يتصدر البرنامج الصاروخي والباليستي لإيران جدول المناقشات في أروقة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وكذلك مناقشات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إذ تحمل زيارة نيتنياهو إلى واشنطن الاثنين المقبل دلالات عدة حول احتمال حصوله على ضوء أخضر أمريكي لشن عملية عسكرية جديدة على إيران تستهدف بنيتها الصاروخية والباليستية، بعد تقارير استخباراتية كشفت عن تنامي الإنتاج الإيراني من الصواريخ الباليستية.
دوافع استهداف البرنامج الصاروخي
وقد تسببت حرب الاثني عشر يومًا في لفت انتباه إسرائيل إلى منظومة إيران الصاروخية، ودفع استخدام إيران لتلك المنظومة إلى اكتشاف قدرتها التدميرية الواسعة، بناءً على الشواهد التالية:
1- أزمة الجوار الجغرافي: إذ لا توجد بين طهران وتل أبيب أية حدود جغرافية تمكن الأطراف من استخدام استراتيجيات تسليحية أخرى غير منظومة الطيران والصواريخ والطائرات المسيّرة. وفي الوقت الذي تعاني فيه إيران من ضعف واضح في تطوير قدرات سلاح الطيران، ارتكنت إلى منظومتها الصاروخية والباليستية التي نجحت في الوصول إلى العمق الإسرائيلي، متجاوزة بذلك عقبة الجوار الجغرافي. وعلى الرغم من أن تلك الصواريخ مصنوعة ومطورة محليًا، إلا أن حرب الاثني عشر يومًا كانت اختبارًا حقيقيًا لتلك المنظومة، واكتشافًا إيرانيًا لقدراتها على تحقيق خسائر كبيرة في مقدرات إسرائيل.
2- ذراع طولى تصل إلى عمق تل أبيب: إذ أثبتت الحرب عاملًا مهمًا في قدرات الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهو قدرة تلك الصواريخ المصنعة والمطورة محليًا على الوصول إلى عمق تل أبيب، بعد أن نجحت في الهروب من الدفاعات الإسرائيلية المتمثلة في منظومة “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود”، علاوة على المنظومات الدفاعية الأمريكية والغربية الأخرى التي تعج بها منطقة الشرق الأوسط وتكرّس للدفاع عن إسرائيل. إذ بات وصول تلك الصواريخ الإيرانية إلى عمق إسرائيل إثباتًا لقدرتها على مقاومة كل المنظومات الدفاعية الغربية المتطورة.
3- الخسائر الإسرائيلية في حرب الاثني عشر يومًا: والتي سُجلت تحت وطأة الصواريخ الفرط صوتية ذات القدرات التدميرية الكبيرة، وبالتحديد الصواريخ طراز “خرمشهر” و”سجيل” و”قاسم” و”عماد” و”فتاح” و”زلزال”، وكلها صواريخ فرط صوتية ذات مديات مختلفة تتراوح بين 1400 و2000 كيلومتر. إذ تسببت تلك الصواريخ في تسجيل خسائر كبيرة في مناطق استراتيجية كمعهد عيزرا وايزمان للأمن، وقاعدة نفتايم العسكرية في صحراء النقب، بجانب تضرر عدد كبير من المستوطنات الإسرائيلية. وقد قدّرت إحصائيات جيش الاحتلال أن إيران أطلقت خلال مدة الحرب 631 صاروخًا على إسرائيل، وصل منها إلى الغلاف الجوي لدولة الاحتلال 500 صاروخ أحدثت تدميرًا حتى وإن لم تُعلن إسرائيل تفاصيل ذلك التدمير.
وفي تلك الأثناء تسعى إسرائيل لتقويض منظومة إيران الصاروخية لضمان ما يسميه نيتنياهو “أمن إسرائيل”، من خلال إضعاف نفوذ القوى المهددة لتل أبيب وفي القلب منها إيران، خاصة بعد نجاح إسرائيل – نسبيًا – في تقويض قدرات محور المقاومة المدعوم من إيران، بعد تحييد الفصائل الفلسطينية وبعض الميليشيات العراقية، وحصار حزب الله بورقة حصر السلاح بيد الدولة، فضلًا عن تدخل واشنطن وعقد اتفاق مع الحوثيين لوقف الضربات الصاروخية على إسرائيل.
