إذا أردت أن تصبح محللا سياسيا ناجحا، فإن ذلك يتطلب في الأساس موهبة فطرية في فهم الأحداث السياسية ومعرفة طبائع الشخصيات المؤثرة فيها، فضلا عن القدرة العقلية المناسبة على استشعار ما قد يحدث في مضمار تطور الأوضاع التي تهتم بالتحليل السياسي فيها، والأهم هو دراسة السياسة والعلوم المساعدة على فهمها.
وإليك وصاياي العشر الأساسية حتى تصبح محللا سياسيا ناجحا، تسعى الأقنية الفضائية، ومراكز الأبحاث للاستفادة منك في مشروعاتها وبرامجها، وهي كالتالي:
1- عليك أولا أن تتكئ على منهج علمي محدد يكون بمثابة الأرضية الصلبة التي تقف عليها عند النظر إلي مجريات الأحداث وتطورها، ويجب عليك أن تدرك أن جميع الصراعات الناشبة فى جميع المجتمعات قائمة في الأساس على المصلحة المباشرة، بمعنى أن الحراك السياسى في مجتمع ما من مظاهرات وثورات وانتخابات وعمليات عنف وانشقاقات وتطرف وتطهير عرقي وغير ذلك مبني على صراع طبقتين أو أكثر على السلطة والثروة والنفوذ، وأن الاعتبارات الأخلاقية والشعارات التى تتصدر المشهد ما هى إلا واجهة تعمل كمظلة لإخفاء حقيقة الأمور وحقيقة الدوافع لدى الأطراف الفاعلة في المشهد.
2- يجب عليك أن تقرأ وتعي وتهضم جيدا تاريخ المنطقة أو الدولة أو الحركة التي تنوي التخصص في التحليل السياسى لأحداثها، لأن التاريخ هو مفتاح الواقع ومن لم يقرأ التاريخ حكم على نفسه أن يظل طفلا صغيرا محدود المعرفة طوال حياته.
3- إذا أردت أن تتخصص في التحليل السياسي لأمة ما، عليك أن تعرف لغتها. على سبيل المثال إذا أردت أن تصبح محللا سياسيا فى الشئون الإفريقية فعليك أن تتقن اللغات التى تتحدث بها تلك الشعوب مثل: (الأمهرية ـ السواحلية) أما إذا أردت أن تتخصص في الشئون التركية فيجب عليك إتقان التركية الحديثة (التى تكتب بالحروف اللاتينية) على الأقل.
4- المحللون السياسيون العالميون والذين يعملون مستشارين لدى الهيئات الأممية الكبرى، ويتقاضون سنويا مئات آلاف الدولارات، يتقنون بعض أو كل اللغات الحية الست التى أقرتها الأمم المتحدة في برامجها وهى: (الإنجليزية ـ الفرنسية ـ الإسبانية ـ العربية ـ الصينية ـ الروسية). وهذا أمر شاق وشديد الصعوبة على معظم الشبان حديثي التخرج، ولذلك فإن الأفضل لهم أن يتقنوا الإنجليزية على الأقل حتى يدركوا ما يحدث خارج محيط أمتهم.
5- عليك ألا تهدر وقتك فى مشاهدة التلفزيون يوميا لأنه مضيعة للوقت ويهدر طاقتك الذهنية دون أن تشعر، وبدلا من ذلك يمكنك توسيع مداركك بقراءة الأعمال الأدبية الروائية لأنها تساعد على ثلاثة أمور مهمة للغاية. أولا: إثراء المحصلة اللغوية لديك؛ لأنه لا يصح أن تكون محللا سياسيا ولا تجد تعبيرا مناسبا تماما لما تتحدث عنه. ثانيا: أن الأعمال الأدبية في مجملها تؤرخ لحدث ما في مجتمع ما في حقبة ما، وهو ما يساعد على معرفة ما حدث من خلال وجهة نظر الأديب. ثالثا: أن الأعمال الروائية تساعدك على التخيل ومن ثم تفيدك فى المستقبل عند كتابة تقديرات الموقف أو حتى القراءات الاستراتيجية للسيناريوهات الممكن حدوثها في تخصصك.
