تظل مسألة العقيدة واللعب على وتر الدين والمذهب هي سمة التعامل الإيراني مع أذرعها في الشرق الأوسط بالتحديد في ظل الدعم السخي لكل التنظيمات التي تتبناها طهران وتدعم تحركها المستمر على اعتبار أنها حركات ومنظمات مجاهدة تضع نصب أعينها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
واتخذت إيران من حركات المقاومة الفلسطينية على اختلاف توجهاتها منصة لها لكسب التعاطف الدولي من جهة، ولنشر التشيع من جهة أخرى، خاصة وأن هناك شخوصًا وتنظيمات عملت على التماهي مع النظام الإيراني بشكل كبير سياسيًا وعقائديًا ومذهبيًا بسبب الدعم المالي والعسكري واللوجيستي الكبير الذي تدفعه إيران بالرغم مما تعاني منه في ظل العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
التموضع الإيراني في غزة
ترتبط طهران دائمًا ارتباطًا وثيقًا بحركات المقاومة كما عمدت مؤخرًا إلى دعم عدد من الحركات الناشئة حديثًا أو حتى المنشقة عن حركات كبيرة سبق تدشينها في مراحل سابقة وأدت مهمتها ـ بالنسبة لإيران ـ وارتبطت طهران ارتباطًا وثيقًا بحركة المقاومة الإسلامية حماس وبكل قادتها، وكان لها رجالها المقربين وأبرزهم صالح العاروري وخليل الحية ويحي السنوار وخالد مشغل وإسماعيل هنية، فيما برز بعد ذلك وقوف طهران الدائم بجانب حركة الجهاد الإسلامي التي أسسها الدكتور فتحي الشقاقي وتولي الأمانة العامة لها رمضان شلح وهي حركة مناهضة لاتفاقية أوسلو ومتأثرة إلى حد كبير بالثورة الإيرانية.
بجانب الدعم المالي والعسكري لحركات المقاومة المقربة لطهران إلا أن ذلك الدعم اتخذ شكلًا جديدًا منذ عام 2014 وما قبلها ـ مرحلة التأسيس – بعد أن بادرت طهران باعتبار حركة «الصابرين نصرا لفلسطين» والتي تلقب اختصارًا بـ«حصن»، ذراعها السياسية والعقائدية في قطاع غزة، في ظل تسرب المد الشيعي إلى تلك الحركة الناشئة من رحم حركة الجهاد الإسلامي بعد انشقاق عدد كبير من قيادات «الجهاد» وعلى رأسهم هشام سالم، الذي تولى فيما بعد منصب الأمين العام لحركة «الصابرين» التي تدين بالمذهب الشيعي رسميًا في قطاع غزة حتى تم اعتبارها ذراع إيران غزة.
ومدت حركة «الصابرين» يدها لنشر التشيع في قطاع غزة من عدة أوجه أهمها:
أولًا: ترى حركة الصابرين أن إيران هي رأس حربة الإسلام والمدافع عن كل مبادئه، بالإضافة إلى أنها الدولة الوحيدة التي تحمل هم القضية الفلسطينية وتقدم الدعم غير المسبوق لها في كل المجالات وتحديدًا العسكري والمالي، فيما يتم تدريب كل العناصر المسلحة على يد الحرس الثوري الإيراني من وقت لآخر، وهو ما أكده الأمين العام للحركة نفسه هشام سالم في أكثر من مقابلة تلفزيونية، حتى اعتبرت حركة «حصن» نفسها النسخة الجديدة من حزب الله في فلسطين المحتلة.
ثانيًا: ترفع الحركة شعارًا يشبه شعار حزب الله اللبناني وتدعو للمشروع الإيراني الإقليمي التوسعي من خلال نشر أفكار المذهب الشيعي وسط أبناء قطاع غزة علنًا ما يسبب إحراجًا للقوى السياسية الفلسطينية السنية كافة.
ثالثًا: ترتبط حركة «الصابرين» بعلاقات وثيقة مع عدد كبير من المرجعيات الشيعية في طهران ويتم تدريس كتب الخميني وحسن نصر الله ومحاضراتهما، سواء كانت في إيران أو لبنان على شباب الحركة من وقت لآخر.
