تمر الجزائر بواحدة من أشد حالات الاستقطاب السياسي بعد المظاهرات التي اندلعت في البلاد على إثر إعلان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وفي تلك الأثناء تتجه الأنظار إلى العامل الدولي وتفاعله مع تلك الحالة، خاصة العامل الإيراني في ظل رئيس يحاول المكوث أكبر فترة ممكنة على كرسي الحكم في هذا البلد الذي طالما وجهت له انتقادات بدعم الوجود الإيراني في إقليم شمالي إفريقيا، ولأن إيران تراقب بحذر بالغ تطورات الموقف في الجزائر بحكم مصالحها المركبة؛ يحاول خبراء وباحثو “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” الإجابة عن سؤال اللحظة الراهنة وهو، كيف تنظر إيران إلى تطورات الأوضاع في الجزائر؟!
محمد محسن أبو النور | رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الشؤون الإيرانية
من المؤكد أن إيران تراقب بحذر بالغ تطور الأوضاع في الجزائر في ضوء مراعاة مصالحها في هذا البلد الذي يشبك معها علاقات وطيدة على أعلى مستوى تمثيل دبلوماسي في إقليم شمالي إفريقيا، تمت ترجمته إلى نحو 70 وثیقة للتعاون الثنائي بين البلدين. وبالرغم من أنه ما من مسؤول في إيران عقب تعقيبا صريحا على المظاهرات الرافضة لذهاب الرئيس الحالي عبد العزيز بو تفليقة لولاية رئاسية خامسة إلا أنه من مصلحة إيران أن يظل هذا الرئيس على قمة السلطة التنفيذية في هذا البلد لاعتبار ما حققته إيران من علاقات معه.
صحيح أن إيران تتعامل مع الجزائر بتوقير بالغ وتنظر لثورة 1962 التي نجحت في الاستقلال عن فرنسا كنموذج لحركات التحرر الوطنية، لكن الجزائر تتجاوز في الإدراك الإيراني الأبعاد السياسية إلى ما هو أعمق من ذلك، إذ ينظر نظام الحكم الثيوقراطي في طهران إلى الجزائر، باعتبارها الدولة التي آوت الدعوة الشيعية الإسماعيلية، خاصة أن منطقة إيكجان، كانت رحم ميلاد الدولة الفاطمية الشيعية.
بملاحظة المواقع والوكالات الإيرانية يتضح أن وكالة الجمهورية الإيرانية الرسمية للأنباء “إرنا” لم تنشر أي خبر أو مادة متعلقة بالجزائر سواء مؤيدة للمظاهرات أو معارضة لها أو حتى محايدة، غير أن الوكالات شبه الرسمية التابعة للحرس الثوري ومنها وكالة “فارس” نشرت بعض المواد المنقولة عن الوكالات أو الشبكات الدولية، ومنها وكالة الأنباء الجزائرية وشبكة روسيا اليوم.
ويعني هذا أن إيران تريد أن تقول إنها مع المجتمع الجزائري وليست مع النظام الحاكم، فلو كانت تلك المظاهرات ضد الرئيس بشار الأسد في سوريا أو ضد حزب الله في لبنان، لدافعت الوكالات الرسمية وغير الرسمية باستماتة، ولرفضت ـ قطعا ـ هذه المظاهرات.
عُمدة القول إن إيران تتعامل مع المشهد الجزائري بترقب وحذر؛ ذلك أن تفاعلات المظاهرات الرافضة للرئيس عبد العزيز بو تفليقة، لن تؤثر فحسب على مصالح إيران في الجزائر؛ بل ستؤثر أيضا على الدور الذي تعلبه إيران في المغرب العربي ككل، على اعتبار أنها تتخذ من الجزائر منصة لإطلاق عملياتها السياسية والمذهبية واللوجيستية ضد المملكة المغربية والمناصرة جبهة البوليساريو تلك التي تحتضنها الجزائر في مخيمات تندوف.
يحي بوزيدي | عضو مجلس خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الشؤون الإقليمية
العلاقة بين النظامين تهم إيران كثيرًا، ونظرا لأن الأحداث في بدايتها فإن جميع الأطراف تعلمت من التجارب السابقة وتلتزم الصمت إن صح التعبير، حتى فرنسا تتجنب ذلك لحساسية الجزائريين الشديدة من هذا الجانب.
أما فيما يتعلق بإيران فحتى اللحظة غير مطروح في النقاش دور إيراني في الجزائر، ومن السابق لأوانه الحديث عن دور تقوم به أو يقوم به متشيعون موالون لإيران؛ لأن حديثا من هذا القبيل يمكن وصفه بـ”البروبجندا”، والجميع يترقب ما ستسفر عنه التطورات داخليًا وردود الفعل الخارجية عليها.
ومع ذلك فإن المؤكد إلى الآن أن التفاعلات الداخلية بين النظام والشعب هي الموجه الأساسي لطبيعة العلاقات الدولية بين الجزائر وأي حليف سياسي لها، فالموقف دقيق وحساس ولا يوجد أي طرف مستعد للمغامرة والدخول في أتون مشكلة أحد لاعبيها الأساسيين هو المظاهرات الكبيرة التي لا يمكن لأي طرف التحكم في مساراتها، خاصة وأن أي موقف قد تكون له ردود فعل معاكسة على غرار الشعارات المنددة بإيران عقب كلمة المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، عن ثورة يناير المصرية، وما يقال عن إيران يصدق بالنسبة للدول الأخرى.
رمضان الشافعي غيث | باحث مشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في قضايا العلاقات الدولية
توصف العلاقات الجزائرية ـ الإيرانية بأنها علاقات توافقية، إذ تشترك الدولتان في العديد من الرؤى حول القضايا الإقليمية خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا في القضية السورية، والتدخل في اليمن عسكريًا، وكانت الجزائر أقرب في الملفين إلى إيران على عكس مواقف الخليج، كما أنها رفضت الانضمام للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، كما تبادل الطرفان زيارات ومراسلات والعديد من التصريحات المعبرة عن ذلك، ما فُهم منه أن هناك شبه تطابق في الرؤى والمواقف الكلية بين العاصمتين.
وبالرغم من أن إيران لم تعلن مواقف رسمية بشأن المظاهرات ضد الولاية الخامسة للرئيس عبد العزيز بو تفليقة، إلا إنه من الواضح لكل ذي عينين أن إيران يعنيها بشدة ما يدور في الساحة الجزائرية لاعتبارات المصلحة الموجودة في ظل النظام القائم، ما احتمالات أن يشكل أي نظام جديد محتمل حالة من حالات عدم اليقين حول مستقبل المصالح الإيرانية في هذا البلد.
ومن المؤكد أن إيران يهمها الحفاظ على بقاء شريك لها في الرؤى وإن كان شريكًا سياسيًا وليس عسكريًا، ولكن بمنطق “المصلحة” يهم إيران الحفاظ على مصلحتها وخاصة في الجزائر تلك الدولة ذات الأهمية الجيوبولتيكية لها، إضافة للبعد المذهبي بحكم وجود بعض من الشيعة في الجزائر.
ولقد قطعت الجزائر علاقاتها مع طهران، بعدما اتهمت الحكومة الجزائرية في عهد رئيس الوزارء الجزائري الأسبق رضا مالك سنة ١٩٩٣م، إيران بدعمها السياسي والإعلامي للجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك، واتهمت طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية.