تكتسب زيارة مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى بغداد أهمية خاصة وذلك بسبب كثرة الملفات الشائكة والمعقدة التي تناقشها هذه الزيارة كونها الأولى من نوعها بعد الاستفتاء حول تقرير مصير إقليم كردستان المثير للجدل والذي حدث في 25 سبتمبر من العام 2017، وما أحدثه من انقسام داخل المجتمع الكردي نفسه أو ردة الفعل التي قامت بها الحكومة العراقية والتي على أثرها شنت عملية عسكرية استعادت بها محافظة كركوك الغنية بالنفط وانتزعتها من سيطرة حكومة الإقليم وكذلك المناطق المتنازع عليها وإعادتها إلى سيطرة حكومة بغداد.
وبطبيعة الحال تم كل ذلك بتوافق الجارتين تركيا وإيران وكذلك موافقة الجانب الأمريكي، وبتعاون حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ذي الارتباطات الإيرانية بعد قيامه بالانسحاب من مواقعه في مواجهة القوات الحكومية في كركوك ما سهل عملية السيطرة على هذه المدينة.
وعلى إثر ذلك تعرضت صورة مسعود بارزاني ونفوذه إلى هزة قوية داخل المجتمع الكردي كونه زعيما كرديا وكذلك لدى المجتمع الدولي لأنه لم يستمع إلى نصائحهم بتأجيل موعد الاستفتاء.
وخلال تلك الفترة تعرض الإقليم إلى حصار من قبل حكومة بغداد شمل إيقاف تصدير النفط إلى تركيا وكذلك إيقاف حركة المطارات والمنافذ الحدودية كما تم إيقاف صرف رواتب موظفي الإقليم وتعقدت العلاقة أكثر مع بغداد في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وبالرغم من الزيارات التي قامت بها الوفود الكردية إلى بغداد أو بالعكس إلا أنها لم تحقق تقدما يذكر بسبب تعقيدات الوضع الإقليمي وموقف دول الجوار من القضية الكردية وبالأخص تركيا وإيران وبدوره أدى ذلك إلى انفراط عقد التحالف بين القوى الشيعية والكردية بعد أن كانا حليفين يتقاسمان حكم العراق بعد العام 2003.
بعد الأحداث التي عصفت بالإقليم لم يقدم مسعود بارزاني طلبا لتمديد ولايته رئيسا للإقليم كما فعل في السابق وألقت الأحزاب الكردية اللوم عليه واعتبرت أن ما حدث للإقليم من نكسات وضياع المكتسبات التي حصل عليها الكرد بعد العام 2003، هو بسبب تفرده بقرار حكومة إقليم كردستان.
بعد الانتخابات العراقية انقسم الأكراد فيما بينهم واختلفوا على تسمية رئيس الجمهورية خلاف الانتخابات السابقة وتم انتخاب برهم صالح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، وعدم انتخاب مرشح حزب مسعود بارزاني الذي عد ذلك تأمرا على القضية الكردية، إلا إنه بمرور الأيام تم تجاوز الخلاف وشاركت الأحزاب الكردية في تشكيل الحكومة العراقية برئاسة عادل عبد المهدي بعد أن تم الاتفاق مع الكتل الشيعية على حل الخلافات فيما بينها ومن ضمنها قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها وكذلك حصة إقليم كردستان من الموازنة الاتحادية.
جاءت زيارة مسعود بارزاني إلى بغداد بعد استقباله في مصيف صلاح الدين السبت الماضي، أندري بيك مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وجرى بحث الأوضاع السياسية في المنطقة والتطورات السياسية والأمنية في العراق وكذلك العلاقات بين أربيل وبغداد، ورحب المجتمعون بقرار الحكومة العراقية المتعلق بإعادة تصدير نفط كركوك عن طريق إقليم كردستان، فالحكومة الأمريكية تحاول أن تدعم حليفها السابق (مسعود بارزاني) وأن تعيد ترتيب الورقة الكردية من جديد خاصة في ظل العقوبات التي فرضتها على إيران كون أن الولايات المتحدة لديها تصور بأنه لا يمكن نجاح العقوبات الأمريكية على إيران من دون أن يكون العراق جزءا من المشروع الأمريكي.
كما ترى الإدارة الأمريكية أن هناك آفاقا لحل المشاكل العراقية وتحويل العراق إلى عهد جديد خاصة مع الإقليم، وتأمل الأطراف السياسية من زيارة مسعود برزاني إلى بغداد بحلحلة أغلب هذه المشاكل بين الطرفين؛ لذلك تجد أن الأكراد عادوا وبقوة إلى بغداد لترتيب أوراقهم مع الحكومة الجديد خاصة وأن المصادر تشير إلى أن الحكومة العراقية سوف تتخذ من تركيا بديلا عن إيران في سد النقص الحاصل في الطاقة والبضائع عند انتهاء المهلة، وبما أن الطريق إلى تركيا تمر بإقليم كردستان لابد للأكراد من استغلالها من أجل الضغط على الحكومة للحصول على بعض التنازلات في الملفات الشائكة بين الإقليم والمركز وفي مقدمتها ملف الطاقة وقضية كركوك.
وبعد أن نجح التحالف الشيعي في تشكيل الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي وعدم الانصياع للضغط الكردي المتمثل بالحزب الديمقراطي الكردستاني واتخاذ السنة كطرف بديل عنهم في تشكيل الحكومة العراقية إلا أن هذا التحالف لم يستمر طويلا بسبب الاتهامات المتبادلة بين الأطراف الشيعية والسنية.
بزيارة مسعود بارزاني ولقائه قادة الكتل بمن فيهم قيادات حزب الدعوة الذي اتهمته بالتعاون مع داعش وتسليم الموصل إلا أن هذه اللقاءات تؤكد عود التحالف الشيعي – الكردي إلى سابق عهده في تقاسم حكم العراق بمشاركة شكلية للمكون السني وقد سبقت هذه الزيارة حملة إعلامية من قبل بعض الأطراف الشيعية موجهة ضد قادة السنة وهذا يدل على أن الأمور بدأت تستتب بين الشيعة والكرد، كما أن قيام البرلمان بإلغاء قرارات الحكومة السابقة بالأخص المتعلقة بالأكراد يفسر أهمية زيارة الضيف الكردي إلى بغداد.
هذا من جانب، بينما يمثل الجانب الآخر الصراع الإيراني ـ الأمريكي داخل كابينة الحكومة العراقية وعودة الأكراد برئاسة مسعود الحليف القوي للولايات المتحدة يعني أن إيران لا تستطيع التفرد بقرارات الحكومة لصالحها والالتفاف على العقوبات الأمريكية وستشهد المرحلة المقبلة دورا أمريكيا مهما في الحد من التسلط الإيراني على الحكومة العراقية خاصة أن رئيس الجمهورية برهم صالح المقرب من الإدارة الأمريكية يعي ويفهم ما تريده واشنطن من العراق.
وتنتهي آخر لقاءات مسعود بارزاني في النجف وهناك في الحنانة سيلتقي السيد مقتدى الصدر ليكسب الزيارة أهمية استثنائية وليكن الاتفاق وعودة الأكراد تتم بمباركة الحوزة الدينية في النجف ليضمن عدم حصول اعتراضات شيعية على الخطوات الكردية المقبلة.