يعد الشادور رمزا إيرانيًا خالصًا، انتشر في بلاد فارس قبل ظهور الإسلام، والشادور كلمة فارسية للتعبير عن زي نسائي شعبي ترتديه المرأة في إيران، وهو لباس خارجى عبارة عن جلباب أو معطف فضفاض يحمل اللون الأسود في الغالب ويكون على شكل نصف دائرة مفتوحة من الأمام وليس به فتحات للذراعين.
والشادور زي عرفته بلاد فارس قبل الفتح الإسلامي، حيث كان يتم تقليد زوجات الشخصيات المهمة ومحظياتهم باعتبارهن شخصيات سامية يجب أن يحجبن عن الظهور للعامة، كما كان ينظر للمرأة المحجبة على أنها من الطبقة المتميزة، لذا اعتبر إحدى علامات القومية الفارسية، وكان لونه معبرًا عن الطبقة الاجتماعية، فالشادور الحرير المطرز ذو اللون الواحد لنساء الطبقة الحاكمة، أما الشادور القطني كثير الألوان فهو لعامة النساء.
وفي العصر الصفوي بدأ يأخذ الطابع الديني، فأصبح اللون الأسود هو لون الشادور خاصة في قم ومشهد، وفي عصر حكم العائلة البهلوية، تراجعت القيمة المعنوية للشادور، والتزمت به فقط نساء الأرياف، إلا أنه تم إحياءه مرة أخرى مع بداية نجاح الثورة، باعتباره رمزا للاعتراض على حكم الشاه، فأقبلت المرأة الإيرانية على ارتدائه مجددا تحدياً للحكم البهلوي.
الشادور والثورة الإيرانية
مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران لم يصدر أى قانون سريع لفرض الحجاب، ألا أن الشادور ارتبط ارتباطا وثيقا بالحجاب حيث نظر إليه على أنه الحجاب الرسمي والشرعي للمرأة الإيرانية، كما قدم الحجاب على أنه سلوك طوعي إشارة إلى احترام كل امرأة محجبة للنظام السياسي الجديد، وبالتدريج تم فرضه في إطار حملات من التخويف قامت بها قوات التعبئة العامة الشعبية “الباسيج” تلك التي ارتكبت عددا من الجرائم كنوع من الترهيب للنساء ومنها تشويههن وهو الأمر الذى أثار حفيظة منظمات حقوق الإنسان.
والحقيقة أن الشادور ليس لباسا دينيا بقدر ما هو رمز للثورة وللمذهب الديني السائد في إيران حيث أسبغت علية هذه الصفة فصار هويةً سياسيةً، تعكس تأييد لابساته لحكم ولاية الفقيه في إيران، بعد أن أصبح أحد أدبيات الثورة الإيرانية وأحد أركانها فيما يخص مظهر المرأة وتأييدها للثورة الإسلامية في إيران، وعلامة من علامات الانتماء السياسي، كما أن البعض يراه أداة من أدوات المد الثورى الإيراني.
وبالرغم من كل الحملات المستمرة لإجبار النساء على ارتداء الحجاب أو الشادور، وإصدار قانون الحجاب الذى يعاقب كل امرأة لا تظهر في الأماكن العامة بالحجاب بحكم بالسجن، من عشرة أيام إلى شهرين، أو دفع غرامة تعادل ما بين 6 إلى 60 دولارا كما يتم فصل السيدات الواتى لا يرتدين الحجاب وطردهن من أعمالهن.
وفي السنوات الأخيرة نجح النظام الإيرانى بالفعل في إخضاع المرأة الإيرانية وفرض الحجاب عليها، ولعل أكبر شاهد على ذلك ما تم سنة 2017 حيث تخلت مساعدة الرئيس الإيرانى لعيا جنيدى عن ثيابها التقليدية وارتدت الشادور الأسود، وقالت جنيدى إن الرئيس حسن روحاني طلب منها شخصيًا ارتداء ملابس أكثر تحفظًا، ما يؤكد ارتباط الشادور كزي بنظام الحكم في مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية وحتى الآن.
