أعلن جهاز الاستخبارات السويدي “سبو” عن القبض على شخص سويدي من أصول عراقية بتهمة تورطه في التجسس على العرب الأحوازيين المقيمين في السويد، لصالح السلطات الإيرانية، التي تلاحقهم على إثر نشاطهم الملحوظ في الدول الاسكندنافية، المتمثل في المؤتمرات التي عقدتها حركة النضال العربي لتحرير الأحواز والتي يقع مقرها في الدنمارك، ولها أذرع في السويد، فضلًا عن وجود عدد كبير من الإيرانيين المعارضين لسياسات ولاية الفقيه بالدول الاسكندنافية الخمس التي عمدت على منح الأحوازيين حق الإقامة والتجنس بعد ما عانوه من تسلط النظام الحاكم في إيران.
اللافت للنظر أن الشخص الموقوف، والذي يبلغ من العمر 45 عامًا، حاصل على الجنسية السويدية منذ وقت طويل، وترجع أصوله إلى العراق، إلا أن السلطات السويدية أخضعته للمراقبة واكتشفت أنه يقوم بأعمال التجسس لصالح النظام الإيراني منذ سبتمبر 2018، ما يعني أن القوى الأحوازية تشكل راهنا في الإدراك الرسمي الإيراني أهمية متعاظمة، وأصبحت رقما صعبا في معادلة القوى المعارضة للنظام المركزي في طهران.
ولعل طهران دفعت بذلك الشخص بالتحديد للتجسس على العرب الأحواز المقيمين هناك لعدة دوافع هي:
أولا: الدعم الإسكندنافي للأحوازيين
لا يخفى على أحد مدى الدعم الذي تقدمه الدول الإسكندنافية الخمس وهي “السويد والنرويج وفنلندا وأيسلندا والدنمارك” للعرب الأحواز المقيمين هناك، وقد منحتهم حق اللجوء والحصول على الجنسية في تلك الدول التي تعتبر الأسعد والأوفر حظًا بين دول العالم، وهي الدول التي تنشط فيها الحركات الأحوازية المعارضة للنظام الإيراني.
وفي العقدين الأخيرين ازدادت طلبات اللجوء إليها لاسيما من الشعوب غير الفارسية في الجمهورية الإسلامية والدول المنكوبة المحيطة وعلى رأسها سوريا والعراق.
وفي عام 2005، شهدت طلبات اللجوء إلى أوروبا وبالتحديد إلى السويد وبريطانيا، زيادة مطردة، منذ الاحتجاجات التي عرفت باسم “الانتفاضة النيسانية” في إقليم الأحواز العربي، الذي كان دولة مستقلة حتى العام 1925.
ثانيا: نشاط منظمات المعارضة
تنشط في الدول الاسكندنافية الحركات المعارضة للنظام الإيراني بكثرة، حيث تم تدشين أكبر حركتين من حركات التحرر الأحوازي والتي يتركز نشاطها حول التعريف بما يقوم به النظام الإيراني من اعتقالات وإعدامات بالجملة في حق المواطنين العرب السنة في إقليم الأحواز، وأبرز تلك الحركات:
أ- حركة النضال العربي لتحرير الأحواز: هذه الحركة هي الأشد وطأة وسط الحركات العربية، وتم تأسيسها على يد حبيب نبجان الذي كان يعيش في الدنمارك، بعدما فر من إيران لاجئًا، ويعمل زعماء الحركة من دول في الخارج، مثل الدنمارك والسويد وهولندا، وهدفها هو الاستقلال عن النظام المركزي في طهران، فيما ينشط الجناح المسلح من الحركة والذي يحمل اسم “كتائب شهداء محي الدين الناصر” منذ عام 1997 في الداخل.
ب- الجبهة العربية لتحرير الأحواز: وهي حركة انفصالية يقودها محمد حسين من أوروبا، تم إنشاؤها في عام 1980 من العراق بمساعدة المخابرات العراقية، عقب أشهر من اندلاع الحرب بين العراق وإيران، وتفيد تقارير عدة بأنها حركة مسلحة، وتؤكد في بياناتها على سعيها لتحرير الأحواز العربية من القبضة الإيرانية.
