جرت في مدينة جدة السعودية يوم السبت 16 يوليو 2022 وقائع قمة تاريخية أمريكية ــ عربية، حيث اجتمع الرئيس الأمريكي جو بايدن بتسعة من القادة والملوك العرب للتباحث حول قضايا الأمن والتنمية في عالم مضرب وسريع التغير، وفي شرق أوسط شديد التأثر بما يجري في العالم.
وقد تابع الإعلام الإيراني وقائع تلك القمة بل وتصدرت الصفحات الأولى لأغلب الصحف الفارسية الصادرة صباح السبت، ونشرت صحيفة “سازندگی” الإصلاحية على غلافها رسمًا للرئيس الأمريكي “جو بايدن” بثياب سعودية وعنونته بـ”توطئه در صحرا” أي: “مؤامرة في الصحراء”.
وفي الافتتاحية تحت هذا العنوان علقت محللة الصحيفة، ساناز نفيسي، على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وتوجهه إلى المملكة العربية السعودية ظهر الجمعة الموافق 15 يوليو بعد أن اختتم زيارته إلى إسرائيل، للقاء المسؤولين السعوديين والتباحث معهم عن أهدافه داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.
وجاء في الافتتاحية…
مع مستهل زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط، رضخ للسياسة التي انتقدها في السابق، بل وأمتثل لأحد إنجازات سلفه الجمهوري “دونالد ترامب” وهو إنشاء حلف ناتو شرق أوسطي، فهذه المرة، بدلًا من التركيز على التحالفات الفاشلة، يرغب “جو باين” في تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل وتعزيز العلاقات الأمنية بين ممثلي تلك المجموعة، من أجل عزل إيران، ومع ذلك يبدو أنه تناسى أن تلك السياسة باءت بالفشل في عهد “ترامب”.
مع انتخاب ترامب لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية وفي عام 2017، تقرر إنشاء منصة دفاعية في المنطقة باسم “التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط أو حلف الناتو كاسم غير رسمي”. ولعل هذا المشروع بالإضافة إلى جانبه العسكري، افترض أيضا الوسائط الاقتصادية لردع الخصوم المحتملين وعلى رأسهم إيران بطبيعة الحال.
لأجل ذلك تم وضع الجزء الرئيس لتنفيذ المشروع على كاهل دول الخليج العربية، لكن مع وصول بايدن إلى السلطة تم تجميد مشروع التحالف، وفي عام 2021 أٌعلن أنه غير قابل للتحقيق، إلا أن تفاقم الأزمة الأوكرانية وارتداداتها على الشرق الأوسط كانت السبب في تغيير قرارات إدارة بايدن وسياساته أحادية الجانب.
لهذا سعى بايدن إلى اختبار تلك السياسة مع اللاعبين في المنطقة، لاستعادة شعبيته المفقودة في الداخل الأمريكي، وإحياء الدعم الديمقراطي التقليدي لإسرائيل، ففي تصريحه للقناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي وصف إسرائيل بالممثل الديمقراطي والصديق لأمريكا، إلا أن هذا العرض الدرامي المتبادل، أثار شكوك القادة الإسرائيليين حول التزام أمريكا بتعهداتها في ظل التعارض النسبي بين الأولويات الاستراتيجية لكليهما “أمريكا وإسرائيل”، خاصة فيما يتعلق بإيران وفلسطين.
مع العلم أن الرئيس الأمريكي لا يزال يتطلع نحو إحياء الاتفاق النووي، ولهذا توجه إلى الضفة الغربية للقاء عباس. وفي تل أبيب تكلم عن المزيد من السلام والمزيد من الاستقرار والمزيد من العلاقات، وهي تصريحات يعتقد أنها حماسية لشعوب الشرق الأوسط.
في غضون ذلك ازدادت الفجوة بين الإدارة السعودية والإدارة الأمريكية في عهد بايدن عندما وصفها بالدولة “المنبوذة”، إلى جانب رفضه عقد أي لقاء رسمي معها منذ توليه مهامه الرئاسية، وهو ما دفع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى رفض أي طلب أمريكي وبخاصة “زيادة إنتاج النفط” حتى تستغني أوروبا عن إمدادات النفط الروسي في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا.
ولعل توجه السعودية نحو تعزيز العلاقات مع روسيا والصين في ظل النبذ الأمريكي أحد الأسباب الرئيسة التي أدت في المحصلة النهائية إلى تخلي الرئيس جوزيف بايدن عن سياسته المتغطرسة تجاه السعودية.
تبعات زيارة بايدن
خلال الساعات الأولى من وصوله، تلقى الرئيس الأمريكي معلومات عن النظام الدفاعي الحديدي والجيل الجديد في ترسانة الجيش الإسرائيلي المتمثل في جهاز ليزر مضاد للطائرات المسيرة لمواجهة إيران. كما زار مركز النصب التذكاري لضحايا الهولوكوست وأجرى مشاورات حول التنسيق الأمني بين إسرائيل والعرب واتفاقيات الوساطة بين إسرائيل والسعودية، وهما إلى الآن لا يرتبطان بعلاقات دبلوماسية.
تزامنا مع زيارة بايدن إلى المنطقة، كشف الجيش الإيراني عن وحدة بحرية للطائرات المسيرة، وتعد الأولى من حاملات الطائرات المسيرة التابعة لبحرية الجيش الإيراني. وقد وصفت الصحف الإيرانية إعلان الجيش بـ”الترحيب ببايدن على طريقة الجمهورية الإسلامية”.
كذلك كشفت مصادر مطلعة لشبكة CNN أنه من المتوقع أن تسمح المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع بمرور جميع الرحلات الجوية من إسرائيل إلى المملكة مباشرة، ما يعني استخدام إسرائيل لمجالها الجوي.
وكبادرة استباقية لتلك الخطوة توجه بايدن إلى السعودية مباشرة من إسرائيل، وهو إجراء يمكن اعتباره إشارة خافتة إلى نشأة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية.
مع ذلك، صرح كبار المسؤولين في إدارة بايدن، أن التطبيع الكامل للعلاقات السعودية مع إسرائيل لن يتحقق في أي وقت قريب رغم تلك التنسيقات التي أجريت سلفًا بين البلدين. ويعتقد بعض المحللين أن أي تطور في العلاقات الإسرائيلية ــ السعودية سيغير الوضع الأمني في الشرق الأوسط.
خاتمة
عليه فإن القلق الإيراني من تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل يمثل هاجسًا حقيقيا لدى طهران، في ظل الهجوم الممنهج من قبل الصحف الرسمية وشبه الرسمية على زيارة بايدن. فإيران تدرك جيدًا أن أي تطبيع جديدا مع إسرائيل، يعني تهديدًا لأمنها القومي ولمصالحها في المنطقة، لهذا اتجهت نحو التهدئة وتغيير خطابها الإعلامي الهجومي تجاه السعودية، كبادرة عن رغبتها في التماس ودّ الرياض لعودة العلاقات بينهما.
غلاف صحيفة “سازندگی” الإصلاحية يوم السبت 16 يوليو 2022