سأستهل مقالي بمقولة رئيسة الطائفة اليهودية بمصر السيدة الفاضلة ماجدة هارون:
“أنا جزء لا يتجزأ من نسيج الشعب المصرى… التراث اليهودى جزء من التراث المصري”
فاختياري لهذه العبارة للتأكيد على الهوية المصرية التي لا يشكك بها أحد، فيهود مصر هم مصريون فلا مجال للتشكيك أو المغالطة، كما أن التراث اليهودي هو تراث مصري ليس تراثا إسرائيليا أو أمريكيا أو خلافه.
ومن هذه العبارة سأنتقل لطرح عدد من التساؤلات التي طرأت إلى ذهني بمجرد قراءتي للأحداث والأنشطة الموجودة على صفحة “مبرة قطرة اللبن الأبيض” الجمعية الرسمية للطائفة اليهودية لتوثيق التراث اليهودي بمصر، فقط لإزالة اللبس وأية مصادفات غير مقصودة:
- هل هناك مجال للتناقض أو التعارض بين الهوية المصرية والديانة؟ فالدين لله والوطن للجميع.
- هل الديانة تعني وجود رخصة للتطبيع مع اسرائيل؟
- هل التراث اليهودي المصري تحدده مصر أم الاكاديمين الإسرائيليين؟
- هل توثيق وحفظ التراث يقضي المطالبة بتدخل منظمات الدفاع عن معاداة السامية؟
- ما هو رؤية الطائفة اليهودية لأسباب خروج اليهود من مصر؟
- لماذا يتم دعوة لفينا زمير بأحد دور العبادة المصرية التي طالبت بفرض تعويضات مالية على الدول العربية ومصر في المقدمة بسبب هجرة اليهود من الدول العربية؟
- هل يتم دعوة السفير الإسرائيلي في كنس ديني مصري؟
- ما موقف قطرة اللبن الأبيض من الحديث عن أصل الشعب المصري؟
أرجو ألا تفهم تساؤلاتي بالتشكيك في هوية اليهود المصريين، وإنما ما قدمته، وسأقدمه باستفاضة فيما بعد، ما هو إلا لدق ناقوس الخطر الذي أثق أن الطائفة اليهودية بمصر بعيدة كل البعد عنه، ولكن فقط لتعديل بوصلة العمل كي لا يقعوا في إطار مخطط صهيوني أكبر، خاصة أن ما يطرح على الصفحة وما يقدم من قبل بعض المؤيدين من اليهود الذي يحضرون الصلوات بشكل دوري من خارج مصر يدعو للقلق والريبة. فمنهم من يطالب بعودة يهود مصر بحجة أن الطائفة قاربت على الاختفاء، فلم يبق منهم إلا ثلاث مسنات، ويتم بين الحين والآخر طرح الفكرة لاستقراء موقف المجتمع المصري، وتنشأ صفحات مشبوهة تكتب هشتاج مثل “#العائدون، #عودة_ يهود _مصر، #إفريقيا_اليهودية”، ومنهم من يرفع شعارات “صهيوني وافتخر”.
هنا تحضرني مقولة عميد المسرح العربي “يا للهول” فهذه الوقاحة التي يجاهر بها هؤلاء المدعون بالتعاطف مع الطائفة ومواقفها، ما هي إلا خيبة وغباء لا يقابل إلا بالاحتقار والاستهجان، فمصر لم ولن تسمح بهذا السفه فهم لم يعودوا مصريين، ولن يسمح الشعب المصري بمثل هذا الخبل. وهنا أتساءل كيف تسمح الطائفة للصهاينة بالمشاركة، أعتقد أن على الجمعية مراجعة من يشاركون في الصلوات من اليهود بالخارج من أصول مصرية.
وهنا سأعود لما طرحته من تساؤلات لتقديم شرح لما أقصده.
أولا: الهوية المصرية تقتضي الالتزام بالمصلحة العليا للوطن ولا تتعارض إطلاقا مع الديانة، فالديانة لا تعني وجود رخصة للتطبيع مع إسرائيل، والتراث اليهودي المصري تحدده مصر لا الأكاديميون الإسرائيليون.
سأرصد بعض الأنشطة التي من الصعب قراءتها في إطار محددات الأمن القومي المصري، والهوية المصرية التي أؤكد أنه تم القيام بها (أي الأنشطة) بحسن نية دون معرفة دقيقة بخطورتها.
