الإجراءات الجنائية في إيران لعام 2015، كما دافعت في الفترة الأخيرة عن نرجس حسيني التي تمت محاكمتها بتهمة الاحتجاج السلمي ضد ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران.
وأصدرت المنظمة الدولية المدافعة عن حقوق المراسلين والصحافيين “مراسلون بلا حدود” في يوليو 2013، بياناً طالبت فيه المجتمع الدولي، باتخاذ إجراءات حاسمة لتأمين أمن وحرية الصحفيين الإيرانيين الذين يتلقون التهديدات المتكررة من قبل السلطات الأمنية الإيرانية في الداخل والخارج، كما يعانى عدد من الصحفيين الإيرانيين في السجون الإيرانية ومنهم محمد جراجي، وفريبا بجوه.
الصحفيون والنساء والأطفال
ووجهت السلطات الإيرانية خلال 2013 أكثر من 70 تهديداً للصحفيين والمدونين في خارج إيران خلال 6 أشهر الأولى من العام 2013، بغية الضغط عليهم ومنعهم من الاستمرار في ممارسة عملهم الإعلامي الحر، كما تتعرض عائلات الصحفيين في إيران إلى مضايقات عدة من قبل السلطات الأمنية، منها إرسال مكالمات هاتفية ورسائل نصية تهددهم وتطلب منهم وقف نشاط أبنائهم في الخارج.
ومن اللافت أن السلطات الإيرانية أعدمت 75 طفلا بين عامَي 2005 و2015 منهم 13 طفلا عام 2015 فقط، وفقا لمنظمة العفو الدولية، وكشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها أنه تم الحكم بإعدام قرابة 160 مراهقا سنهم دون الثامنة عشرة كما أعربت المنظمة عن قلقها جراء تزايد حالات إعدام المراهقين في إيران.
وفي النصف الأول من العام الماضي أصدرت، عاصمة جهانغيري، مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرا يفيد بأن الانتهاكات لا تزال مستمرة كما تزايدت الإعدامات وانتهاكات حقوق الأقليات الدينية في إيران، وكذلك الضغوط الأمنية ضد نشطاء حقوق الإنسان، فقد نفذ القضاء الإيراني أربع حالات إعدام ضد أطفال خلال العام الحالي كما تنوي الحكومة الإيرانية تنفيذ الإعدام بحق 86 طفلا دون الثامنة عشرة عاما، وعن الصحفيين فقد تم اعتقال 12 صحفيا و14 ناشطا في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الستة أشهر الأولى من عام 2017.
أضف إلى ذلك عدد آخر من العقوبات التي تعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان كحرمان السجناء خاصة السياسيين من الرعاية الطبية ويعيش السجناء في ظروف احتجاز قاسية ولا إنسانية، من بينها الاكتظاظ، والماء الساخن المحدود، والتغذية غير الكافية، وعدم كفاية الأسرّة، وضعف التهوية وانتشار الحشرات، كما واجه عشرات الأشخاص ومن بينهم أطفال جلدا وصل إلى 100 جلدة، بالإضافة إلى عشرات من الأحكام بالبتر والعمي.
بالطبع لم تسلم المرأة الإيرانية من إهدار حقها فقد انتشر العنف ضد المرأة على نطاق واسع بإيران بما في ذلك العنف العائلي والزواج المبكر والقسري، وازداد العنف ضد المرأة الإيرانية خاصة مع اندلاع الاحتجاجات في المدن الإيرانية ورفض المرأة الإيرانية فرض الحجاب ما تسبب في اعتقال عدد كبير من النساء.
وكشفت صحيفة وقايع اتفاقية الإيرانية، في تقريرها بشأن العنف ضد المرأة الإيرانية، أنه تحدث حالة عنف ضدها كل 9 ثوان وأن 19,9% من العنف المنزلي في العاصمة طهران الذي يقع على المرأة، هو عنف جسدي.
على كل حال يبدو أن إيران ما تزال أمام شوط كبير لم تقطعه بعد في مجال حقوق الإنسان، خاصة أن هذا الملف يعد بالنسبة لها نقطة ضعف هيكلية تماما كـ”كعب أخيل”، يساعد المناكفين الدوليين ـ على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ـ على النيل بسهولة من النظام على خلفية سمعته الدولية الذائعة غير الحميدة في هذا الصدد.