6- عليك أن تقرأ باستمرار وفي كل المجالات وفي كل الأوقات حتى لو وصل بك الأمر أن تقرأ فى أثناء تناولك الوجبات أو حتى فى أثناء انتظارك مترو الأنفاق أو القطار أو ما شابه، ولا تستمع إلى الخرافات التي تنادى بالقراءة وسط الهدوء فى غرفتك المكيفة، فكثيرا من أفكار التحليلات المهمة وتقديرات الموقف الناجحة لا تخطر للمحللين إلا وسط انخراطهم داخل صخب الحياة اليومية.
7- عليك أن تبتعد تماما عن الآراء النمطية التى تبثها وسائل الإعلام الموجهة، ولا تبني حكما مسبقا على أمر ما، ما لم تقرأ عنه كثيرا جدا، على سبيل المثال: إذا أردت أن تتخصص في الشئون الإيرانية فلا ينبغي عليك أن تمنح آذانك لبعض وسائل الإعلام التى تقول إن الحياة الاجتماعية الإيرانية قائمة على زواج المتعة، لأنك بعد أن تعرف الحقيقة سوف تصدم وهو ما وقع فيه الكاتب والمحلل الجزائرى خالد عمر بن ققة، الذي كان يتصور أنه فور نزوله إلى مطار مهر أباد في العاصمة طهران، فإن كل السيدات سيهرولن نحوه ويطلبن منه أن يتزوجهن على طريقة المتعة، وقد أوضح خطورة تلك الصورة التنميطية فى كتابه “إيران.. الحرب والنساء”.
8- عليك أن تتابع يوميا وفي كل الأوقات جميع الأخبار التي تتعلق بالملف الذي تنوي أن تتخصص فيه ومن ثم تعرف ما قد حدث وما يمكن أن يحدث، وهذه الخطوة شديدة الأهمية، لأنها ستمنحك خبرة التحدث بسهولة عن هذا الملف لو طلب منك ذلك فى إحدى الأقنية الفضائية.
9- ينبغي أن تتصف بالصبر والمصابرة؛ لأن التخصص في شأن ما يحتاج إلى آلاف الساعات من الجد والاجتهاد ولا تتعجل النتائج والنجاح والأرباح، فإن ذلك سيبتعد عنك بقدر حرصك عليه. كما يجب عليك أن تقتني ـ إذا توفرت لديك القدرة ـ جميع الكتب التى تهتم بمجال تخصصك، ومن المعيب أن يكون قارئا عاديا قد قرأ كتابا لم تقرأه أنت في تخصصك، على سبيل المثال: إذا أردت أن تتخصص فى شؤون الكوريتين فإنه من غير اللائق أن تتحدث مع مواطن عادي ويخبرك بأنه قد قرأ كتاب “الثقافة والمجتمع في كوريا الشمالية” وتكون هي المرة الأولى لك التى تسمع فيها عن هذا الكتاب. ولتجنب هذا الأمر يمكنك أن تقوم بأمرين، أولا: أن تبحث على محرك البحث العالمي “جوجل” يوميا عن الكتب التى تتعلق بالكوريتين، ثانيا: أن تكون دائم التردد على جميع المكتبات ودور النشر خاصة تلك التى تهتم بطباعة وترجمة الكتب السياسية الدولية.
10- أخيرا يجب عليك أن تعرف كل الأشخاص الفاعلين فى الحياة العامة في تخصصك بلا استثناء، فلا يليق على سبيل المثال إذا كنت متخصصا فى الشؤون الإيرانية أن تتلعثم ولا ينطلق لسانك ولا تجد إجابة، إذا سألك أحدهم: من يكون أول رئيس تقلد السلطة فى إيران بعد نجاح ثورة 1979؟!