ــ يتم تنظيم ندوة عبر تقنية زووم للأكاديمي الإسرائيلي من جامعة بن جوريون بإسرائيل “يورام ميتال Yoram Meital” خلال الأيام المقبلة تحت عنوان “مرور ألف عام على الكتاب المقدس الذي اكتشف وجوده بمعبد القاهرة”. هنا أتساءل هل لا يوجد بمصر أكاديميين متخصصين في الديانة اليهودية أو الدراسات العبرية؛ ليتم دعوتهم للحديث عن كتاب ديني مصري موجود بكنس مصري. وفي الواقع إن يورام ميتال ليست هي المرة الأولى التي تتم دعوته للحديث فيها؛ ففي 26 مايو 2020 تم دعوته للحديث عن قضية “مستقبل التراث اليهودي بمصر” هنا أتساءل مرة أخرى هل مستقبل التراث اليهودي بمصر تحدده إسرائيل أم مصر، ليتم دعوة أكاديمي إسرائيلي لمناقشة مستقبل رافد من روافد التراث المصري، والنقطة أيضا أن هذه الندوات يمكن لأي مصري التسجيل بها عبر إرسال طلب لـ”مبرة قطرة اللبن الأبيض”، فهى مفتوحة للمصريين الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة، فهل نفتح مجالات لتواصل الشعب مع الإسرائيليين بشكل طبيعي، وهل يمكن تصنيف ذلك تحت إطار التطبيع أو قناة للترويج للتطبيع. قد أكون متحاملة ولكن ما فجأني أن أجد أن المبرة تعرف يورام ميتال بأنه مستشار لمبرة قطرة اللبن الأبيض الجمعية المصرية التي توثق لتراث مصري! ولم أستطع تفسير الأمر وسأتركه للقارئ الكريم. وأعتقد بكل تأكيد أنها غلطة غير مقصودة.
ــ الحدث الآخر الذي لم أستطع تفسيره استقبال المبرة “الجمعية المصرية المسجلة في إطار القانون المصري” للسيدة ليفانا زامير خلال احتفال الطائفة اليهودية بالعام اليهودي الجديد – روش هشناه ـ عام 2019، وليفانا لمن لا يعلمها هى صاحبة فكرة رفع إسرائيل دعاوى قانونية لمطالبة الدول العربية بدفع تعويضات لليهود تحت إدعاء تهجيرهم وبالطبع مصر في المقدمة لأنها يهودية من أصل مصري، وعرضت فكرتها أمام نتنياهو بجامعة بار إيلان فتبني فكرتها كمبادرة أخذتها الدولة الصهيونية على كاهلها لابتزاز الدول العربية كمصر والسعودية وسمعنا من مواقع إسرائيلية أن حجم التعويضات قد يتجاوز 250 مليون دولار. فالسؤال هنا كيف يمكن لجمعية مصرية استقبال شخصية تعمل ضد المصلحة العليا للوطن، وهل هذا الفعل يصب في صالح الأمن القومي المصري، أم أنه تهديد للأمن القومي المصري؟! وبالطبع لا أملك الإجابة وأعتقد أن الطائفة لم تقصد هذه الدعوة أو الاستقبال الحافل كاستقبال الفاتحين لشخصية قد لا تعلم خلفيتها. كما أنني أعتقد أن بوست رثاء أحد اليهود بالخارج التي تدعي “لوسيت لاغنادو” في 11 يوليو 2019 ووصف روايتها ′′رجل يرتدي بدلة القرش الأبيض′′ بالتوعية بمحنة اليهود من مصر ونفيهم من وطنهم الأصلي ، بأنها غلطة غير مقصودة فالطائفة تعلم أن اليهود لم ينفوا من وطنهم مصر، فكيف إذا ظل يهود مصر على رأسهم المناضل شحاتة هارون، فهى عثرة في التعبير بكل تأكيد. خاصة أن موقف مصر الرسمي واضح من قضية هجرة اليهود فهم لم يهجروا وإنما سافروا طواعية بعد تخريبهم للاقتصاد المصري لصالح إسرائيل وإقامة الكيان الصهيوني، وحصلوا على أثمان ممتلكاتهم كاملة، حتى أن الدراما المصرية وثقت لذلك “كفيلم لعبة الست” للعملاق نجيب الريحاني ناهيك عن الوثائق الرسمية التي تمتلكها الدولة.
