بحضور النواب الممثلين عن الشعب من جميع أنحاء إيران، بدأ مجلس الشورى الإسلامي في إيران “البرلمان” الذي تم انتخابه في فبراير، جلسته الافتتاحية للدورة الحادية عشرة يوم الأربعاء 27 مايو 2020م، وبعد تلك الجلسة أعلن عن أهدافه ورتبها وفق أولويات المرحلة بحسب تصوره خلال تلك الدورة، لكن بعد مرور مئة يوم على انطلاقه ثار سؤال لدى رجل الشارع الإيراني، وهو: هل حقق البرلمان تلك الأهداف على المستويين الرقابي والتشريعي، وهل يمكن أن يعول الشعب على هذا البرلمان في إحداث تغيير حقيقي بسياسات البلاد الداخلية والخارجية؟!
أولا: بداية التعاون بين السلطة التشريعية والتنفيذية
في ظل الظروف الراهنة التي تقاسيها إيران من تضخم وعقوبات اقتصادية وبطالة، وتفشي لفيروس كورونا، يرى البعض أن أوضاع البلاد تستوجب تفاعلًا وتعاونًا بين السلطات الثلاث “التنفيذية، والتشريعية، والقضائية”. وقد أشادت وكالة أنباء إيران أونلاين بمشاركة ممثلي الحكومة “السلطة التنفيذية” في جلسات البرلمان منذ الأشهر الأولى لانطلاقه، الأمر الذي ساعد على تحقيق تفاهم مشترك بينهم وبين البرلمان “السلطة التشريعية”، ودفع عجلة الأمور إلى الأمام.[1]
“
في الأسبوع الأول لبدء المجلس حضر عدد من الوزراء جلسات اللجان المتخصصة، من أجل الرد عن أسلئة النواب، الذين بدءوا تلك الدورة بموجة هجوم كاسحة على الحكومة.
“
وللدلالة على ذلك يمكن ذكر أن 14 وزيرا إلى جانب أعضاء آخرين من مجلس الوزراء حضروا الجلسات العلنية للمجلس، في حين مثلت نسبة حضور الوزراء، وأعضاء مجلس الوزراء في اجتماعات اللجان المتخصصة للمجلس نسبة حضور أعلى مقارنة بالجلسات العامة.
ثانيا: رفض منح الثقة لمرشح روحاني
مع تشكيل مجلس الشورى الجديد، بدأ التوتر يزداد بين أجنحة النظام، فالتيار المتشدد في المجلس الجديد ما لبث أن بدأ التصعيد ضد الرئيس روحاني، فكانت أولى مواجهاته ضد رئيس الجمهورية هى: رفض نواب مجلس مرشحه “حسين مدرس خياباني” ــ القائم بأعمال الوزارة حاليا” ــ وزيرًا لوزارة الصناعة والمناجم والتجارة، أو ما تعرف أيضا باسم “وزارة صمت”. وقد ساعد في ذلك أن معارضي الحكومة قد حازوا على أغلب مقاعد مجلس الشورى الجديد، الأمر الذي عزز موقفهم ضد روحاني وضد مرشحه.
ورفض 140 نائبًا من أصل 254 منح الثقة لمدرس خياباني، بينما حصل على 104 أصوات لصالحه، وامتنع 10 نواب عن التصويت، ولم يحضر روحاني جلسة الاقتراع، وحضر نائبه إسحاق جهانغيري بدلًا منه.
“
في خلال تلك الجلسة عارض حسینعلي حاجي دلیجاني عضو الهيئة الرئاسية البرلمانية في مجلس الشورى الإسلامي ترشيح خياباني قائلا: “إن تجاهل سياسات الاقتصاد المقاوم، وعدم مراقبة الصادرات والواردات بذكاء، والتجرد من الروح الجهادية من أهم الأسباب لرفض منح الثقة في المرشح حسين مدرس خياباني”.