ثالثا: رد الفعل القاسي على ممارسات طهران
كانت الدول الاسكندنافية وعدد من الدول الأوروبية سريعة التحرك ضد النظام الإيراني الذي انتهج سياسة معادية ضد أبناء عرب الأحواز خلال الآونة الأخيرة، وعلى إثر النشاط الملحوظ لجماعات المعارضة في الخارج، بعد أن نظمت عدة مؤتمرات وندوات للتعريف بخطايا النظام الإيراني مؤخرًا.
وبالرغم من أن تلك التحركات قد بدأت منذ وقت طويل لكن ازدادت وطأتها منذ نوفمبر 2015 من خلال مؤتمر في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، وهو المؤتمر السنوي الثالث للجبهة العربية لتحرير الأحواز الذي شهد هجومًا أكثر حدة عن ذي قبل من جماعات المعارضة.
ومؤخرًا وعقب الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إيران، حيث لم تكن هذه الواقعة هي الأولى من نوعها، إذ أعلنت 5 دول إسكندنافية، في نوفمبر من العام الماضي، عن استيائها الشديد من تورط الاستخبارات الإيرانية في عمليات استهداف المعارضين الإيرانيين على أراضي الدنمارك والسويد، قبل أن تنجح السلطات المحلية في كشف تلك المخططات وإحباطها، وفي الوقت ذاته سحبت الدنمارك والنرويج سفيريهما لدى إيران، ردًا على المؤمراة التي كانت تستهدف كوادر حركة أحوازية معارضة مقيمين في كوبنهاجن والنرويج.
وكانت لهجة التصريحات بين كوبنهاغن وطهران قد تصاعدت منذ الكشف عن المخطط الذي نفت طهران أي دور لها فيه، واتهمت “أعداءها” بتدبير مؤامرة ضدها من خلال “تقارير متحيزة” لتقويض علاقاتها بأوروبا، بعد أن كشفت استخبارات الدول الاسكندنافية في نهاية 2018 عن 10 محاولات اغتيال تستهدف معارضين للنظام الإيراني على مدى هذا العام.
وأعلنت الدول الاسكندنافية في بيان مشترك عن التلويح بمزيد من العقوبات، بالتعاون مع عدد من دول أوروبا، ضد طهران إزاء تلك السياسات التي تستهدف أمن الدول الخمس والنيل من المواطنين العرب اللاجئين فيها.
رابعا: استخدام العراقيين في الخارج
يمثل المواطنون العراقيون الموجدون في الخارج وبالتحديد في أوروبا عاملًا مهما، لدى أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وتفضل طهران استخدام بعضهم للتجسس على المواطنين الإيرانيين الموجودين بالخارج، إذ يشكلون نقطة تحول كبيرة في طبيعة المعلومات التي يحصلون عليها من الدول الإسكندنافية والأوروبية عن تحركات حركات المعارضة المتواجدة هناك.
ووفقا لصحيفة “دي برسه” النمساوية فإن عدد جواسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في النمسا فقط وصل إلى أكثر من 100 جاسوس من جنسيات إيرانية وأجنبية توزعت مهامهم بين الضغط على معارضي نظام طهران وجمع المعلومات عنهم أو الالتفاف على العقوبات الدولية ضد إيران أو غسيل الأموال.
وقالت الصحيفة النمساوية أيضًا إن البلدان الغربية تراقب اللاجئين العراقيين، حيث يتم استغلال بعضهم في عمليات استخباراتية لصالح طهران، نظرًا لطبيعة العلاقات بين بغداد وطهران، وتوغل إيران والحرس الثوري في العاصمة العراقية بغداد.
خاتمة
على هذا النحو بات واضحا أن القوى الأحوازية تحولت في التصور الإيراني لمعادلات القوى من قوى يتم التعامل معها بسخرية واستهانة خاصة من جانب النخب الحاكمة في طهران، إلى أرقام صعبة في تلك المعادلات الصفرية المشتعلة بين النظام الإيراني والشعوب غير الفارسية تلك التي تمت السيطرة عليها بالقوات العسكرية في القرن العشرين والتي تريد أن تستقل عن إيران وتعيد تشكيل دولها على أساس الدولة الوطنية (القومية) الحديثة.