حددت القاهرة لنفسها مؤخرًا دورًا مباشرًا في الوساطة لخفض التوترات الإقليمية، وكذلك خفض أو إدارة التوترات الإيرانية مع الغرب ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
في الوقت الراهن، يسعى المصريون للقيام بوساطة فعالة في تطورات المنطقة، رغبةً منهم في لعب دور أكثر تأثيرًا في القضايا المتعلقة بغزة والسلام في المنطقة.
هذه المسألة تجعل الوساطة وتأثيرها يعتمدان على المساحة التي تمنحها الدول المختلفة للقاهرة. على سبيل المثال: في محادثات إيران والولايات المتحدة، فإن مساحة المناورة التي يمنحها الأمريكيون أو الإيرانيون للمصريين للعب دور، سيكون لها تأثير فعال في مدى تأثير هذه الوساطات.
فيما يتعلق بإيران، تضع مصر هدفين في اعتبارها، وهما أن الوساطة أداة لإدارة الأزمات كما أنها سياسة طويلة الأمد؛ لأن المصريين يعلمون أنه في حالة تكرار الهجمات العسكرية للنظام الإسرائيلي على إيران، فإن مصر سيلحق بها الضرر، وهذا الأمر سيؤدي إلى أن يكون لأمريكا والنظام الإسرائيلي دور أكبر في المنطقة وستزداد ضغوطهم على غزة.
كما أن إضعاف إيران أمر غير مرغوب فيه للقاهرة؛ لأن توازن القوى في المنطقة سيختل. لذلك، فإن إدارة هذه الأزمة تحظى بأولوية عالية جدًا بالنسبة لهم.
وتسعى مصر على المدى الطويل أيضًا إلى توسيع وتثبيت دورها الإقليمي؛ لأن تعزيز الدور الإقليمي له أهمية كبيرة بالنسبة لهم لأسباب مختلفة. لذلك تسعي مصر لترميم هذا الدور الإقليمي وزيادة خياراتها على المستويين الإقليمي والعالمي.
ويمكن القول إن سبب قرار القاهرة في هذا المنعطف لعب دور نشط كوسيط تجاه طهران، يعود جزء من ذلك إلى التقارب في العلاقات بين إيران ومصر. ومن ناحية أخرى، يجب أن نأخذ في الاعتبار رغبة القاهرة في استغلال الفرصة المتاحة. ويبدو أن الغربيين لم يكن لديهم اعتراض، وتقاطع هذه المسائل الثلاث هو ما دفع المصريين إلى لعب دور أكثر فاعلية.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين تل أبيب والقاهرة وتأثيرها على لعب مصر دورًا إقليميًا مستقلاً، فإن الخيار الإستراتيجي لمصر منذ عهد أنور السادات كان التسوية مع النظام الإسرائيلي، وهم لا يعتزمون التراجع عن هذا الخيار الإستراتيجي. لذلك، بطبيعة الحال، فإن أي دور إقليمي تلعبه مصر سيكون في إطار عدم الإضرار بأسس سياستها الخارجية هذه، وهذا الموضوع بالذات يجعل المصريين يأخذون بعين الاعتبار الجانب الآخر.
يجب الانتباه إلى أن مصر، بسبب خلفيتها الحضارية والسياسية والمنافسات والخطر الذي تشعر به من جانب النظام الإسرائيلي، لا ترضى بأن يصبح النظام الإسرائيلي القوة المهيمنة في المنطقة.
كما يمكن القول إن وساطة مصر تتم إلى حد كبير بالتنسيق مع كل من الإمارات والسعودية؛ لأن هذه الدول أيضًا متخوفة حاليًا من عواقب خروج الأزمة عن السيطرة في العلاقات بين إيران والغرب وإيران وأمريكا.
إلى جانب أن السعودية لا تريد أن يختل توازن المنطقة بحيث يصبح النظام الإسرائيلي، بمساعدة أمريكا، القوة الرئيسية في المنطقة، بحيث تضطر هذه الدول بشكل كامل إلى الخضوع لهيمنة النظام الإسرائيلي.
إن نهج مصر في الوساطة وأوجه التشابه أو الاختلاف مع دول الخليج الأخرى تبين أن الدبلوماسية المصرية تركز بشكل أكبر على القضية الفلسطينية وحل قضية غزة، بالطبع مع متابعة أهدافها الخاصة في تحسين مكانتها الإقليمية. وفي الوقت نفسه، يرى المصريون في لعب هذا الدور أداة للتقارب مع إيران، وربما تكون هذه الوساطة سببًا لتحسين علاقاتهم مع طهران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة مقابلة مع الخبير الإيراني في الشؤون المصرية أحمد بروايه، بعنوان: “انگیزهها و اهداف مصر برای میانجیگری در منطقه” (بالعربية: دوافع وأهداف مصر للوساطة في المنطقة) من موقع: شورای راهبردی روابط خارجی (بالعربية: المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية) منشور بتاريخ ١٤ آبان /١٤٠٤ هـ. ش. الموافق ٥ نوفمبر ٢٠٢٥م.
