ظل الخطاب الإيراني لفترات طويلة منذ اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979 يروج لخطاب يعتمد على المذهبية الشيعية ويتدثر بشعارات تدور حول نصرة الضعفاء ورفع المظلومية والتعبئة ضد الولايات المتحدة باعتبارها الشيطان الأكبر، مع الحديث عن تحرير القدس وفلسطين ودعم خطاب «الممانعة» كأداة ووسيلة لاختراق المنطقة العربية.
غير أن التطورات المتسارعة في المفاوضات المتصلة بالملف النووي الإيراني الذي قد تتم تسويته بنهاية يونيو المقبل، قد دفعت على ما يبدو بعض القادة والمسؤولين الإيرانيين إلي الكشف عن وجه آخر للنوايا والطموحات الإيرانية حين تحدث علي يونسي، مستشار الرئيس روحاني لشؤون الأقليات عن العراق، باعتباره جزءا من هوية فارسية عميقة ومتجذرة في التاريخ تمتد إلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية.
حيث أعلن «أن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وأن عاصمتها في الوقت الحالي هي بغداد»، وهي «مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت في الماضي»، مشيرا بذلك إلى «المدائن» التي كانت عاصمة لفارس ردحا من الزمن.
أفصح الرجل عن النوايا والأهداف الكامنة حين ذكر «أن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد». وهذا يعني نية إيران ابتلاع مناطق شاسعة من العراق، حيث تتزامن هذه التصريحات مع عملية تحرير تكريت التي تتم بإشراف إيراني كامل، وترتكب فيها فظائع ضد السكان السنة من غير الموالين لداعش، لإجراء فرز طائفي، الأمر الذي دعا الأزهر إلي إصدار بيان يدين هذه الممارسات بشدة ويدعو لوقفها.
تصريحات يونسي الذي كان يعمل مديرا للاستخبارات في عهد الرئيس الأسبق خاتمي، كانت مثيرة للدهشة، ودافعة للتساؤل عن مدى التهور والتعجل الإيراني، خاصة أنه قد أعقبتها مباشرة تصريحات أخرى لعلي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، والتي أعلن فيها أنه «لولا إيران لسقطت بغداد ودمشق وأربيل بأيدي متطرفي داعش.. وأننا أصبحنا الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب”.
لقد سهلت الولايات المتحدة التمدد والتوسع الإيراني في العراق ثم في المنطقة بكاملها عبر إسقاطها نظام صدام حسين بذرائع كاذبة، ثم عبر انسحابها الهادئ من العراق، وتعاونها مع إيران في أفغانستان، وعبر اعتمادها الصامت على طهران في مواجهة داعش بريا، وأخيرا في مقايضة تجميد الملف النووي الإيراني بالسماح بالتوسع والهيمنة الإيرانية ورفع العقوبات الاقتصادية في الوقت الذي تزداد فيه ضائقة الاقتصاد الإيراني ويعاني من عدم القدرة على تمويل تدخلاته الممتدة من سوريا إلي اليمن مرورا بلبنان وغزة.
في التحليل الأخير يبدو أن الولايات المتحدة تستند أيضا إلي ما سمته «الصبر الاستراتيجى» الواردة في «استراتيجية الأمن القومى»، والتي عبر عنها أوباما بصراحة ممزوجة بالنشوة والفخر في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد، حين أشار إلي حالة العقوبات على روسيا وكيف تحول ما كان يشار إليه كنصر روسي كبير في أوكرانيا، إلي أزمة خانقة تكاد تهدد استقرار نظام بوتين.
في حالة إيران فإن سفور خطاب التوسع والهيمنة والاضطرار إلي القتال المباشر كما يحدث في تكريت وفي سوريا، سوف يستنزف إيران ويجعلها تبحث عن مسار للخروج، ولكن مشكلة ذلك أنه لن يحدث إلا بعد تدمير المنطقة العربية ومقدراتها وقتل خرائطها وتشتيت شعوبها، وإغراقها في فتن طائفية ومذهبية سوف تستمر لعقود.
ــــــــــــــــــــــــ
نُشرت المقالة في صحيفة “المصري اليوم” يوم الجمعة الموافق 20 مارس 2015.