يمكن أن تعتبر زيارة ممثل كوريا الجنوبية إلى العاصمة النمساوية فيينا ولقائه بكل من، منسق الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، إنريكي مورا، و ممثل الولايات المتحدة الخاص لإيران، روبرت مالي، وأعضاء خطة العمل الشاملة المشتركة للاتفاق النووي ومن بينهم الصين، وسائر المسئولين، استثمارًا دبلوماسيًا مهمًا بالنسبة لكوريا في هذا الوقت الحساس، وله تبعات إيجابية للحصول على مكانة دولية مرموقة لهذا البلد الواقع جنوبي شبه الجزيرة الكورية.
فدور سيؤل الفعال في المفاوضات النووية، والخروج من الجمود الحالي، سيؤثر إلى حد بعيد في تقدم العلاقات بين إيران وبين كوريا الجنوبية، ويبدو أن كوريا الجنوبية ستحقق انتصارًا مهمًا في مجال العلاقات الاقتصادية مع إيران، وكذلك من خلال الوجود بشكل أكبر في الأسواق الإيرانية، والتعاون في مجالات البحث والتطوير، وحتى أوروبا ستنجح بهذه الوساطة التطوعية، بالمقارنة مع المسؤولين الآخرين، وسيكون لها مجال تجاري أوسع في المستقبل.
ولعل ذريعة وجود ممثل كوريا الجنوبية في فيينا كانت بسبب العلاقات المالية مع إيران، ومن هذا المنطلق هدفت الحكومة الثالثة عشرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى القضاء النهائي وبشكل عملي على العقوبات الدولية ضد إيران، وحتى يمكن اعتبار أنها تمكنت من تحقيق خطوة في إطار الخطة المقترحة من وزارة الخارجية الإيرانية.
وقد أراد ممثل كوريا الجنوبية في فيينا تحديد الأصول الإيرانية المجمدة، وقبل ذلك نجحت كوريا من خلال استشارة أمريكا في الحصول على موافقة لإعادة الأموال التي كانت من حق الشركات الإيرانية.
بلا شك ألزم المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في يونيو عام ٢٠١٨م، الحكومة الكورية بدفع تعويض للشركات الإيرانية، وبالرخصة التي أُخذت من أمريكا صارت لدى كوريا الجنوبية إمكانية قانونية لإيداع هذه الأموال.
إن المسؤولين في سيؤل ينتظرون توضيح مصير السبعة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في البنوك الكورية في مقابل مكثفات الغاز التي ظلت تحت تصرف كوريا الجنوبية منذ إعلان العقوبات الأمريكية ضد إيران في صيف العام 2018.
من الواضح أن لكوريا الجنوبية قوة ونفوذ بالغ في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بالشكل الذي مكّنها من مراعاة نظام واشنطن القانوني، وجلب ضمان استثنائي فيما يخص العقوبات الإيرانية.
هذه القوة يمكن أن تكون مهمة بالنسبة لكوريا الجنوبية لاتباع إستراتيجية طويلة الأمد لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع إيران، وكذلك من حيث العلاقات الدبلوماسية، إذ إن وجود كوريا في المفاوضات النووية الإيرانية يجعلها تحرر القدرات التي لم تختبرها على المستوى الدولي.
في الوقت نفسه يجب تذكر أن وجود كوريا في المفاوضات النووية الإيرانية، سيكون له تبعات بناءة فعالة وتأثيرات باعثة على الحذر بالنسبة لإيران.
إن زيادة الأطراف في المفاوضات الدبلوماسية أغلبها لا يصب في مصلحة التفاوض. وبشكل عام، كل طرف من أطراف النزاع لا بد أن يتحكم في الجبهة أو الطرف الموالي له، وفي حال الوصول إلى اتفاق، عليهم إقناعهم وتهدئتهم. هذا في الوقت الذي لم تستطع فيه أمريكا في عهد أوباما أن تعمل على تهدئة النظام الصهيوني والمنافسين الآخرين في المنطقة بعد إبرام الاتفاق النووي، بل لم تستطع أيضًا أن تؤثر التأثير المطلوب داخل الدولة، ويجب تذكر أنه بظهور ترامب تحطم أساس الاتفاق.
وعلى الرغم من أن زيادة أطراف التفاوض ليس بالأمر الإيجابي، إلا أنه في الأوضاع التي يتجنب فيها المسؤولون الرئيسون المواجهة المباشرة، في هذا الحالة يتم النظر إليه باعتباره أمرا إيجابيا يحدث لتعادل الجبهات بين طرفي النزاع.
ومن الممكن أن تؤدي زيادة الأطراف الدبلوماسية في الملف النووي الإيراني إلى إقرار التوازن والتعادل بين المسؤولين، وذلك في ظل حالة الجمود التي أحدثتها أمريكا بخروجها من الاتفاق النووي لعام 2015، وحكومة بايدن التي تصر على استكمال العقوبات على إيران.
في ظل هذه الظروف ستؤدي كوريا الجنوبية دورًا مهمًا في كسر الحملة القصوى ضد إيران، بالشكل الذي يمكنها من تنظيم استراتيجياتها بشكل صحيح على عكس الاتجاه المتبع في المفاوضات، ووضع حد للتنافس الذي وضعه النظام الصهيوني مع إيران.
إيران أيضًا ستستفيد من خلال إطار سياسة “النظر إلى الشرق”، وكذلك بأخذ العلاقات الجيدة بين الصين وبين كوريا الجنوبية في عين الاعتبار، ليس فقط من خلال المفاوضات النووية ربما من خلال الميل لزيادة مستوى العلاقات مع الصين؛ لأن مثل هذه العلاقات متناسقة مع المصالح الوطنية.
بالنسبة لإيران هناك احتمال لعدم حدوث أي اتفاق إيجابي في المفاوضات على المدى البعيد بدخول كوريا الجنوبية إلى اللعبة، وبزيادة الأطراف الموجودة في التفاوض، سيجعل إيران تواجه المطالب المحتملة لهذا الطرف الثالث.
بناءً على ذلك، في الوضع الذي تدعم فيه طهران أي خطوة دبلوماسية لرفع العقوبات وحل مشكلة الملف النووي، وفي إطار هذه الخطوات يمكن الإشارة إلى أداء كوريا باعتباره آمن وسلمي، وتحافظ على ذكائها فيما يتعلق بزيادة نطاق، وأطراف التفاوض؛ حصلت كوريا الجنوبية على فرصة مهمة للغاية في المجال الدبلوماسي، والتي كانت تحت تصرف الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية، وللأسف لم تستطع هذه المؤسسة أن تحافظ على “النجاح التاريخي” وفقًا لتعبيرها بسبب هياكلها غير الفعالة.
والسؤال الأخير هنا: هل ستكون كوريا الجنوبية بمثابة “الرجل في الميدان” وستحدث تأثيرًا إيجابيًا على الخلافات القائمة بين الطرفين، أي ستكون لديها القدرة على النجاح بشكل عملي في الاختبار الإيراني الأول؟!
ـــــــــــــــ
مادة نشرها الباحث الإيراني “عابد اكبرى” في “معهد أبرار للدراسات والبحوث الدولية المعاصرة ـ طهران” بعنوان “فرصت دیپلماتیک کرهجنوبی در مذاکرات هستهای”، أو “الفرصة الدبلوماسية لكوريا الجنوبية في المفاوضات النووية”، بتاريخ 30 دي 1400 هـ. ش. الموافق 20 يناير 2022.