وهل ذلك يتقاطع مع تصريحات السفيرة الأمريكية آن باترسون عام 2013 بأنها تمتلك وثائق تثبت حق اليهود في الممتلكات المصرية، وأنهم سيعودون أسيادا وأن المصريين سيهجرون. فلا أعتقد أن ذلك موقفا عاريا من الصحة هو موقف الجمعية أو الطائفة فالأستاذ شحاتة هارون يساري مصري وطني، قد عارض إنشاء إسرائيل، بل واعتقل بسبب اعتراضه على توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، وفضل البقاء بمصر الوطن عن السفر بالخارج كغيره من المتآمرين من الصهاينة اليهود؛ لذلك سأفسر الأمر بأنه خطأ غير مقصود.
ــ أضف لذلك أن صفحة “قطرة اللبن الأبيض” تضع بوست على فيسبوك “في ذكرى تهجير يهود الشتات في الدول العربية الذي يحل في الـ٣٠ من شهر نوفمبر الجاري وفقا لقانون تبناه الكنيست” فهل تحتفل جمعية مصرية بتاريخ وضعته مؤسسة رسمية بدولة الاحتلال الإسرائيلي؟! أم أنها تحتفل بتراث مصري تسطره وفقا للتاريخ المصري، وقرارات المؤسسات الرسمية المصرية.
ثانيا: توثيق وحفظ التراث لا يعني المطالبة بتدخل منظمات الدفاع عن معاداة السامية:
في 12 يوليو 2018 فوجئنا بنشر السيدة الفاضلة ماجدة هارون لعبارات حول وضع قبر والدها المناضل شحاتة هارون قائلة في بوست على صفحة الجمعية “مبرة قطرة اللبن الأبيض”:
“مصر صخرتك التى لن تبيعها بلآلئ الدنيا، دفناك فيها، فى مقابر البساتين أو زى ما بيقولوا عليها ترب اليهود، أقدم تاني مقابر يهودية فى العالم، إللى كانت مساحتها ١٤٥ فدانا وإللى فاضل منها ٢٧ فدانا، تربة أبوك هارون اتبنى عليها عمارة عشوائية وتربة منى بنتك اتبنى عليها عمارة عشوائية تانية ومبالهمش أثر. حاولت وأبلت واتكلمت يا ناس الحقوا ساعدونا وابنوا سور ولو أنا قادرة ماديا وفعليا كنت بنيته بنفسى طوبة طوبة عشان أحمى ذكرى الناس إللى ادفنت هنا من أيّام ابن طولون ويمكن قبله كمان. معلش يا شحاتا امسحها فيا أنا المقصرة فى حقك وفى حق جدك ذكي وجدي هارون ومنى ونادية وووو..”.
ثم فوجئنا في نهاية شهر فبراير 2019 أن يشارك حاخامات يهود في الإشراف على جهود محافظة القاهرة لإزالة التعديات والقمامة من المقابر اليهودية بالبساتين، فبالتأكيد هى مصادفة أن تناشد المبرة ثم يأتي الحاخامات مستغلين المناشدة غير المقصودة، فسأوكد بالطبع أنها من قبيل الصدفة، خاصة أن هؤلاء الحاخامات هم من جمعية النداء اليهودي، أحد أدوات الأيباك ـ اللوبي الصهيوني – في الدفاع عن معاداة السامية بالعالم، بل ومعاداة السامية الجديدة “أي معاداة بقاء إسرائيل” التي تروج لها إسرائيل.
وهنا علي أن أوجه الشكر لسيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي برفضه قيام تلك الجمعية الأمريكية، بدفع تكاليف ترميم مقابر اليهود فهم مصريون، مدفونون بأرض مصرية فلا مجال لتدخل الخارج في شأن مصري. فقرار تحميلها على الدولة المصرية قرار حكيم بامتياز.
ولا مجال لمطالبات من جمعيات لها علاقة بالكيان الصهيوني للتدخل في الشأن المصري. وبالطبع هي مصادفة غير مخطط لها أو مقصودة للتدخل في الشأن المصري.