ترتيبات إيرانية
وفي هذا الإطار كان على إيران أن ترسل رسائل إلى إسرائيل تشير إلى تمسكها بموقفها الرافض للتخلي عن منظومتها الصاروخية بعد تعرض برنامجها النووي لـ”التدمير الجزئي”، من خلال المواقف التالية:
1- رسالة عناد: من خلال إعلان إيران بدء مناورات بالصواريخ يوم الاثنين 22 ديسمبر الجاري، وذلك في عدة مدن كانت طهران وأصفهان ومشهد وخرم آباد ومهاباد. وهي رسالة بأن البرنامج الصاروخي الإيراني ليس محل تفاوض بين إيران والقوى الأخرى.
2- موقف المرشد الأعلى: والمتمثل فيما أعلنه أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان)، في حديث لموقع “ديده بان إيران”، بأن المرشد الإيراني علي خامنئي ألغى القيود المفروضة على مدى الصواريخ، وطالب بضرورة أن تتجاوز مديات الصواريخ الإيرانية حاجز الـ 2200 كيلومتر.
3- منصات صواريخ جديدة: بنتها إيران في عدة مواقع أخرى، كان أبرزها منصات بُنيت تحت الأرض لتسهيل عملية الانطلاق العمودي للصواريخ، من دون أن يكون لها بناء هيكلي خارجي، وهو ما يصعب عملية استهداف تلك المنصات الجديدة، بجانب تحديث شبكات الرادارات حول المناطق الاستراتيجية.
4- التعاون مع الصين: في استيراد “الوقود الصلب” والخلاطات والمواد الكيميائية اللازمة لصنع الوقود الصلب داخل إيران، وهو الوقود الذي تتمثل مهمته في تسريع عملية إطلاق الصاروخ بدلًا من الاعتماد على الوقود السائل، بما يسهل وصوله إلى هدفه أسرع من أنواع الوقود الأخرى. وهو ما يضع على إيران عبء تحسين ظروف تخزين الوقود الصلب المستورد، خاصة أن سوء التخزين في إبريل الماضي تسبب في وقوع انفجار هائل أودى بحياة ما لا يقل عن 70 شخصًا في أحد الموانئ الإيرانية، وبعد انكشاف الحقيقة فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على شركات صينية اتهمتها بتزويد إيران بوقود الصواريخ.
خاتمة
فطنت إيران إلى أن إسرائيل تسعى – بعد تقليم أظافر محور المقاومة – إلى إضعاف قدرات إيران العسكرية، من خلال تدمير البرنامج النووي وتقويض القدرات الصاروخية الباليستية، وهو ما دعا إيران إلى تسريع وتيرة إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والسماح بزيادة مديات الصواريخ، وهو ما كشفته التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية التي يعرضها نيتنياهو على المسؤولين الأمريكيين للحصول على ضوء أخضر لتنفيذ هجوم جديد على إيران، غير أن ذلك يتقاطع مع رغبة ترامب في أن يكون “رجل الإطفاء” في منطقة الشرق الأوسط.
ترى إيران أن ذراعها الوحيد للهجوم أو الرد على أي هجوم إسرائيلي هو المنظومة الباليستية، وقد سبق أن ضغطت إسرائيل على الولايات المتحدة لإدراج تلك المنظومة ضمن إطار المفاوضات التي كانت تجري من وقت لآخر، غير أن تعثر المفاوضات وتمسك طهران بحقها في امتلاك منظومة صاروخية دفاعية في إطار “الردع”، دفع إسرائيل إلى الضغط على واشنطن لمنحها الضوء الأخضر لمهاجمة إيران مرة أخرى، بعد أن بات نيتنياهو يرى نفسه المنتصر في كل المواجهات المسلحة التي يدخلها.