رابعًا: تتلقى حركة «الصابرين» دعمًا ماليًا من كل من طهران وحزب الله اللبناني بما يقرب من 12 مليون دولار سنويًا يتم إنفاقها على تسليح الجناح العسكري للحركة وتثقيف الشباب المنضم حديثًا إلى المذهب الشيعي، وبذلك تعد حركة الصابرين هي الحركة الوحيدة التي أعلنت عن حجم الإنفاق المالي عليها من طهران وحزب الله، أما بقية الحركات الفلسطينية المتمثلة في حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي فتتحفظ عن الاعتراف بحجم الدعم المالي الإيراني.
خامسًا: أفسحت حركة الصابرين المجال أمام عدد كبير من المؤسسات الخيرية التابعة لطهران للتوغل داخل قطاع غزة وتقديم مساعدات مالية وعينية لعدد كبير من الأهالي في منطقة سيطرة ونفوذ تلك الحركة الناشئة وتحديدًا في فترات الحصار العسكري والاقتصادي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي من وقت لآخر على قطاع غزة، ما ساهم إلى حد كبير في الترويج للمذهب الشيعي بين أبناء القطاع وأدى إلى اعتناق البعض للمذهب الإيراني وانضمامهم لحركة «الصابرين» الشيعية.
تضييق حمساوي
بالرغم من أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» اتبعت منهج التقرب من طهران عقب الثورة الخمينية واعتبرتها الداعم القوي للحركة في حربها على الاحتلال الإسرائيلي – في الوقت الذي رد فيه خالد مشعل على كل من هاجم الحركة في لقاء متلفز له أكد فيه أنه يطرق جميع الأبواب من أجل الحصول على الدعم لمواجهة الاحتلال ـ إلا أن حركة حماس نفسها اتخذت مسارًا مغايرًا في التعامل مع حركة «الصابرين» فأغلقت مراكز عديدة لها وأبرزها مؤسسة «الباقيات الصالحات» التي تقوم على تنفيذ مشاريع شيعية في قطاع غزة.
كما أعلنت حركة حماس الإفراج عن أحد قادة الحركة ذوي الأصول الجهادية والذي تورط في تفجير عبوة ناسفة أمام منزل الأمين العام لحركة الصابرين والمنشق عن حركة الجهاد «هشام سالم»، بالإضافة إلى تورط أحد الأشخاص من التابعين لحركة حماس أيضًا في محاولة طعن «سالم» على يد مجهولين، شرقي غزة، فيما لم تعلن حكومة حماس أيضًا عما جاء في التحقيقات مع ذلك الشخص المتورط في تلك العملية.
خاتمة
تشير المعلومات الميدانية أنه لا صحة لانتشار المذهب الشيعي في قطاع غزة، بالرغم من توغل طهران من خلال تلك الثغرة وفي أثناء شعورها بأن أهالي القطاع ناقمين على حالة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتحاول طهران الترويج ـ على غير الحقيقة ـ إلى أن أبناء قطاع غزة يتبنون اعتناق المذهب الشيعي وتبني أفكار حركة الصابرين سياسيًا وعسكريًا في مقاومة الاحتلال.
وجاء تضييق حماس على حركة «الصابرين» بعد أن أعلنت أن مذهبها الأساسي والشرعي هو المذهب الشيعي، في الوقت الذي احتفظت فيه حماس بسنية مذهبها رغم تلقيها الدعم من طهران، خاصة بعد أن أعلنت حركة الصابرين عن مشروع تحت اسم «إمداد الخميني» لتوزيع مساعدات على أبناء القطاع متمثل في دعم مادي ومحاضرات وكتب لاستمالة المواطنين في غزة بهدف اعتناق المذهب الشيعي ولكي تظل حركة «الصابرين» ذراع طهران القوية في قطاع غزة.
وقد سببت حركة الصابرين ومشروعاتها الشيعية إحراجًا كبيرًا لحركة المقاومة الإسلامية حماس خاصة أنها لا رغب في الدخول في أي خلاف مع أي جهات سنية أو جهادية من حركات المقاومة المسلحة في قطاع غزة، ولا حتى مع طهران الداعم القوي لها.