اعتاد الرؤساء الأمريكيون على زيارة العراق في عيد الفصح تثمينا لجهود قواتهم الموجودة في مناطق النزاع بعد احتلاله من قبل قواتها في العام 2003، إلا أن هذه الزيارة تختلف عن مثيلاتها وذلك بسبب الظروف التي تمر بها المنطقة خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” مع إيران وفرض عقوبات قاسية عليها، وقد جاءت متزامنة كذلك مع قرار سحب قواتها شرق الفرات في سوريا إلى قواعدها الموجودة في العراق.
حول الزيارة المباغتة
تميزت هذه الزيارة بأن الرئيس الأمريكي لم يلتقي في خلالها بأي مسؤول حكومي عراقي على خلاف الرؤساء الذين سبقوه وهذا له مدلولات خطيرة خاصة أن هذه الحكومة تشكلت برعاية إيرانية وتمت إزاحة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي المقرب من الولايات المتحدة وتم تشكيلها برئاسة عادل عبد المهدي خلافا للرغبات الأمريكية.
كما أن الزيارة الترامبية شكلت تحديا للحكومة العراقية كونها جاءت دون علمها من الأساس؛ لذلك سارع مكتب رئيس الوزراء إلى تأكيد أنه جرى اتصال بين الرئيسين واتفقا على زيادة التعاون وتبادل الزيارات، كما أعلن البيت الأبيض أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، سيزور العراق في الحادي عشر من الشهر المقبل.
وأكد الرئيس الأمريكي من خلال حديثه مع الجنود الأمريكيين في قاعدة الأسد الجوية أنه ليس هناك خطط لسحب القوات الأمريكية من العراق كما أنه يمكن استخدام هذه القوات لأي عمل مستقبلي في سوريا، وهذا يدل على أن الانسحاب الأمريكي من سوريا لم يكن سوى انسحابا تكتيكيا لضمان استمرار التحالف مع تركيا وعدم جر الأمور إلى نهايات لا تحمد عقباها.
هذا إلى جانب استهداف سحب البساط من أمام تركيا وضمان عدم تعاونها مع الطرف الإيراني على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، خاصة إذا مع العلم أن القواعد الأمريكية في العراق لا تبعد كثيرا عن الحدود السورية.
رسائل ترامب إلى إيران
تلقت الحكومة الإيرانية الرسالة التي أراد ترامب إيصالها ومفادها “إننا اقتربنا منكم كثيرا وسيتزعزع التحالف الروسي ـ التركي ـ الإيراني بعد الانسحاب الأمريكي من المناطق الكردية والتي كانت محل خلاف كبير بين أنقرة وواشنطن”.
وعلى وقع هذه الرسالة سعت إيران إلى زيادة الضغوط على الأحزاب السياسية التي تتبعها وبعض الفصائل والميليشيات المقربة منها من أجل تأليب الرأي العام ضد الولايات المتحدة وإصدار قرارات وتشريعات داخل البرلمان للمطالبة برحيل القوات الأمريكية.
وقد سبق هذه الزيارة دعوات من قبل المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم السفير الإيراني، أريج مسجدي، إلى تكثيف الحملات الإعلامية من قبل وسائل الإعلام العراقية وقنوات الأحزاب التابعة لها من أجل المطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق، كما أن هذه الأحزاب سوف تستغلها من أجل توجيه الأنظار عن فشلها في إكمال الكابينة الوزارية وكذلك فشلها في تقديم الخدمات.
خاتمة
مجمل القول إن هذه الزيارة مثلت تصعيدا خطيرا تجاه العناصر التابعة لإيران، ولذلك تم استهداف السفارة الأمريكية في بغداد بعدة قذائف صاروخية؛ إلا إنها لم تصبها ولكنها رسالة تؤكد أن الصدام الأمريكي – الإيراني في العراق واقع لا محالة، وهي الورقة الأخيرة التي تسعى إيران لاستخدامها قبل أن تكون المواجهة في العمق الإيراني سواء كانت مباشرة أم غير مباشرة والأيام حبلى بمزيد من التطورات والأحداث.