على مدى أربعين عاما أفرزت الهجرات المتواصلة للأفغان عن طريق الحدود مع إيران إلى داخل المحافظات المركزية في هذا البلد، عددا من المشكلات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في آن معا، لأسباب متعددة منها التحديات المتراكمة التي واجهتها الحكومات المتعاقبة في توفير ملاذات اجتماعية ومهنية لهؤلاء المهاجرين الذين يشكلون ضغطا متواصلا في محافظات ذات أهمية استراتيجية مثل خراسان ويزد وغيرهما، ومؤخرا عادت تلك المشكلات التي تمثل قنابل موقوتة إلى الواجهة بعد اتهام الشرطة الإيرانية بتفجير وإحراق سيارة كانت تقل عددا من المهاجرين الأفغان غير الشرعيين.
معدلات الهجرات الأفغانية لإيران
أربعة عقود مرت منذ بداية الهجرات الجماعية للمواطنين الأفغان إلى إيران، وخلال تلك السنوات الأربعين عبر مئات آلالاف أو ملايين المهاجرين بصورة غير قانونية إلى داخل الحدود الإيرانية؛ على أمل تحقيق الحد الأدني للمعيشة بأقل الإمكانيات. في حين أنه لا توجد إحصائية دقيقة لمعدل الاجتياز اليومي للحدود من قبل المواطنين الأفغان إلى داخل إيران.
غير أن بعض الخبراء يعتقدون أن ما يتراوح بين 500 إلى 2000 مهاجر أفغاني يدخلون البلاد عبر الحدود الشرقية تهريبًا يوميا، هذا إلى جانب أنه يوميًا يدخل العديد من المواطنين الأفغانين عبر المحافظات الجنوبية الشرقية والشرقية للبلاد إلى حدود محافظات البلاد المركزية كمحافظة يزد، وذلك باستخدام تلك السيارات المعروفة باسم “زوتي”، بغرض التنقل بين باقي المحافظات.
وقبل بضعة أيام تصدرت عناوين الصحف قضية اشتعال النيران في إحدى تلك السيارات في محافظة يزد، والتي أعرب عنها أحمد ترحمي، نائب محافظ يزد للشؤون السياسية والأمنية والاجتماعية، في بيان له جاء فيه: “واصلت إحدى السيارات التحرك في طريق كرمان “مهريز” رغم الإنذارات القانونية وإطلاق الأعيرة النارية، وفي النهاية أصيبت إحدى الإطارات برصاصة تحذيرية، وعلى الرغم من اشتعال النار في عجلتها إلا أن السائق لم يتوقف وواصل الفرار، مستخدمًا المتفجرات والقنابل الدخانية. وبحسب شهود عيان: اندلع الحريق في السيارة على بعد ثمانية كيلومترات بعد إصابة إطارها برصاصة، ونتيجة مواصلتها السير بسرعة عالية، والاصطدام العنيف بحواجز الطريق، واشتعال النيران في إحدى العجلات؛ أدى ذلك إلى التهام النار السيارة بالكامل.
وقد أسفرت الحادثة عن مصرع ثلاثة مهاجرين غير شرعيين كانوا موجودين في الصندوق الخلفي للسيارة، ونُقل ثمانية آخرون إلى المشفى، وهرب سائق السيارة ومعه آخرون، علمًا أن السيارة كانت قد تكدست بـ14 شخصا أحدهم باكستاني الجنسية والباقيين من الأفغان، فوق بعضهم البعض. في حين أكد جرحى حادث طريق مهريز – يزد أن السائق كان يُقلهم بصورة غير قانونية، كما أنه لم يمتثل لأوامر الشرطة وواصل طريقه رغم مطالبتهم إياه بالتوقف مرارا وتكرارا.
الرد على صخب وسائل الإعلام
في الوقت نفسه كتب السفير الإيراني سيد رسول موسوي لدى أفغانستان ردًا على تغريدات المتداولين، وذلك عبر حسابه بمنصة تويتر: لو لم يمتثل المهربون لتحذيرات الشرطة؛ لأطلقت عليهم النار، سواء كان هؤلاء مهربو مواد مخدرة أو بشر. لهذا ما الذي يعنيه نقل 13 شخصا في سيارة ذات أربعة مقاعد، ووضع 3 آخرين في الصندوق الخلفي للسيرة سوى أنه تهريب؟!
