إذا اعتبرنا أن السينما الإيرانية بدأت عام 1929 حين صنع أول فيلم على يد “آوانس أوهانيان (أوغانياس)” بمساعدة خان بابا معتضدي، فمعنى هذا أن صناعة السينما في إيران كانت قد أتمت 12 عامًا فقط حين تولى شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي العرش هناك عام 1941، وعليه فإن جزءا كبيرا من التاريخ السينمائي لإيران مرتبط بشكل أو بآخر بفترة حكم بهلوي.
وبالرغم من أن اتجاهات السينما الإيرانية خلال هذه الفترة تختلف بشكل كبير عنها بعد الثورة عام 1979، إلا أنها تأثرت بأفلام صُنِعَ بعضها في عهد الشاه، ففيلم “البقرة” مثلًا من إخراج داريوش ميهرجويي وتأليف غلام حسين ساعدي، والذي يعتبر من أوائل أفلام الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، بل والذي يعتبره كثيرون أحد الأساسات التي شيدت عليها الحركة السينمائية الإيرانية أنتج عام 1969 قبل 10 سنوات كاملة من الإطاحة بالشاه، وإذا كانت سنوات حكم الشاه الطويلة قد شهدت تبلور السينما وتطورها، وإذا كان هو قد أثر في حركة السينما، فإن السينما بدورها قد أثرت في حياته بشكل مباشر وعلى أكثر من جانب.
الشاه والإمبراطورة والممثلة
أول التأثيرات السينمائية البارزة في حياة شاه إيران السابق، والتي تعكس ولعه الشخصي بالسينما أو على الأقل تلاقي أقداره مع الفن السابع، كانت عن طريق الممثلة الإيرانية “بروين غفاري” والتي يشير إليها البعض على اعتبارها حبيبة سابقة للشاه الشاب.
بل ويعتقد آخرون أنها كانت سببًا من أسباب انهيار علاقة الشاه بزوجته الإمبراطورة فوزية، ابنة الملك أحمد فؤاد وشقيقة الملك فاروق، وبالرغم من أن هذا الاعتقاد غير مؤكد، إلا أن الممثلة التي مثلت 9 أفلام خلال الفترة ما بين عامي 1961 و1969 تظل – برغم كل شيء – أول تقاطعات قدر بهلوي مع السينما.
كما أشارت كثير من الروايات التاريخية، من بينها ما أكدته “أسيمة جانو” إلى أن الشاه كان مرتبطا بعلاقة غرامية بفاتنة السينما الفرنسية برجيت باردو، وكثيرا ما كان يذهب إلى مواعدتها في باريس، وكم كان يتخفى في ملابس تنكرية لملاقاتها في حانات ضواحي العاصمة الصاخبة.[1]
ثريا.. من الملك إلى السينما
عام 1951 وبعد سنوات من انفصاله عن الإمبراطورة فوزية، تزوج شاه إيران الأخير زوجته الثانية ثريا إسفندياري، وكانت ثريا الابنة الوحيدة للسفير الإيراني في ألمانيا الغربية خليل إسفندياري من زوجته الألمانية إيفا كارل، وكانت تستعد قبل تعرفها على الشاه لدراسة السينما في هوليوود، إلا أن زواجها وتتويجها ملكة حال دون تحقيق حلمها السابق، الذي استعاضت عنه بالملك، وبالزوج المحب في السنوات الأولى.
غير أن الأميرة ذات العيون الحزينة ـ كما وصفتها الصحافة الأجنبية ـ لم تدم سعادتها، فبعد 7 سنوات من الزواج، وبعد أن تأكد للأسرة الحاكمة أن الملكة عاقر، عرض بهلوي عليها إما القبول بزواجه من زوجة ثانية أو الطلاق، فاختارت الطلاق وأبت أن تشاركها امرأة في زوجها.