“
بالإضافة إلى معارضة النائب محسن زنجنه ترشيح خياباني قائلًا: “معارضتي لخياباني ليست شخصية، لكن هذا العام الأداء ضعيف لوزارة تعد الوزارة الاقتصادية الأكبر في الحكومة، والمسؤولة عن حركة الإنتاج والمعيشة، وفرص العمل. وباعتباره القائم بأعمال الوزارة فهو متورط في هذا الإخفاق”.[2]
ثالثا: رفض خطاب اعتماد “غلامرضا تاجگردون”
رفض أعضاء مجلس الشورى الإسلامي في جلسته العلنية ليوم الأربعاء الموافق 8 يوليو من العام الجاري، بأغلبية معارضة 128 صوتا مقابل موافقة 102 صوت، وامتناع 21 نائبا عن التصويت من أصل 251 نائبًا حاضرًا، على خطاب اعتماد غلامرضا المنتخب عن أهالي مقاطعة شهرستان گچساران (بالعربية: مقاطعة غشساران) الواقعة جنوب غربي محافظة كهجيلويه وبوير أحمد.
كما ناقش أعضاء البرلمان خطاب الاعتماد في جلسة مغلقة للمجلس أيضا، ووفقا لمحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان فقد منح معارضوا تاجگردون خلال الجلسة السرية 15 دقيقة للإعراب عن رأيهم إزاء خطاب الاعتماد، أما تاجگردون فدافع عن نفسه لمدة 30 دقيقة، ما يعني أن عملية الاقتراع قد تمت بالطريقتين السرية والعلنية.[3]
رابعا: التنديد بروحاني والمطالبة بتغيير دفة الإدارة
كتب ١٢ نائبا هم رؤساء اللجان المتخصصة لمجلس الشورى الحادي عشر في أول عمل مشترك لهم رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة الثانية عشرة، محذرين إياه من أنهم لن يلتزموا الصمت أمام إدارة السلطة التنفيذية إذا ما استمرت على نهج السبع السنوات الماضية نفسه.
“
ولقد تساءل النواب في رسالتهم إلى روحاني ــ والتي نشروا نصها يوم الجمعة 26 يوليو ــ إذا كان على دراية بالأزمات والمعوقات كبطالة الشباب وتفشي نسبة الفقر والتضخم والغلاء، والمنحى التصاعدي للأضرار الاجتماعية؟! ليس هذا فحسب بل اتهموا بعض مؤيدي روحاني “بالتخاذل والخمود” فكتبوا: “ليس فقط قيمة العملة الوطنية التي تتناقص كل يوم”.
“
وقالوا في الرسالة: “إن آمال وطموحات مئات الآلاف من الشبان باتت ضحية للأزمات والتغيرات المتكررة في اقتصاد حكومتكم. ولذلك فإن المجلس بحلته الجديدة سيتدخل لإحياء المبادئ الثورية، ولن يبقى مكتوف اليدين”. هذا إلى جانب دعوتهم الرئيس روحاني، إلى تعديل مواقفه وأفكاره تجاه البرلمان الحالي، وتغيير عملية الإدارة في البلاد.[4]
خامسا: مهرداد مذرباش رئيسا لديوان المحاسبة
انتخب مهرداد مذرباش رئيسا لديوان المحاسبة وفقا للمادة 11 من قانون ديوان المحاسبة في دستور العمل، فقد كانت عملية الاقتراع وفق خيارين قدمتهما لجنة التخطيط والموازنة في مجلس الشورى الإسلامي. وكانت لجنة الشؤون المالية البرلمانية في جلستها المنعقدة يوم الثلاثاء الموافق 23 يوليو قد رشحت كلًا من مهرداد بذرباش[5]، وضرغام صادقی، ولطفالله فروزنده، كمرشحيين لرئاسة ديوان المحاسبة، ثم قاموا بالاستماع إلى أقوال المرشحين.
“
في نهاية الجلسة أعلنت اللجنة عن ترشيح كل من بذرباش بـ15 صوتًا، ولطف الله فروزنده بـ13 صوتًا؛ ليتم تقديمهما إلى قاعة البرلمان المفتوحة للتصويت صباح الیوم التالي. وبالفعل تم التصویت، وانتخب النواب مهرداد بذرباش رئيسًا لديوان المحاسبة.
