نفذت السلطات الإيرانية، اليوم الأحد، حكم الإعدام “بدون محاكمة” بحق 22 شخصًا اعتقلهم النظام في مناطق الأحواز المختلفة عقب حادث المنصة الذي وقع في أثناء عرض عسكري في ذكرى الحرب الإيرانية ـ العراقية في يوم 22 من شهر سبتمبر الماضي، والذي خلف عشرات القتلى والمصابين، ما دفع السلطات الإيرانية لاعتقال عدد كبير من نشطاء الأحواز، وألقت القبض على نحو 800 من نشطاء المجتمع المدني بينهم نحو 200 سيدة.
وقتها أعلنت حركة “النضال العربي لتحرير الأحواز” مسؤوليتها عن الحادث، وأدانت في الأيام والأسابيع الماضية اعتقال العشرات من النشطاء المعارضين في إقليم الأحواز وتنفيذ حكم الإعدام بحقهم – كما جرت العادة – إذ يمثل إقليم الأحواز أحد الأقاليم المهمة في إيران على الإطلاق، والذي تبلغ مساحته 60 ألف كيلو متر مربع، ويقطنه 2 مليون نسمة.
ويعاني سكان الإقليم منذ زمن بعيد قمعا مركزا من الدولة الإيرانية الفارسية بدوافع عرقية، إذ يتعمد النظام الإيراني سجن كل من يطلق على أطفاله اسمًا عربيًا، كما صنفتها منظمة الصحة العالمية ضمن المناطق الأكثر تلوثا على مستوى العالم، ويمنع فيها تدريس اللغة العربية، كما يعاني الإقليم اضطهادا وأحوالا معيشية بالغة السوء، وتعتقل السلطات الإيرانية كل من ينادي فيها بالحكم الذاتي على الطريقة الفيديرالية.
دوافع النظام لتنفيذ حكم الإعدام
واستندت السلطات الإيرانية إلى عدة دوافع كانت حجر الأساس الذي بنى عليه النظام قراره بإعدام نشطاء الأحواز خاصة أن هذا الإقليم كان بمثابة الصداع المزمن المستمر في رأس النظام الإيراني منذ سيطرته بالعام 1925 على الإقليم الذي يدين كثير سكانه بالمذهب السني ويصطبغ بالصبغة العربية ويحاول الحفاظ على هويته العربية في ظل المحاولات المتواصلة لجعلها فارسية، وتتمثل أبرز تلك الدوافع في:
1ـ رغبة انتقامية:
يرغب النظام الإيراني بشكل كبير في الانتقام من المتورطين – على حد تعبيره – في حادث المنصة، الذي كان يمثل كبوة كبيرة لقوات الحرس الثوري، التي فشلت كليا في تأمين العرض، الذي حضره أغلب رجال الدولة، ومثل هذا الهجوم وعدد القتلى الكبير حالة من الخلل الأمني في صفوف الحرس الثوري، ما دعا مراقبون يعتبرون أن ذلك الحادث سيكون باكورة الحوادث التي سيقوم بها الأحوازيون فيما بعد، كنوع من رد الفعل على حملات الاعتقالات التي تقوم بها السلطات بحق أبناء الإقليم، لذا عمد النظام الإيراني إلى محاولة إرجاع هيبته التي طرحت أرضًا خلال ذلك الحادث من خلال تنفيذ الإعدام الذي يعتبر رد فعل سريع على حادث المنصة الشهير، وكنوع من الانتقام لكسر المهابة التي خسرها النظام في ذلك الحادث.
2- غض الطرف الشعبي عن العقوبات وتأثيرها:
مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات المتعلقة بالنفط وتطبيق عقوبات على عدد من الشركات الوطنية الإيرانية العاملة في مجال التأمين والشحن البحري والموانئ، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية نيتها عن تقويض النظام الإيراني وتأديبه من خلال تصفير العائدات من الصادرات الإيرانية من النفط، لجأ النظام الإيراني إلى محاولة تجيير الأنظار إلى قضية أخرى لا تتعلق بالعقوبات الأمريكية التي كانت الشغل الشاغل للداخل الإيراني والخارج، إذ وصفت تلك العقوبات بأنها “الأقسى” في تاريخ العقوبات على إيران.