بعد وقوع الطلاق رسميًا في مارس من عام 1958، حاولت ثريا استعادة حلمها القديم بالتمثيل، فظهرت عام 1959 في فيلم وثائقي بعنوان Zwischen Glück und Krone “بين الحظ والتاج”، ثم شاركت في فيلم إيطالي عام 1965 بعنوان “ثلاثة وجوه للمرأة”، وقد كُتب عنها في مقال أمريكي نُشر بين المعلومات السرية في وزارة الاستخبارات: “ثريا التي أمضت فترة طويلة في العزلة دخلت إلى عالم السينما.. يعتقد مراسلنا أن ثريا قد تكون أكبر نجمة سينما بعد “ريتا آربو” تم اكتشافها من قبل الاستديوهات الكبيرة، الأميرة ثريا التي دخلت إلى بلاط إيران كملكة عام 1949، أعلنت أنها تنوي اختيار اسم سينمائي جديد لها، سيتم تقديم هذه السيدة البالغة من العمر اثنين وثلاثين عامًا، إلى عالم السينما من قبل “دينو دولارنيتس” الذي اكتشف مي بريت ويلوانا مانكانو سابقًا”.[2]
الشاه بدوره لم يكن راضيًا عن هذا القرار، بل إن البعض يؤكد أنه اشترى نسخ الفيلم لدفعه للفشل وإثناء مطلقته عن قرارها بالعمل كممثلة، غير أنه لم يتسنى لأحد التأكد من صحة هذه المزاعم، الأكيد أن ثريا استمرت في التمثيل والظهور في الأفلام الوثائقية من بعد هذين الفيلمين وحتى عام 2001 حين ظهرت في حلقات تلفزيونية وثائقية بعنوان “القضايا الجنائية الكبرى”.[3]
ولي العهد ممثل سينمائي
للمرة الثالثة تتقاطع حياة الشاه العاطفية والزوجية مع السينما، فزوجته الأخيرة الشهبانو فرح ديبا، وبسبب إعجابها بالسينما، دفعت بابنها ولي العهد رضا بهلوي الثاني للتمثيل في الثامنة من عمره، حين ظهر في فيلم “قصة فارسية” من إخراج آن تاد، وقام بدور أمير صغير ينقذ الشمس من يد الشيطان.[4]
نهاية درامية
وإذا كانت السينما قد ارتبطت بحياة محمد رضا بهلوي وبسنوات ملكه، فإن حياته أبت إلا أن تكون درامية بحجم قوة وتأثير السينما في إيران، فـ”الشاهنشاه” أو ملك الملوك كما كان يلقب، والذي جمع في يده السلطة والمال، والعلاقات القوية مع القوى الغربية، خرج من بلاده مطرودًا ولم تجد طائرته مكانًا تهبط فيه بعد رفض دول أوروبا وأمريكا استضافته، ولم يجد في النهاية ملاذًا إلا في بلاد زوجته الأولى حين استقبله الرئيس الراحل محمد أنور السادات، واستضافه في مصر قبل أن يبدأ رحلة تنقل بين دول العالم، ثم رحلة علاج في أمريكا تنتهي بالطرد مرة أخرى بعد أزمة الرهائن، ليعود إلى مصر ويموت فيها ويدفن إلى جانب نسيبه وشقيق مطلقته الملك فاروق في المقابر الملكية بمسجد الرفاعي.
ــــــــــــــــــــ
[1] جانو، أسيمة، سقوط عرش الطاووس: انهيار القوات المسلحة الايرانية فى عهد الاسرة البهلوية، مكتبة مدبولي، بدون.
[2] نيويورك هيرالد ترابيون، 15 مارس 1963، نقلًا عن حميد رضا صدر، تاريخ سياسي سينماي إيران، ص 143-144
[3] صفحة الأميرة ثريا على قاعدة بيانات الأفلام على الانترنت https://www.imdb.com/name/nm0814735/
[4] رضا، حميد رضا، تاريخ سياسي سينماي إيران، ص 144