“
يرجح سبب اختيارهم له هو الحاجة إلى تغيير الهيكل التقليدي لتلك الهیئة الرقابية من أجل الاستفادة من الإمكانيات المهولة لهذه الهيئة الرقابية. وقد كان بذرپاش وعد بإصلاح المشاكل المالية ومحاربة الفساد، وهو أحد المخالفين لسياسة روحاني وحكومته، ومن الذين يرون أن تأثير العقوبات الأمريكية كان ضئيلا مقارنة بالمشاكل الاقتصادية الناجمة عن تقاعس الحكومة، وسوء إدارة روحاني.[6]
سادسا: اللقاء الأول للمرشد مع نواب مجلس الشورى الجديد
عبر الفيديو كونفرانس التقی المرشد الأعلى علي خامنئي بنواب مجلس الشورى الجديد الذي يهيمن الأصوليون على غالبية مقاعده. في هذا الصدد نصح خامنئي الأعضاء الجدد للمجلس بإخلاص النية والعمل من أجل الشعب. كما أبدى ارتياحه لحساسية مجلس النواب الحادي عشر لقضايا الثورة، وسرعة عملهم في تشكيل الهيئات الرئاسية واللجان البرلمانية.
وأعرب عن رفضه لأي خلاف بين السلطات الثلاث، ودعا التيارات السياسية وأعضاء البرلمان ومسؤولي الحكومة إلى الوحدة والتكاتف في “وجه العدو”. وأوضح لنواب المجلس أنه لا يعارض مساءلة روحاني، لكنه يعتقد أن البلاد لا تتحمل صدمة إسقاطه عبر حجب الثقة عنه في ظل الظروف الحالية.
خاتمة
عليه يبدو من المواجهات التي يفتعلها التيار المحافظ ذي الأغلبية في البرلمان ضد روحاني وحكومته أنه يسعى إلى رفع أرصدته لدى الشعب، وذلك باستخدام شعارات مثل: مصالح البلاد، ومواجهة الفساد، وتحسين معيشة المواطنين كروافع تعزز من مساعيه نحو التشدد، خاصة وأن هذا التيار الأكثر تشددا قد خسر في معركته الأولى ضد روحاني بعد حماية المرشد له، لكن يمكن القول إن أي تغيير حقيقي يمكن أن يتطلع إليه الإيرانيون في هذا النظام القائم على ولاية الفقيه متوقف ــ فقط ــ على المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي وليس أي طرف غيره.
ــــــــــــــــــــ
[1] پایگاه خبری “ایران اونلاین”، صد روز از مجلس يازدهم چگونه گذشت، لینک: https://rb.gy/xwdf6z
[2] خبرگزاری بي بي فارس، مجلس ایران به وزیر پیشنهادی صنعت و معدن رای اعتماد نداد، ۲۲ مرداد ۱۳۹۹ – ۱۲ اوت ۲۰۲۰، لینک: https://www.bbc.com/persian/iran-53747577
[3] خبرگزاری جمهوری اسلامی ایرنا، اعتبارنامه تاجگردون منتخب گچساران رد شد، 18 تیر 1399، لینک https://rb.gy/myum5g
[4] شبكه جهان كلمه، هشدار مجلسیان به روحانی: روند مدیریت هفت ساله را تغییر دهید، 07/04/1399، لينك: https://www.kalemeh.tv/1399/04/23546/
[5] مهرداد بذرباش سياسي ومالك صحيفة وطن أمروز الإيرانية المقربة من تيار الأصوليين في البلاد. من مواليد مدينة طهران والده منصور بذرباش، قتل في الحرب العراقية ـ الإيرانية. التحق بجامعة شريف الصناعية وتخرج في قسم الهندسة الصناعية. كما شغل عدة مناصب أهمها: نائب عن أهالى مدينة طهران في مجلس الشورى بدورته التاسعة والمدير العام لشركة تدبير لتطوير الصناعة والتعدين والمدير العام شركة سايبا لصناعة السيارات، والمدير عام لشركة پارس خودرو لصناعة السيارات. تزوج بذرباش من ابنة عليرضا علي أحمدى وزير التربية والتعليم في الحكومة التاسعة أي خلال الفترة الرئاسية لأحمدي نجاد.
[6] خبرگذاری مجلس شورای اسلامی “خانه ملت”، نمایندگان مجلس مهرداد بذرپاش را به عنوان رییس دیوان محاسبات انتخاب کردند، 16 شهریور 1399، لینک: https://rb.gy/ya0fbs