على نحوا آخر قام عبد الغفور ليوال سفير جمهورية أفغانستان الإسلامية في طهران بزيارة جرحى حادث حريق السيارة في مدينة يزد، للاطمئنان على صحتهم ومسارعلاجهم. وقد صرح بعد اجتماعه مع مسؤولي محافظة يزد عقب حادثة مقتل عدد من المهاجرين الأفغان قائلا:
“نعتقد أن سبب الحادث هو السائق وعصابة تهريب البشر، مردفا أن المسؤولين بمحافظة يزد وعدوا أن تتابع المسألة بشكل منفصل بهدف التعرف على السائق ليتم تسليمه إلى السلطات القضائية حتى يتم اعتقاله ومعاقبته، كما أشاد بتوظيف عدد من المهاجرين الأفغان في محافظة يزد واهتمامها بالمهاجرين”.
اعتقال مهاجرين غير شريعين
في الأيام القليلة الماضية تم اعتقال 274 من الرعايا الأجانب غير الشريعين في يزد. وقد صرح العميد عباسلي بهداني فرد، قائد قوات الشرطة التابعة لمحافظة يزد، في بيان له أن هؤلاء الرعايا كانوا قد دخلوا إيران عبر الحدود الشرقية وجنوب شرقي البلاد بصورة غير شريعة، حيث كانت وجهتهم المحافظات المركزية للبلاد.
في حين صرح لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنه يجب على المواطنين الأجانب من أجل دخول البلاد الحصول على التصاريح القانونية وفقًا للبروتوكول الدولي حتى لا تتكرر مثل تلك الحوادث ثانيةً، معتقدا أنهم “عرضوا أمن المحافظة للخطر من خلال تعريض أرواحهم وأرواح الآخرين للهلاك”.
وبحسب تقرير وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية إيران فإن العديد من الرعايا الأجانب غير الشرعيين يعبرون حدود محافظة يزد عبر المحافظات الجنوبية الشرقية والمحافظات الشرقية للبلاد، مستخدمين سيارة زوتي للتنقل كما أردفنا سابقًا.
فاجعة مستمرة
في خضم تلك الأحداث صرحت فاطمة أشرفي – رئيس مجلس إدارة جمعية حماية النساء والأطفال اللاجئين – لصحيفة “أرمان ملي” قائلة: لأكثر من أربعة عقود من الهجرات رحل ملايين المهاجرين من دول الجوار وطالبي اللجوء إلى إيران. ولقد حل أكثر من 3.5 مليون مهاجر أفغاني فيما يخص الحد الأدنى والطبيعي للاحتياجات، فكان نصفهم يمتلكون أوراق إقامة قانونية والنصف الآخر فاقد لها.
أشرفي قالت إن أكثر القضايا جدية وإثارة للقلق في مسار الهجرات، هى الهجرات الإجبارية والناجمة عن الاضطرار الإجباري على خلفية توترات اجتماعية أو أمنية، وبالتأكيد تسبب مثل تلك الهجرات عادة للمهاجرين أضرارا جسدية، ونفسية، واجتماعية، ومالية بشكل متباين وعميق.
ويواجه هؤلاء المهاجرون تحديات صعبة في الإقامة، والعمل، والتعليم، والصحة وسائر الاحتياجات والخدمات الاجتماعية؛ نتيجة عدم توفر المستندات القانونية لعبور الحدود أو الإقامة الآمنة. وفي خضم هذا يصبح مهربو البشر المجردون من السمات الإنسانية والأخلاقية والذين يحركهم الجشع يوفرون سبلًا مهلكة لنيل سراب حياة جديدة ومعيشة أفضل لأشخاص انقطعوا عن الحياة.
وأعربت عن أملها في أن تصبح تلك القضية أحد المخاوف المثارة في خانة التشريعات والتوجيهات السياسية في لائحة التصديق على قانون مكافحة تهريب البشر، وكذلك لائحة إنشاء منظمة وطنية لشؤون اللاجئين لكي تتابع التنظيم السياسي والتنفيذي لشؤون اللاجئين والمهاجرين في البلاد للمرة الأولى.
وسيترتب عليه تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين الأجانب واللاجئين الذين يقيمون بصورة غير قانونية في البلاد فضلًا عن التخلص من رواسب الفساد تلك التي سببتها التيارات المخربة للهجرات غير الشرعية إلى جانب التحكم في آثارها الواضحة والمدمرة على المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد.
خاتمة
عليه يبدو أن المهاجرين الأفغان في إيران هم ضيوف غير مرحب بهم، فالقيود المشددة بشأن إجراءات اللجوء إلى إيران باعتبارها إحدى أهم دول الجوار بالنسبة للأفغان دفعت الكثير منهم إلى المخاطرة بأرواحهم من أجل الهجرة إليها، والرضوخ للظروف القاسية التي تجعل منهم فريسة سهلة لمهربي البشر والاتجار بالرقيق الأسود والأبيض على حد سواء.
صحيفة آرمان ملى الإصلاحية: المهاجرون الأفغان في إيران ضحايا التجارة السوداء
ـــــــ
مادة مترجمة عن صحيفة آرمان ملى الإصلاحية.