منذ الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من الشمال السوري قبل عدة أيام ركزت وسائل الإعلام حول العالم على هذا الأمر وحاولت معالجة تداعياته على التموضع الإيراني في المسألة السورية في ضوء السيطرة شبه المطلقة للاعب الروسي على مفاصل القرار في العاصمة دمشق منذ خريف العام 2014، وفي ضوء تدهور الاقتصاد الإيراني وتأثير ذلك على دعم طهران لحلفائها وأذرعها في الأرض السورية.
إيران والانسحاب الأمريكي
وبالرغم من الأنسحاب الأمريكي قد يكون مفيدا لإيران؛ إلا أن اللاعب الإيراني في سوريا لم يعد بوسعه العمل بحرية في دمشق كما كان الحال في السنوات الماضية على ضوء العقوبات الأمريكي التي أجبرت الرئيس حسن روحاني على تقليص ـ بمقدار النصف ـ الميزانية العسكرية للحرس الثوري والباسيج والقوات المسحلة.
في هذا الإطار ذكرت جرية “نيزافيسيمايا غازيتا” أن سبب الرحيل المعلن لجيمس ماتيس من منصبه، في المقام الأول، هو قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التخلي عن إبقاء الوحدة الأمريكية في سوريا وأفغانستان، من دون استشارة أحد، وهو ما يلفت إلى تعزيز الدور الروسي كقوة مركزية في الشرق الأوسط، بعد الانسحاب الأمريكي.
وتضمّن مشروع الموازنة الذي قدمه الرئيس الإيراني حسن روحاني للبرلمان اليوم الثلاثاء، خفض موازنة وزارة الدفاع والجيش والحرس الثوري والباسيج إلى النصف مقارنة بموازنة العام الماضي، وأكد روحاني في كلمته أمام البرلمان، أن الموازنة تتناسب مع العقوبات الأمريكية الظالمة المفروضة على طهران، وفق ما أفاد به موقعه الرسمي على الإنترنت.
اعتراف حسن روحاني
اعترف حسن روحاني بأن العقوبات الأمريكية أثرت عمليا ونفسيا على سوق العملات في إيران، وساهمت في تدهور العملة الإيرانية، كما كان لها تأثير على مستوى معيشة الشعب، مضيفا أن مشروع موازنة العام المقبل يتضمن زيادة 20 بالمئة لرواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وخفض حصة صندوق التنمية الوطني من صادرات النفط بواقع 13 بالمئة، ما يعني عمليا عدم قدرة إيران على الإنفاق بسخاء على الميليشيات في سوريا.
لذلك ـ ولأسباب أخرى وجيهة ـ لفتت الجريدة الموسكوية إلى أن روسيا أصبحت الآن بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية، مثل إسرائيل وتركيا وإيران ودول الخليج، المحاور الوحيد المفيد في إطار الصراع المسلح في سوريا، والذي اتضحت قدرته على التعامل المتوازن مع قوى مختلفة تماما في التوجهات الجيوستراتيجية خاصة في الأزمة السورية.
ويمكن القول إن هذه هي النتيجة الجيوسياسية والإقليمية الرئيسية لانسحاب الوحدة الأمريكية، واستسلام “صقور” البيت الأبيض، ولكن، لا يمكن أن يعد ذلك نصرا جيوسياسياً إلا إذا تمكنت روسيا من الاستفادة من الأوضاع الناجمة عن الانسحاب الأمريكي من خلال سياسات متوازنة مع كل اللاعبين الإقليميين، وفقا ما نقله موقع روسيا اليوم، اليوم الاثنين.
مسار تخفيض الالتزامات
ورأت الجريدة أن القيادة الأمريكية مصممة على اتباع مسار تخفيض الالتزامات التي يترتب عليها تكاليف باهظة، حتى في المناطق المهمة استراتيجياً، مثل الشرق الأوسط، وعلى رأس دوله سوريا وأفغانستان.
وقالت الجريدة إن وجود الولايات المتحدة في الصراع السوري كان يعد منطلقا، انطلق منه جميع اللاعبين الذين شاركوا أو سعوا إلى المشاركة في المسألة السورية، ومع ذلك فإن هناك فراغا آنيا يجعل أولئك الذين اعتمدوا على القوات الأمريكية في الحرب ضد “الخلافة” في خطر، وخاصة “قوات سوريا الديمقراطية”، الذراع العسكرية لأكراد سوريا.
وفي هذا الوقت فإن خفض عدد القوات في الوحدة الأمريكية في أفغانستان بمقدار النصف تقريبا يفتح في الواقع نافذة من الفرص لطالبان في المواجهة مع الحكومة الأفغانية في إطار استراتيجية تطويق إيران من الحدود الشرقية.
إيران والكونجرس الأمريكي
على هذا النحو تدور اعتقادات واسعة في أوساط نواب الكونجرس الأمريكي حول أن تخفيض الالتزامات في منطقة الشرق الأوسط سيعيد أمريكا إلى الوراء عقدين من الزمن، وهو ما يفيد إيران بحيث يتيح لها العمل بحرية على مقربة من نقاط الصراع مع إسرائيل.
والحقيقة أن رحيل وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الذي كان يعتبر في الإدارة شخصية قادرة على كبح جماح انفعالات ترامب لم يؤد إلا إلى تفاقم أجواء الخوف والإحباط في البرلمان الذي أضعف التموضع السياسي لترامب بعد انتخابات التجديد النصفي نوفمبر الماضي.
وختاما، تشير الأوضاع الجديدة والترتيبات المستحدثة في الخريطة السورية بعد الانسحاب الأمريكي وتأثير العقوبات الأمريكية على إيران إلى أن معادلة القوة الإيرانية في سوريا لم تصبح كما كانت عليه قبل قرار الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي في الثامن من مايو الماضي وإقرار حزمتي العقوبات في أغسطس ونوفمبر، وفي تلك الحالة قد يكتشف الرئيس السوري بشار الأسد أن الحائط الإيراني المنيع الذي اتكأ عليه منذ 2011 آخذ في التصدع والانهيار.