انتقادات حول الشادور
من جهة أخرى يحظى ارتداء الشادور ببعض الانتقادات خاصة مِن مَن يقولون بضرورة النظر بعين الاعتبار إلى حقوق المرأة ومراعاة حريتها؛ لذلك لم تستسلم المرأة الإيرانية لفرض الحجاب أو ارتداء الشادور عليها، بل إنها قامت بعدد من الحيل والخدع حيث قامت الشابات الإيرانيات بتقصير “الروبوش” إلى الركبة، ثم ظهر “المانتو” وهو ثوب قصير ويغطى الجسد ابتداء من الرقبة إلى الركبتين، ومع الضغوط التى مورست على بيوت الأزياء في طهران تم استبدال “المانتو” القصير بموديلات “مانتو” طويلة.
ومع تشدد النظام الإيراني تجاه قضية الحجاب، ثارت المرأة ضد محاولة كبتها ومصادرة حريتها، حتى إن البعض يرى أن الكبت الذى سببه النظام الإيراني تجاه المرأة هو ما جعلها تتخذ مواقف ثورية علنية كخلع الحجاب في الشوارع بشكل به تحدى للنظام الإيراني وهو ما يراه المعتدلون كبتا أحدثه النظام الإيراني والذي أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى زيادة السفور والجهر بخلع الحجاب داخل إيران وخارجها من دون الالتفات للعقوبات السلطوية الحكومية، وهو ما أبرزته شاشات التليفزيون مؤخرًا خلال مشاهدة مباريات كرة قدم الفريق الإيراني في كأس العالم، على سبيل المثال وليس الحصر.
في السنوات الأخيرة، حدث نوع من التمرد لدى المرأة الإيرانية حيث توجهت إلى ارتداء الملابس العصرية والتى يعتبرها النظام الإيرانى مخالفة للشريعة الإسلامية، بل وقامت بتنظيم حملات ضد الحجاب ما تسبب في اعتقال 29 امرأة في فبراير الماضي للمشاركة في تلك الحملة.
بل إن البعض نظر له كنوع من النفاق والازدواجية في الفكر، ولعل ما نشر في يوليو بالعام 2017 والذى سبب صدمة للرأي العام الإيراني، حيث عرضت وسائل الإعلام صور للمذيعة الإيرانية الشهيرة أزادية نامدارى، والتى تدعو إلى الالتزام بالشادور وتم نشر صور لها بدون حجاب وهى تحتسى الجعة.
ملخص
وعليه يمكن القول إن الشادور حاز على إقبال المرأة الإيرانية؛ لأسباب قومية ودينية وسياسية متمثلة في:
– كونه زيا حضاريا عرف في بلاد فارس قبل الإسلام، ومن ثم ينظر له نظرة إجلال واحترام فالنساء الإيرانيات يعبرن عن الحضارة الفارسية والقومية التى يعتبرها الإيرانيون جديرة بقيادة العالم الإسلامي.
– قبل الثورة الإسلامية كان محظورا على الإيرانيات ارتداء الحجاب أو الشادور، وكانت المرأة ترتديه في الريف فقط فكان لدى المرأة الإيرانية نوع التعطش للعودة إلى الجذور، خاصة أن عصر الشاه عرف عنه تخطى كل الخطوط الحمر والاقتلاع من الجذور.
– مع بداية الثورة الإسلامية في إيران لم تجبر المرأة على ارتداء الشادور أو الحجاب، إلا أنه مع الوقت أسُبغ الشادور بهالة من القدسية إذ ارتبط ارتداءه بالمذهب الشيعي الحاكم في البلاد على أساس نظرية ولاية الفقيه تلك التي دشنها آية الله روح الله الموسوي الخميني مؤسس الجمهورية الإيرانية في نمطها الحالي.
ـ ارتبط الشادور لدى الشيعة على حسب زعمهم بشخصيات نسائية مسلمة مهمة في التاريخ الإسلامي، مثل السيدة فاطمة الزهراء، رضي الله عنها، بنت الرسول عليه الصلاة والسلام وحفيدته زينب رضي الله عنها؛ لذا فله نوع من القداسة ومن ثم يزيد إقبال المسلمات الشابات على ارتدائه تشبهًا بهن.
ـ استخدم النظام الحاكم في إيران الشادور كإحدى أدوات المد الشيعي إلى الدول العربية، وهو ما يعد نوعا من القصور جعل بعض العرب يتجهون إلى تقليد الآخر، واستيراد أداة ثقافية لنشر الفكر الشيعي وأدبياته في البلدان العربية.