ثالثا: موقف قطرة اللبن الأبيض من ادعاءات أصول المصريين:
في عام 2018 فاجأتنا الصفحة الرسمية لجمعية قطرة اللبن الأبيض ببوست وتعليق في إطار الحديث عن المواطنة تعقيبا مصحوبا بنشر تعليق لأحد الأشخاص مدونا الآتي:
“من نافل القول أنه لا يمكن اعتبار المصريين اليوم “مواطنين” بالمفهوم اللي أرسته الدولة الحديثة عن حقوق المواطنة.. ولكنهم في الوقت نفسه ليسوا طبعا عبيد.. أومال نصفهم بإيه؟ السؤال ده فكرني بما قرأته عن العصر البيزنطي كان هناك عبيد، ليسوا مصريين بل أجانب، يعملون كجنود مرتزقة أو كخدم في بلاط الحكام البيزنطيين.. وكان هناك مواطنين.. ودي صفة كانت بتعطى للإغريق وبعض الإثنيات الأجنبية الأخرى.. وعدد قليل من المصريين “المتأغرقين” أما جموع المصريين إللي كانوا بيعملوا في الزراعة والحرف ويدفعون الجزية.. فكانوا يسموا بـ”المستسلمين”.. أيوة.. المستسلمين”.
هنا بالتأكيد لن أعتبر إعادة النشر هو موقف رسمي للصفحة.
ولن أرى وجود تقاطع بين هذا الادعاء والادعاء الصهيوني بأن المصريين ليسوا مصريين وأن العرب عربان، وأن العرب مسلمين ومسيحيين أصلهم يهود، وإصدار خرائط جينية مزورة لتثبت أن اليهود هم الشعب الأصلي للمنطقة.
”
ولن أعتبر أن هناك رابطا بين الأمر واعتبار المؤتمر الدولي الذي حضرته الطائفة اليهودية بمصر عام 2019 الذي نظمته جمعية ميمونة بالمغرب، ومنظمة يهود السفارد بواشنطن في يناير من هذا العام تحت شعار “إفريقيا اليهودية الإبراهيمية” باعتبار أن اليهود بالدول الإفريقية والعربية هم أصل القارة ككل.
“
وسأنظر أن هذا الأمر مصادفة مع مخطط الشعوب الأصلية الذي يتم في إطار صفقة القرن لتحقيق مخطط أرض إسرائيل الكبرى عبر إثبات التاريخ اليهودي والحق في الأرض والممتلكات، بل والادعاء بأنهم هم الشعوب الأصلية لإثبات حقهم الزائف للحديث عن المشترك الإبراهيمي، الذي سيعطي الشعوب الأصلية الحق على الخريطة السياسية باعتبار أن شعوب الدول ليسوا الشعوب الأصليين. ومن ثم ـ كما تزعم إسرائيل – ليس من حقهم دينيا ملكية الأرض عبر مخطط الدبلوماسية الروحية التي تقضي بعقد جلسات مشتركة بين رجال الأديان الإبراهيمية الثلاثة والساسة للتفاوض غير الرسمي لحقل القضايا والخلافات ذات النزاعات الدينية عبر الكتب المقدسة، للنظر لما يطرح من قبل المشترك وتنحية المختلف عليه لإعطاء الحق السياسي للشعوب الأصلية على الخريطة السياسية.
ومن ثم لن أعتبر أن هذا الأمر يتقاطع مع هذا الطرح إطلاقا فهذه مصادفة غير مقصودة.
وختاما أرجو من “قطرة اللبن الأبيض” وهي جمعية مصرية أن تعيد النظر فيما طرحته بالمقال الذي لا يهدف إلا لتعديل البوصلة التي أثق في أنها موجهة نحو إعلاء المصلحة الوطنية المصرية.
وأرجو من بعض العاملين إيقاف الصفحات المشتركة على فيسبوك بينهم كـ ADMIN وبعض الشخصيات الصهيونية بإسرائيل فلا يوجد داعي أو مبرر لذلك، فالتراث اليهودي لا يحميه إلا المصريين فهو جزء من التراث المصري واليهود بمصر هم مصريون والكنس اليهودي هو كنس مصري تحميه وترثه الدولة المصرية، ولم ولن نقبل أية دعاوى أخرى. ويمكن الاستعانة بالجامعات المصرية التي تضم كليات الآداب والألسن قسم اللغات الشرقية والسياسة والاقتصاد التي أضحت موجودة بالعديد من الجامعات المصرية علاوة على الباحثين في التاريخ والأديان والآثار فلا يوجد داعي للاستعانة بمتخصصين من الخارج.
حمى الله مصر والمصريين ووفق الله جمعية قطرة اللبن الأبيض في حفظ التراث اليهودي المصري فهو حق للمصريين دون غيرهم. فالدين لله والوطن للجميع.