أبدى المرشحون السبعة للانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري يوم الجمعة 18 يونيو، خلال المناظرات الثلاث التي بثها التلفزيون الحكومي الرسمي امتعاضًا شديدًا من سياسات الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني، وأجمعوا على أن النظام الإيراني الحالي فشل في مجابهة العقوبات الأمريكية، فضلًا عن اتهامهم إياه بالخيانة والعمالة وتعمد إخضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسياسات فاشلة وضعت البلاد في عزلة إقليمية ودولية.
وتظهر التقسيمة الضيزى للمرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية أن خمسة منهم ينتمون للتيار المحافظ وهم: إبراهيم رئيسي، ومحسن رضائي، وسعيد جليلي، وعلى رضا زاكاني، وأمير حسين قاضى زادة هاشمي، فيما ينتمي المرشحان الآخران إلى التيار الإصلاحي وهما: عبد الناصر همتي، ومحسن مهر على زادة.
المناظرة الأولى.. السبت 5 يونيو 2021 (تبادل الاتهامات بالخيانة)
شهدت المناظرة الأولى تبادل اتهامات بالخيانة والعمالة بين الأطراف السبعة، فضلًا عن اتهامات واضحة وصريحة للرئيس الحالي حسن روحاني ووزير خارجيته بالتواطؤ في جر البلاد إلى عزلة، بفعل الضغوط الأمريكية التي فشلا في احتوائها، وهاجم المرشحون المحافظون الخمسة الرئيس الحالي وسياساته التي أوقعت إيران في شراك أزمات طاحنة طوال ثماني سنوات هي عمر ولايتيه الرئاسيتين.
وقد حاول المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي، والذي كان يتولى منصب رئيس البنك المركزي الإيراني في فترة روحاني الثانية، بعد الهجوم الكاسح على السياسات المالية من قبل المرشحين المحافظين، الدفاع عن نفسه من خلال إلقاء اللوم على المحافظين الذين تعمدوا إذكاء التوتر مع الغرب والذي قال إنه أدى إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية الإيرانية.
وقد كانت تلك التوضيحات هي ما دعت رئيس الحرس الثوري السابق محسن رضائي لاتهام المرشح همتى «بالرضوخ الكامل» للعقوبات الأمريكية، وقال: «إن همتي ينبغى أن يواجه اتهامات بالخيانة».
فضلًا عن ذلك أكد رضائي على أنه في حال أصبح رئيسًا لإيران فإنه سيفرض حظرًا على همتي ومسؤولي حكومة روحاني وسيمنعهم من مغادرة البلاد. ولعل هذا ما دفع همتي لتوجيه كلامه لرئيسي مازحا: سيد رئيسي هل يمكن أن تعطني ضمانات بعدم اتخاذ إجراء قضائي ضدي بعد هذه المناظرة؟!”.
وفي تلك المناظرة اتضح أن عبد الناصر همتي هو الذي تحمل عبء الدفاع عن سياسات حكومة حسن روحاني في مواجهة محسن رضائي الذي تولى هو التحدث بلسان المتشددين، خاصة أن رئيسي هاجم بضراوة التيار الإصلاحي وسياساته بقوله: “لعل أهم أزمة تعاني منها البلاد هي أزمة استيلاء النافذين والمقربين من الحكومة على الأراضي خاصة في المناطق الحيوية، بحيث تحولت الأراضي إلى سلعة من السلع الرأسمالية مثل المعادن النفيسة والمواد البترولية”.
المناظرة الثانية.. الثلاثاء 8 يونيو 2021 (موضوعات سياسية واجتماعية)
تمحور موضوع المناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية الإيرانية حول موضوعات سياسية واجتماعية، وحمل المرشحون جميعًا مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية إضافة إلى أزمة وباء كورونا لإدارة حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، ما عدا عبد الناصر همتي الذي تلقى الاتهامات التي سبق أن رد عليها وهاجم بسببها التيار المحافظ الذي عمل على إذكاء العداء مع الجيران والغرب على حد قوله.
وشملت انتقادات المرشحين الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ما أظهر المناظرة على أنها فرصة لانتقاد كل مرشح للمنافسين له، وفرصة للانقضاض على سياسات الإصلاحيين بشكل عام.
وفي تلك الجولة التناظرية الثانية اتهم كل الأطراف وعلى رأسهم سعيد جليلي ومحسن رضائي وعلى رضا زكاني وأمير حسين قاضي هاشمي حكومة روحاني بتعطيل البلاد تحت ذريعتي عدم المصادقة على لوائح مجموعة العمل المالي (فاتف) وعدم رفع العقوبات الأمريكية، واتهموا حكومة روحاني بأنها “أكثر الحكومات التي عانت من الخلل الأمني في تاريخ إيران”، وذلك بعد القبض على 26 جاسوسًا عملوا لصالح اجهزة الاستخبارات الغربية والموساد.
لكن الغريب في الأمر أن المرشح عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي المقال، انضم لموجة انتقاد روحاني وقال إن لديه حلولا كخبير اقتصادي لمشاكل البلاد. لكن على جانب آخر حاول محسن رضائي التلويح بمدى قربه من مكتب المرشد معبرًا عن أنه قريب من النظام ووعد بتقديم دعم مالي كبير للبلاد.
