صدرت مؤخراً رواية فَردِقان Fardeqan للأديب المصري “يوسف زيدان”، وتعد الرواية محاولة لإعادة بناء السيرة الذاتية للطبيب والفليسوف البخاري “ابن سينا”، وتنسج الرواية بناءها الرئيس حول فترة اعتقال ابن سينا تلك التي استمرت أربعة أشهر داخل أسوار قلعة فردقان بإيران إثر خلاف سياسي مع أمير همدان “سماء الدولة”، ومن ثم تتوالى أحداث الرواية في مزج بين الخيال الأدبي والسرد التاريخي.
سجون إيران
دونت رواية فردقان في 7 فصول، حمل عدد منها أسماء فارسية أصيلة، نظراً للفضاء الزماني والمكاني الذي تدور فيه الأحداث، فنطالع أسماء: “شيخ الرُستاق” أي “شيخ القرية”، “رَوَان” وتنطق بالفارسیة Ravan أي “الساري”، و”مَاهيار” أي “محبوبة القمر”، و”مَاهتَاب” أي “ضوء القمر”، و”سُندس” وهو نسيج رقيق من الديباج الأخضر.
أما عن اسم الرواية “فردقان”، فهي واحة تقع حالياً في المنطقة الجبلية المعروفة باسم “خِنِجين” بمقاطعة “فراهان” في محافظة مركزي بإيران على مقربة من العاصمة طهران، ومازال يوجد بها حتي الآن آثار من القلعة المذكورة، يتوسطها بقايا من معبد للنار أو كما يعرف في الفارسية “آتشكده” يعود تاريخه إلي العصر الساساني.
ويسعى زيدان من خلال رواياته إلي إعادة صياغة التاريخ أو ـ كما يصرح دائماً ـ تصحيح الأخطاء الشائعة فيه، وذلك من خلال مزج الخيال بالواقع في ثوب أدبي. وهذا النهج الذي ينتهجه زيدان سبق وقدمه في أكثر من عمل سابق، وربما كان أشهر تلك الأعمال، رواية “عزازيل” التي أحدثت ضجة كبرى وقت صدورها، لما تضمنته من آراء وأحداث تتنافى إلى حد كبير مع مبادئ الديانة المسيحية.
نبذة عن ابن سينا
ولد الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا عام 980م في إحدى قرى مدينة بخارى الواقعة في أوزبكستان حالياً، ويعرف باسم “ابن سينا”. ويعتبر ابن سينا من كبار العلماء في تاريخ العالم الإسلامي، ويلقب بـ”الشيخ الرئيس” لإنجازاته العلمية، وهو اللقب الأشهر والأكثر تداولاً، كما يلقب بـ”أرسطو العرب”، و”المعلم الثالث”، بعد أرسطو والفارابي، و”أمير الأطباء”.
وقال عنه الطبيب والمؤرخ الفرنسي “جوستاف لوبون” Gustave LeBon في كتابه “حضارة العرب” La Civilisation des Arabes: “لقد تُرجمت كتب ابن سينا إلى أغلب لغات العالم، وظلت على مدار ما يقرب من ستة قرون المصدر الأول لمدارس الطب وخاصة في فرنسا وإيطاليا، وهو أول من كتب عن الطب في العالم، وكان يتبع في ذلك نهج وأسلوب أبقراط وجالينوس، ويعد كتابه (القانون في الطب) هو المصدر الرئيس لدراسة الطب بجامعات أوروبا حتي القرن السابع عشر الميلادي”.
وأمضى ابن سينا سنوات طفولته وشبابه في مطالعة الكتب، حيث درس علوم الفقه واللغة والفلسفة والمنطق والأدب والحساب والطب. وقد ذاع صيت ابن سينا وهو في سن صغيرة بعد علاج الأمير “نوح بن منصور الساماني”، حيث حظي برعايته واهتمامه وألحقه ببلاطه ووضع مكتبته العامرة بأمهات الكتب تحت تصرفه. وتوفي ابن سينا عام 1037م في مدينة همدان الإيرانية ووري جثمانه الثرى فيها.
وألّف ابن سينا خلال فترة اعتقاله في “فردقان” ثلاثة كتب من أهم أعماله، وهى: الهداية، رسالة في القولنج، حي بن يقظان. والكتاب الأخير هو رواية فلسفية عن شخص يدعي “حي بن يقظان” نشأ في جزيرة وحده، حيث ترمز الرواية إلي خلق الإنسان وعلاقته بالكون والدين. وقد استلهم العديد من الكُتاب والأدباء موضوع هذه الرواية لاحقاً، ومنهم الفيلسوف الأندلسي “ابن الطفيل” الذي صنف رواية عن المضمون نفسه وتُرجمت إلي اللاتينية والإنجليزية، ثم اقتبسها الكاتب الإنجليزي “دانيال ديفو”Daniel Defoe في رائعته الخالدة “روبنسون كروز” Robinson Crusoeتلك التي تحولت إلى عدد من الأعمال الدرامية والسينمائية بلغات العالم وأصبحت أشهر بكثير من أي عمل آخر في المجال ذاته.