باتت الهجرة إلى خارج البلاد علما على تفكير العلماء والخبراء الإيرانيين أولئك الذين يرغبون في مغادرة وطنهم؛ على خلفية تردي الأوضاع المعيشية والأزمات الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية المفروضة بموجب برنامجها النووي، فضلا عن حریة الرأي غير المكفولة في هذه البلاد.
فقد احتلت إيران المرتبة الثانية في ظاهرة هجرة العقول والكفاءات العلمية وخروج الباحثين والأكاديمين وخريجي الجامعات إلي خارج بلدهم للبحث عن عمل أو معيشة أفضل ولذلك يطلق عليها “هجرة الأدمغة”.
إيران على القمة
تعد هجرة العقول جزءا من موجات هجرة إيرانية اتخذت أبعادا أوسع من أي وقت مضى عقب صعود النظام الحالي إلى السلطة في العام 1979م، ووفق دراسة أعدتها جامعه استانفورد في عام 2020 فإن حوالي 3.1 مليون إيراني غادروا البلد بشكل نهائي منذ صعود نظام ولاية الفقيه، وهو ما يمثل 3.7 بالمئة من حجم السكان في الوقت الحالي.
يعني هذا أن هجرة العقول زادت وتيرتها وباتت إيران على قمة دول الشرق الأوسط التي يغادر كوادرها إلى خارج البلاد، ووفقا لدراسة استانفورد “ترتبط أزمة هجرة الأدمغة في إيران بالاقتصاد والاستثمار غير الكافي والفساد الراسخ والظروف السياسية”.
ولعل هذه الدراسة تمكننا من الحصول على فكرة عن الوضع من خلال تقييم إحصاءات جزئية من مصادر مختلفة، فقد ثبت هجرة 60 بالمئة من الفائزين في المسابقات الرياضية.
وقال محمد علي دهغان رئيس الجمعية الرياضية في إيران إنه “بحلول مايو 2020 غادر أكثر من 60 بالمئة من الحاصلين علي الميداليات الذهبية خلال الـ24 سنة الماضية وعاد منهم 40 بالمئة تقريبا”.
وأشار إلى أنه ما يقرب من 100 من علماء الرياضيات الإيرانيين الذين يعيشون في الدول الأوروبية والأمريكية هم من بين علماء الرياضيات البارزين في العالم وكل واحد منهم مؤثر في مجاله الخاص، مثل السيدة مريم ميرزاخاني والدكتورة دراخشان.
خريجو جامعة شريف للتكنولوحيا
في عام 2017 أفادت وكالة الأنباء الطلابية أن اكثر من 80 في المئة من طلاب جامعة شريف للتكنولوجيا غادروا إيران. وقال رضا روستا الرئيس السابق لجامعة شريف إن 68 بالمئة من طلاب المدارس الثانوية الذين حصلوا على جوائز في أثناء الدراسة غادروا إيران للدراسة في الخارج، وجزء من البقية الذين تم قبولهم من قبل الجامعات الإيرانية الكبرى غادروا البلاد بعد الانتهاء من دراساتهم العليا.
على مدار هذه السنوات غادر عدد كبير من الكفاءات الثقافية والفنية والأدبية وهاجر العديد من الصحفيين والممثلين والسينمائيين والكتاب والمطربين والموسيقيين والملحنين والشخصيات الأدبية ويعيش معظمهم في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا وبدرجة أقل في ماليزيا.
ووفقا لتقرير صدر عام 2016 عن منظمة التعاون الاقتصاد والتنمية تحتل إيران المرتبة الـ32 من بين الدول على مستوى العالم من حيث عدد المهاجرين من بلدانهم الأصلية.
الهجرة شر اجتماعي
في عام 2021 صرح محمد وحيدي نائب رئيس هيئة التعليم والبحث بمجلس الشورى الإسلامي بأن الهجرة مبدأ طبيعي يمكن القيام به من الداخل والخارج والعكس، بحسب وكالة تسنيم الإخبارية التابعة للحرس الثوري.
وأكد وحيدي أن الهجرة شر اجتماعي عندما تهاجر النخبة التي هي شخصيات بارزة وكفؤءة ومؤثرة في إنتاج العلوم والتكنولوجيا للبلاد يكون ذلك ضار جدا.
وقال وحيدي: “تنظر العديد من دول العالم إلى الهجرة على أنها شكل جديد من أشكال الاستغلال لأن هدفها هو قيادة النخب لتلبية احتياجاتها بعبودية جديدة”.
وأضاف “أن الدول المهاجرة في العلوم الإنسانية لن ترفع النخب إلى مستويات أعلى، ولكن في مجالات مثل الطب أو الهندسة التي تلبي احتياجاتها، فإنها ستعطي الأولوية لنخبة البلاد وترسل نخبها إلى مجالات أخرى تقوضهم”.
واقع ظاهرة هجرة الأدمغة في إيران
ما يمكن الإشارة إليه هو أن “هجرة الكفاءات أو الهحرة الدماغية هي ممارسة حسابية أكثر منها عاطفية”. بعبارة أخرى كلما زادت عوامل الجذب ونفور الأصل وكلما زاد الميل عقليًا وموضوعيًا للهجرة ويعرف فوائد الهجرة أكثر من تكاليفها ومشاكلها زادت فرصة الهجرة بطبيعة الحال.
وتجدر الإشارة إلى أن عوامل الجذب هذه ليست مادية فحسب، بل هي أيضًا مراعاة الكرامة الاجتماعية والعمل والضمان الاجتماعي وتوفير الظروف اللازمة، كما أن هجرة أي نخبة مثقفة من البلاد تعني إهدار فرص التنمية الوطنية وتحويل البلاد إلى ورشة عمل مجانية للموارد البشرية المتخصصة لدول العالم المتقدمة.
وأشارت تقارير إيرالنية إلى أن الدول التي يهاجر إليها الإيرانيون في الغالب، هي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وألمانيا، كما أن الجمهوريىة التركية من بين وجهات الهجرة الأكثر شعبية للإيرانيين نظرا لجوارها بحدود إيران الغربية وسهولة الحصول على فرص عمل.
خاتمة
مما أعلاه يمكن القوللا إن نسبة المهاجرين إلى خارج ايران في زيادة مضطردة من عام إلى آخر، وهذا بسبب عدم حرية الرأي والظروف السياسية والاقتصادية للبلد، وقد أدت تلك الظاهرة إلى فقدان إيران أفضل وأهم ما كان يميزها وهو أصحاب الخبراء والكفاءات والعلماء في التخصصات المختلفة.