وقد استغل النظام الإيراني حادث المنصة للتغطية على تداعيات العقوبات الكارثية على البنى الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، من خلال إعلان السلطات إعدام 22 من أبناء إقليم الأحواز على اعتبار أنهم كانوا متورطين في حادث المنصة، وهو ما يلفت الانتباه إلى أن النظام يحاول أن يبعد النظر عن مسألة العقوبات الأمريكية ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية تقويض النظام من الداخل، فضلًا عن غض الطرف عن الحديث عن الآثار السيئة التي خلفتها تلك العقوبات في حزمتيها الأولى والثانية، والتي أدت إلى تدهور كبير في الاقتصاد الإيراني.
3- وأد المعارضة الداخلية
يرغب النظام من خلال الإعلان عن إعدام هذا العدد الكبير من مواطني الأحواز إلى وأد المعارضة الداخلية، ففي الوقت الذي يعاني فيه النظام الإيراني الحالي من سطوة العقوبات الأمريكية والخلل الأمني الكبير، والتناقضات البنيوية الحادة، فضلًا عن التردى في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، كان إقليم الأحواز من أكثر الأماكن التي انطلقت منها التظاهرات العارمة التي تنادي بـ”الموت لخامنئي” و”الموت لروحاني” في سابقة هي الأولى من نوعها يتم فيها إطلاق تلك الشعارات، ما جعل قوات الحرس الثوري تتدخل بشكل قوي في محاولة لوأد تلك التظاهرات التي قد تنال من النظام في أي وقت.
غياب المحاكمة القانونية
في كل الدول التي تعلي قيمة حقوق الإنسان لا يتم اعتقال أي مواطن إلا بتهمة محددة، ولا ينفذ أي حكم إلا بمحاكمة عادلة وشفافة على مرآى ومسمع من الجميع، وتتوفر له ظروف محاكمة عادلة تتضمن وجود مدعي بالحق المدني ومحامي؛ إلا أن ما حدث في حالة إعدام الـ22 ناشطا أحوازيا يخالف كل الأعراف والتقاليد والقانون، وميثاق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
مع العلم بأن الاستخبارات الإيرانية ألزمت ذوي المعدومين بعدم نشر أي أخبار تخص إعدام ذويهم أو حتى إقامة مجالس عزاء لهم، فضلًا عن أن السجون الإيرانية تعج بالنشطاء الأحوازيين الذين يقدر عددهم بـ26 ألف سجين أحوازي في سجون الحرس الثوري قد ينفذ فيهم الإعدام في أي لحظة.
الأمر الأهم هو أن النظام اعتاد على تنفيذ الإعدام في حق الشبان والنشطاء الأحوازيين بدون أي محاكمة فعالة، فضلًا عن تنفيذ أحكام بالإعدام بدون تسليم جثث المعدومين لذويهم، ذلك بالإضافة إلى أن النظام الإيراني – في حالة تنفيذ أحكام الإعدام الأخيرة تلك – لم يعلن عن الإجراءات القضائية والأدلة التي استند إليها لإعدام الضحايا، وما إذا كان لهم علاقة بحادث العرض العسكري للحرس الثوري أم لا.
وفي الوقت الذي تتصدر فيه إيران دول العالم في تنفيذ عقوبة الإعدام، تعج سجونها بنحو 4500 سجين ينتظرون الإعدام في أي وقت، وفق إجراءات سريعة لا تستند لمعايير المحاكمات العادلة، وهو ما يثير انتقادات دولية واسعة.
خاتمة
المحصلة النهائية أن إيران بهذا السلوك تزيد من تردي سمعتها الدولية والإقليمية، وتحاول استغلال انشغال المجتمع بالآثار الكارثية للعقوبات، فضلا عن استغلال حادث المنصة لتصفية كل المعارضين الأحوازيين، خاصة أنها أعلنت رسميا أن المسؤول عن الحادث هو تنظيم داعش الإرهابي، بل ونفذت عددا من الضربات الصاروخية من خلال قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثوري على أهداف في مدينة البوكمال السورية ردا من جانبها على هذا الحادث، ما يعنى أن إيران نفسها على المستويين السياسي والعسكري برأت الأحوازيين ومع ذلك نفذت بحق عدد منهم أعمال الإعدام من دون محاكمة، معتقدة أن المجتمعين الداخلي والدولي لن ينتقدا هذا السلوك الذي لم يسبق له مثيل.