كما شملت المناظرة اتهامًا لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، بأنه حاصل فقط على الشهادة الابتدائية وضعف قدراته الاقتصادية، ما دعاه للرد بأن نشر شهادة الدكتوراه التي حصل عليها من الحوزة الدينية في وسائل التواصل الاجتماعي.
في تلك المناظرة دافع أمير حسين قاضي زاده هاشمي عن رئيسي باستماتة وأكد أن رئيسي من خريجي الحوزة الدينية التي فيها دروس اقتصادية. وقال مهر على زاده إن رئيسي التحق بالحوزة بعد الابتدائية وحصل على شهادات عليا.
اللافت في تلك المناظرة أن المرشح المحافظ محسن رضائي وعد بتمثيل لكل القوميات غير الفارسية في حكومته حال وصل إلى السلطة، فيما بدا رئيسي متحدثا بثقة مطلقة خاصة عندما تحدث عن التفاوت غير العادل في الرواتب وهي أزمة تسببت فيها حكومة روحاني ووعد بتجاوزها.
المناظرة الثالثة.. السبت 12 يونيو 2021 (هواجس الشعب الإيراني)
تناقش المرشحون في المناظرة الثالثة والأخيرة حول هواجس الشعب الإيراني التي تنتابه جراء التشابك الكبير في العلاقات الدولية لإيران، علاوة على الأزمات الطاحنة ونهاية تلك الأزمات التي يعيش فيها الشعب الإيراني، فضلا عن الآليات التي سيستخدمها الرئيس الإيراني الجديد لتقديم آمال لذلك الشعب الذي وقع تحت مطحنة العقوبات والأزمات الاقتصادية.
ووعد محسن رضائى، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام والمسئول السابق بالحرس الثورى، بأن تأخذ حكومته الاتفاق النووى على محمل الجد وتعتمد دبلوماسية حقيقية تجبر أمريكا على إلغاء العقوبات وتتوسل لإجراء مفاوضات مع بلاده، ملمحًا إلى استخدام سياسة “الميدان” بجانب سياسة التفاوض.
في مجمل رد المرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي على الانتقادات التي وجهت له، أكد على أن المرشح إبراهيم رئيسي سيتسبب في إخضاع إيران للكثير من العقوبات في حال فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، وذلك كونه عارض الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ويعارض كذلك مسار المفاوضات الذي يجري الآن في العاصمة النمساوية فيينا. كما هاجم همتي التيار المتشدد بشكل عام مؤكدًا: «يريدوننا أن نعيش بمعزل عن العالم».
إزاء هذا واصل رئيسي هجومه على الإصلاحيين وشمل هجومه حكومة روحاني وكأنه أراد أن يلغي وجود هذا التيار من البلاد خاصة حين تحدث عن غياب الاولويات لدى الإصلاحيين وتحمل هو إصلاح تلك النزعة من خلال تأكيده على أن أولويات حكومته ستكون موائد الناس ثمّ حلّ أزمة سوق العمل والبطالة.
خاتمة
يتضح من تحليل محتوى ما دار في المناظرات الثلاث أنها انصبت على موضوعات مهمة لكن كان الموضوع الأبرز هو الهجوم على سياسات الإصلاحيين بشكل عام وسياسات حسن روحاني بشكل خاص، وتحميله مسؤولية الأوضاع المتدهورة في إيران خلال فترتيه الرئاسيتين.
كما خصمت تلك المناظرات الثلاث من رصيد التيار الإصلاحي بشكل كبير أمام المتابعين خاصة أن قسمة المرشحين الخمسة المحافظين أمام المرشَحَين الإصلاحيين الاثنين كانت ضيزى بكل معنى الكلمة، وما زاد من فداحة عدم العدالة بين كفتي المحافظين والإصلاحيين أن المرشح الإصلاحي محسن مهر عليزادة افقتر إلى القدرات الكلامية على العكس من جليلي ورئيسي ورضائي وزاكاني.
بدا لافتا أن كل المرشحين كانوا في مناصب مرموقة المفترض أن تمكنهم من تحسين الأوضاع العامة في إيران سواء سياسية أو اقتصادية أو غيرها، إلا أن المجتمع الإيراني لم ير منهم جميعا ما يغير واقعه المتردي، ولذلك تظل وعودهم غير مجدية للشعب الإيراني وبلا ضوابط عامة وأطر تحدد شكل تلك الوعود والأطر الزمنية لتنفيذها.
ولعل دفاع بعض المرشحين عن إبراهيم رئيسي في مسألة الانتقادات حول مستواه التعليمي يدلل على أن إبراهيم رئيسي محاط بدعم من التيار المحافظ بشكل عام ومن المنافسين له بشكل خاص، فقد ظهروا وكأنهم يدافعون ليس عن مرشح زميل لهم ولكن عن رئيس إيران المقبل، ومن خلال تلك المواقف الدفاعية يمكن القول بسهولة إن اثنين من المرشحين المحافظين على الأقل سينسحبون لصالح رئيسي في الأيام القليلة المقبلة.
أخيرا أظهرت المناظرات أن محسن رضائي يعاني من شخصية انفعالية تصادمية، وأظهرت سعيد جليلي في صورة الرجل غير القادر على التحكم في مجاري الأمور، غير أنها أظهرت إبراهيم رئيسي كرجل دولة يثق في قدرته على الظفر بالمنصب، وهو ما يثبت أنه المرشح الأوفر حظًا للفوز بمنصب الرئيس الثامن للجمهورية الصعبة.